مصر والعودة إلى صندوق النقد الدولي

مصر والعودة إلى صندوق النقد الدولي

22 مارس 2022
صندوق النقد مصر أفقر ملايين المصريين/AFP
+ الخط -

لا يمكن الفصل بين قرار التعويم الجزئي للجنيه المصري وخفض قيمة العملة بنسبة 15% في يوم واحد، وزيادة البنك المركزي سعر الفائدة، وبين بدء الحكومة المصرية مفاوضات ماراثونية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض جديدة منه، تضاف إلى العشرين مليار دولار التي تم الحصول عليها خلال السنوات الخمس الأخيرة.

صحيح أن الحكومة تنفي حتى الآن اجراء هذه المفاوضات، لكن ما يدور داخل أروقة الصندوق في واشنطن يؤكد أن هناك مفاوضات جادة بين الطرفين، وأن هناك شروطا جديدة تبحث المؤسسة المالية فرضها على الطاولة مقابل تمرير التمويل الجديد.

الحكومة المصرية تنفي حتى الآن اجراء مفاوضات مع صندوق النقد، لكن ما يدور داخل أروقة الصندوق في واشنطن يؤكد أن هناك مفاوضات جادة بين الطرفين

من أبرز تلك الشروط التعويم الجزئي للجنيه المصري مجددا وتخلي البنك المركزي عن سياسة تثبيت قيمته مقابل الدولار، وهي السياسة المطبقة منذ عدة سنوات رغم الضغوط الشديدة التي تتعرض لها العملة المصرية جراء عجز الميزان التجاري والحساب الجاري والفجوة التمويلية وزيادة أعباء القروض الخارجية. وقد تمت هذه الخطوة بالفعل أمس الاثنين.

دعونا هنا نعيد التذكير بعدة أمور منها أنه في الوقت الذي كانت الحكومة تفاوض الصندوق في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، كانت تخرج على الرأي العام لتنفي هذا الأمر بشكل قاطع، وتطلب من الجميع التوقف عن نشر مثل هذه الشائعات.

موقف
التحديثات الحية

وأنه قبل موافقة الصندوق على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار في ذلك الوقت، كان شرط الصندوق هو تعويم الجنيه أولا من قبل الحكومة قبل الإعلان عن قيمة القرض واتفاق التمويل، وهو ما حصل، حيث تم الإعلان عن قرار التعويم في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016 والسماح بخفض حاد في قيمة الجنيه بلغ نحو 70% في ذلك الوقت.

وأنه في الوقت الذي أخفت فيه الحكومة تفاصيل الاتفاق مع الصندوق عن الرأي العام، كان الأخير يكشف عن بعض من تلك الملامح ومنها فرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الأسعار والضرائب والرسوم الحكومية، وخفض الدعم المقدم لسلع وخدمات أساسية منها البنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه، وسداد ديون شركات البترول العالمية، وتقليص عدد موظفي الجهاز الإداري في الدولة.

اتفاق جديد مع صندوق النقد يجري طبخه حاليا ويفتح الباب أمام الحكومة المصرية لاغتراف مزيد من القروض الخارجية

إذا، المؤشرات الحالية تقول إن هناك اتفاقا جديدا مع صندوق النقد يجري طبخه سواء في القاهرة أو واشنطن، وإن هذا الاتفاق يفتح الباب أمام الحكومة المصرية لاغتراف مزيد من القروض الخارجية سواء من الصندوق والبنك الدوليين أو من مؤسسات دولية وإقليمية وعربية أخرى، أو عبر طرح سندات في الأسواق الدولية بأسعار فائدة قلما يحصل عليها دائن في العالم.

اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي يعني ببساطة ضغوطا معيشية جديدة على المصريين، زيادات في أسعار السلع الغذائية، رفع سعر رغيف الخبز المدعوم وربما تحرير سعره ووقف الدعم الحكومي، زيادات متواصلة في الضرائب والجمارك والرسوم، إزالة كل أنواع الدعم المقدم للكهرباء والمياه والوقود، الإسراع في برنامج بيع أصول الدولة والشركات العامة، وربما إلغاء مجانية التعليم والصحة.

الحكومة المصرية بحاجة ملحة إلى صندوق النقد لأسباب كثيرة لا تتعلق فقط بالحاجة إلى قروض دولارية ضخمة وسريعة، بل بأمور أخرى، فمثل هذا الاتفاق الجديد يفتح الباب على مصراعيه أمام الحكومة لاغتراف مزيد من القروض الخارجية الضخمة.

ودعونا التذكير بأنه في ظل الاتفاق السابق الذي تم إبرامه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 اقترضت الحكومة أكثر من 100 مليار دولار من الخارج على مدى 6 سنوات منها 20 مليار دولار من الصندوق وحده، والباقي توزع ما بين البنك الدولي وصندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوربي للإنشاء والتعمير والبنك الأوروبي للاستثمار وصناديق خليجية وغيرها.

كما أن دعما ماليا جديدا من الصندوق للحكومة المصرية سيساعد في طمأنة المستثمرين والدائنين الأجانب بشأن التزام مصر في سداد أعباء الديون الخارجية، وعدم المساس بمكتسباتهم بما فيها تلك المرتبطة بالمزايا الضخمة التي تحصل عليها الأموال الساخنة.

الصندوق أغرق الاقتصاد في ديون قياسية، والمواطن في أزمات معيشية وزيادات غير مسبوقة في الأسعار، وقضى على الطبقة الوسطى ورفع معدلات الفقر والبطالة والتضخم

في المقابل، فإن الصندوق في حاجة إلى مصر لأنه يريد أن تحتذي دول العالم بما يسميه "التجربة المصرية الرائدة في مجال الإصلاح الاقتصادي والمالي" رغم أن الجميع يدرك أن هذه التجربة كانت مريرة.

فقد أغرقت الاقتصاد المصري في ديون قياسية، وأغرقت المواطن في أزمات معيشية وزيادات غير مسبوقة في الأسعار، وقضت على الطبقة الوسطى ورفعت معدلات الفقر والبطالة والتضخم، والأخطر رهن القرار الاقتصادي والمالي في البلاد إلى الخارج.

فصندوق النقد الدولي بات يتدخل في تفاصيل الانفاق العام للدولة ونفقات الموازنة بما فيها المخصصات التي تذهب للدعم والأجور والخدمات مثل التعليم والصحة وغيرها. وبات له ممثل مقيم في القاهرة يحصي على الناس أنفاسها.

المساهمون