مصر: صحوة احتجاجية في نصف العام الأول

صحوة احتجاجية في مصر في نصف العام الأول.. والعمال مازالوا في وجه الجائحة

11 يوليو 2021
احتجاجات سابقة لعمال مصريين (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل أن ينتهي مايو/أيار 2021، كانت شركة الحديد والصلب المصرية تغلق بابها وتطفئ أفرانها، وتعلن غلق أهم صفحة في تاريخ شركات قطاع الأعمال العام المصرية، التي توصف في أدبيات الصناعة المصرية بأنها "كبرى شركات إنتاج الحديد والصلب العاملة في الشرق الأوسط".

في البداية، رفض العمال القرار، وأعلنوا الاعتصام، احتجاجًا على قرار إيقاف العمل وإغلاق المصنع، بينما كانت التشكيلات الأمنية تنتشر في جميع الشوارع المؤدية للمصنع وأمام بواباته، لمنع دخول باقي العمال البالغ عددهم 7300 عامل، لم يتطرق قرار الجمعية العمومية إلى مصيرهم بعد قرار التقسيم والتصفية.

ثم لجأت مجموعة من عمال الحديد والصلب مع عدد من النقابيين والشخصيات السياسية والعامة المصرية، إلى القضاء المصري، من أجل وقف تصفية الشركة .

اعتصام عمال الحديد والصلب يبقى أهم الاعتصامات والاحتجاجات التي شهدها النصف الأول من العام الجاري، ضمن ما يربو عن 50 احتجاجًا عماليًا

وبالفعل نظرت المحكمة الاقتصادية، في الرابع من يوليو/تموز الجاري، القضية المقامة من عدد من المساهمين بشركة الحديد والصلب لإلغاء قرار التصفية، وقدم الحاضر عن الشركة القابضة للصناعات المعدنية حوافظ مستندات ضمت محضر اجتماع الجمعية العمومية غير العادية لشركة الحديد والصلب المؤرخ بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2021، وكذلك قائمة بأسماء الحاضرين ولائحة شركة الحديد والصلب، والتي تم إدخالها عليها، وقد تأجلت الجلسة بناء على طلب المدعين للاطلاع على المستندات المقدمة اليوم لجلسة 5 سبتمبر/أيلول 2021.

صحيح أن اعتصام عمال الحديد والصلب انتهى دون أن يحقق العمال رجاءهم منه، وقد تطول رحلة النزاع القضائي؛ لكن يبقى هذا الاعتصام أهم الاعتصامات والاحتجاجات التي شهدها النصف الأول من العام الجاري، ضمن ما يربو عن 50 احتجاجًا عماليًا خالصًا ضمن 120 احتجاجًا عماليًا واجتماعيًا وطلابيًا خلال الستة أشهر الأولى من العام.

فوفق مرصد الاحتجاجات العمالية والاجتماعية التابع للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان -منظمة مجتمع مدني مصرية- في تقريره ربع السنوي الأول من العام الجاري، رصد 80 احتجاجًا، من بينها 49 احتجاجًا اجتماعيًا، و31 احتجاجًا عماليًا ومهنيًا، فضلًا عن 16 حالة انتحار لأسباب اقتصادية. ثم في الربع الثاني من العام، رصدت الشبكة 44 فعالية احتجاجية، من بينها 25 احتجاجًا عماليًا.

محليًا؛ إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي أدت لهذه الاحتجاجات مستمرة منذ الأعوام الماضية، إذ تشير الأرقام الصادرة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بشأن الاحتجاجات العمالية في 2020، إلى أن أغلبها كانت تسعى إلى تحسين أوضاع العمال في ظل ازمة وباء كورونا، حيث وثقت 40 فعالية احتجاجية للعمال في الربع الأول من العام، و41 فعالية مماثلة في الربع الثاني، ونحو 75 فعالية في الربع الثالث، بالإضافة إلى 17 فعالية احتجاجية للعمال في الربع الأخير من العام، ليصل إجمالي الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية في العام  المنصرم إلى نحو 173 فعالية من إجمالي 364 فعالية احتجاجية على مستوى كل الفئات والشرائح.

كما أدت جائحة كورونا إلى زيادات كبيرة في معدلات الفقر والجوع، وتدهور مستويات المعيشة لدى الأغلبية العظمى من السكان، في ظل تخوف عالمي من تفشي البطالة وتعميق فقر العمال في العالم، نتيجة انتشار هذا الوباء.

كشفت أزمة الوباء، أوضاع العمال بالقطاع غير الرسمي الذي يأتي حسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بنحو 5.6 ملايين عامل في مصر

وكشفت أزمة الوباء أوضاع العمال بالقطاع غير الرسمي الذي يأتي، حسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بنحو 5.6 ملايين عامل في مصر، يعمل منهم نحو 277 ألف عامل يومية، و233 ألف عامل موسمي في داخل المنشآت الحكومية، يضاف إلى تلك الأعداد 609 آلاف عامل موسمي، و3.7 ملايين عامل متقطع في القطاع الخاص، واجهوا جميعًا تحديات جمة، ترتبت على ما صدر من قرارات إغلاق محلات الترفيه والسياحة والأسواق أمام الباعة الجائلين.

وكشفت أزمة فيروس كورونا الظروف المعيشية المتدهورة للقطاع غير الرسمي بكامله، بدءًا من الفقر والبطالة والاعتماد على المساعدات الفردية، وصولًا إلى التكلفة الباهظة للحصول على الخدمات الصحية وانعدام الحماية القانونية.

وعالميا، توصل تقرير لمنظمة العمل الدولية، في ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى أن جائحة كوفيد-19 قد أدت إلى انخفاض الأجور الشهرية أو ازديادها ببطء أكبر خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020 في ثلثي البلدان التي توفرت فيها معلومات رسمية، مرجحاً أن تفرض الأزمة ضغطاً هائلاً باتجاه انخفاض الأجور في المستقبل القريب.

وعالميًا أيضًا، توصل الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC) إلى خسارة أكثر من 250 مليون وظيفة العام الماضي بسبب جائحة كورونا، وتهديد 130 مليون وظيفة أخرى هذا العام.

وبالإضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية التي فاقمتها أزمة وباء كورونا، توصلت دراسة جديدة أجراها الاتحاد الدولي للنقابات بالاشتراك مع الاتحاد العالمي للنقابات UNI، إلى أن 98% من العمال في العالم لا يحصلون على ما يحتاجونه من إجازات مرضية مدفوعة الأجر، وتعويض عن الأجر ومزايا اجتماعية، لمواجهة تحديات كوفيد 19.

وقد رتب هذا التحليل العالمي الرائد مدى استجابة 181 حكومة تجاه الجائحة. وفي الدراسة، تعترف نصف الحكومات تقريبًا باعتبار كوفيد 19 مرضًا مهنيًا، من خلال عملية تنظيمية رسمية.

بحلول نهاية يونيو/حزيران الماضي، قدرت منظمة العمل الدولية خسارة 7% من الوظائف على مستوى العالم (195 مليون وظيفة)

وتضمن التقرير المعنون "كوفيد 19: مرض مهني يوجب توفير أفضل حماية للعمال المواجهين للخطر"، تحليلًا وتصنيفًا لمستويات تعويض العمال وبرامج الضمان الاجتماعي وأنظمة الصحة العامة.

كما أنه بحلول نهاية يونيو/حزيران الماضي، قدرت منظمة العمل الدولية خسارة 7% من الوظائف على مستوى العالم (195 مليون وظيفة).

وتأتي توقعات الأمم المتحدة أكثر تشاؤما؛ فوفقًا لها ستصيب عواقب الأزمة حاليًا أربعًا من كل خمس وظائف، أو ستصيبها في نهاية المطاف.

ولم تقتصر تركة فيروس كورونا على خسارة فرص العمل، فوسط العاصفة الاجتماعية أثناء الوباء، تشمل التركة أيضًا تخفيضًا لساعات العمل، واستبعادا لأجور، وإخلالًا باتفاقيات للمفاوضة الجماعية، فضلا عن التكلفة الإنسانية والإنتاجية للجائحة التي ستؤثر على العمال وأسرهم أكثر من غيرهم، ولا سيما المنتمون منهم للقطاعات الأضعف.

المساهمون