استمع إلى الملخص
- تعثر الطروحات العامة: تواجه الحكومة صعوبات في بيع حصص الدولة في الشركات العامة، مما يعيق توفير العملة الصعبة لمواجهة العجز المالي، وقد أدى ذلك إلى استحواذ جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة على أصول بسعر أقل من قيمتها.
- الفساد وتأثيره: تزايد وقائع الفساد في عمليات بيع الأصول العامة يؤثر سلبًا على الاقتصاد والاستثمارات، حيث رصدت منظمة شركاء من أجل الشفافية 426 واقعة فساد، مما يضعف الثقة بين المواطن والدولة.
قبل وصول بعثة صندوق النقد الدولي لمناقشة المراجعة الخامسة للاقتصاد المصري، ضمن اتفاق ملزم للحكومة بالإسراع في التخلص من الأصول العامة، وضمان مرونة سعر الصرف، اتجهت الحكومة إلى تدوير الأصول المملوكة لها بإعادة تمليكها لشركات تابعة للجيش والأجهزة السيادية، تعمل ضمن قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، الذي يوفر حوافز وضمانات للقطاع الخاص المصري والأجنبي في مختلف القطاعات وحرية تصرف الشركات في بيع أصولها بعيدا عن تدخل الأجهزة الرقابية والبرلمان.
تشمل خطط تدوير الأصول منح الشركات الجديدة حرية التصرف في استثماراتها وبيع أصولها للغير والتشارك بأي نسب تراها إدارة الشركات. وفي خطوة عاجلة، نقلت الحكومة أصول الشركة العربية لاستصلاح الأراضي التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، إلى جهاز مصر المستقبل التابع للقوات الجوية، بأقل 5% من قيمتها السوقية ببورصة الأوراق المالية، بالتوازي مع تمليك أصول عامة لشركات تابعة للصندوق السيادي، تمنحه صلاحية التصرف فيها للغير عبر البيع المباشر أو حق الانتفاع والتأجير التمويلي.
تعثر مشروع الطروحات العامة
تندفع الحكومة نحو بيع حصص الدولة في الشركات العامة بالقطاعات الخدمية ومشروعات البنية الأساسية، بعد تعثرها في تنفيذ مشروع الطروحات العامة، الذي يستهدف طرح 52 شركة، في قطاعات البنوك ومحطات الطاقة والنقل والاتصالات والتعدين، لتوفير العملة الصعبة، لتساعدها في مواجهة العجز المتوقع بالموازنة العامة، والزيادة الكبيرة التي طرأت على الدين الخارجي خلال عام 2025/ 2026، مع ارتفاع الدين العام إلى نحو 14.6 تريليون جنيه (الدولار = نحو 48.5 جنيهاً)، وسداد التزامات مالية عاجلة تقدر بنحو 25 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2025/ 2026.
استحوذ جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، نهاية الأسبوع الماضي، على 89.6% من أسهم الشركة العربية لاستصلاح الأراضي الحكومية. وقد بلغ سعر السهم 5 جنيهات بنسبة أقل من 5% من القيمة الفعلية للسهم في السوق. ووصف خبير في سوق المال إجراءات البيع بأنها شكلية تستهدف نقل أصول الشركة العامة لاستصلاح الأراضي من ملكية قطاع الأعمال العام إلى القطاعات التابعة للجيش، وذلك ضمن خطة تعمل خلالها الحكومة على تغيير شكل الأصول العامة المجبرة على طرحها للبيع وفقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي الموقع منذ ديسمبر/ كانون الأول 2022 والمعدل في مارس/ آذار 2022، دون أن طرح تلك الأصول في البوررصة أو عرضها للبيع المباشر للمستثمرين المحليين أو الأجانب.
كما أوضح خبير سوق المال، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن خطة نقل الأصول لشركات الجيش تشمل عددا من الشركات العامة، التي تمتلك أراضي زراعية بمساحة كبيرة، أصبحت أغلبها واقعة في الحيز العمراني، حيث يمكن الاستفادة من أراضيها بالبيع بنظام القطعة لتوليد أرباح هائلة من البيع للمصريين والأجانب، وتشمل شركات العربية العامة لاستصلاح الأراضي وكوم أمبو لاستصلاح الأراضي والعامة لاستصلاح الأراضي والتنمية والتعمير.
كذلك استشهد الخبير في سوق المال بالزيادة الكبيرة التي سجلتها الشركات الثلاث بنسبة 20%، صباح الأحد 24 أغسطس/آب الجاري، عقب إتمام عملية بيع الشركة العامة لاستصلاح الأراضي نهاية الأسبوع الماضي، لإدارك المتعاملين في البورصة بحقيقة صفقة البيع التي نفذتها شركة "هيرمس" للوساطة المالية بسعر 5 جنيهات فقط للسهم بما يمثل أقل من 5% من قيمته الحقيقية، بمعدل 101 جنيها عن قيمة سعر السهم الذي بلغ 106 جنيهات، في سوق التدوال بالبورصة قبل الطرح مباشرة.
وبيّن الخبير لـ"العربي الجديد" أن الأراضي والمقار الإدارية والمعامل الزراعية، المملوكة لتلك الشركات، أصبحت بأغلبها واقعة في نطاق الحيز العمراني للمدن، بما يمكن بيعها بقيم مالية هائلة تزيد آلاف المرات عن قيمتها المسجلة في البورصة والدفترية، ما جعل الحكومة تفكر في إعادة استغلالها، وغيرها من الشركات العامة، بتدوير الملكية من القطاع العام إلى شركات جديدة تعمل تحت عباءة قوانين الاستثمار، تابعة للجيش والأجهزة السيادية، بما يظهر استجابتها لضغوط صندوق النقد المتعلق بتوسيع الملكية والطروحات العامة، واستفادة تلك الجهات من العوائد المالية وتشغيل آلاف القيادات، التي تنتقل من العمل بالجهات الأمنية إلى القطاعات المدنية بالدولة.
بيع أشبه بالاستحواذات
وذكر الخبير أن طريقة البيع بشركة استصلاح الأراضي التي جرت أشبه بالاستحواذات التي نظمتها الحكومة لصالح الصندوق السيادي والمستثمرين الأجانب، عندما سمحت لشركات إماراتية بالاستحواذ على جزء من أسهم الشركات المملوكة للدولة وفيها عدد محدود من المساهمين الأفراد، وتمكنت من خلال تحكمها في 15% من أسهم الأصول المملوكة على المشاع في التحكم التدريجي في إدارة الشركات وسهولة اتخاذ القرار، لتتولى بنفسها وضع خطط الاستحواذ التي تمت لصالحها، وذلك بموافقة تامة من الحكومة، في ظل عدم قدرة صغار المودعين على التحكم في قرار الشركات أو تغيير جهة وشروط عمليات الاستحواذ.
وأكد الخبير أن هذه الإجراءات تبين إصرار الجهات السيادية على عدم الخروج من الاقتصاد، بينما يضغط صندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية على الحكومة من أجل الالتزام بذلك، وقد ظهرت آثار هذا الأمر في امتلاك الأسهم كافة أو الأغلبية بشركات المصريين للحديد والصلب ووطنية للأسمنت وتنويع شركات بيع المحروقات، وخدمات الطرق واستغلال أراضي طرح نهر النيل والشواطئ والثروة السمكية، والتشارك مع شركات إنتاج الذهب والنفط والتنمية العقارية وتصنيع السيارات والسياحة والفنادق.
من جانبه، أكد خبير قانوني في التحكيم التجاري أن صفقة بيع شركة استصلاح الأراضي بتحويلها من الملكية العامة إلى ملكية جهاز تابع للجيش جرى تنفيذها وفقا لصفقات نقل الملكية التجارية المغلقة التي تسمح بتنفيذ صفقات ضخمة بسعر يُتفق عليه مسبقا بين طرفين. أكد الخبير القانوني الذي يخشى الإفصاح عن شخصيته لـ"العربي الجديد" أن الغموض الذي أحيط بالصفقة جعلها بعيدة تماما عن نظم الحوكمة والشفافية، ما يهدر حقوق المساهمين الأقلية من الأفراد والعاملين بالشركة، التي تبلغ 10.4% من قيمة الشركة الذين تضرروا من عملية البيع لعدم قدرتهم على التصرف في أسهم بالقيمة العالية نفسها التي كانت عليها قبل استحواذ جهاز مصر على أغلبية الأسهم.
وفي الوقت نفسه، جرت هذه الصفقة بالمخالفة لقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 وتعديلاته، الذي يحدد قواعد القيد والشطب بالبورصة ويجرم التصرف في أصول الدولة من دون تقدير عادل. في بيان صحافي منسوب لجهة سيادية جرى تعميمه على لسان مصدر رسمي مساء الأحد، قال إن صفقة استحواذ جهاز مستقبل مصر على الشركة العربية لاستصلاح الأراضي "يُعتبر نقلة داخلية للملكية بين كيانات حكومية فقط، وليست بيعا لأطراف خاصة، حيث نقلت 89.66% من أسهم الشركة المملوكة سابقا للشركة القابضة لاستصللاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية إلى جهاز حكومي آخر مملوك بالكامل للدولة المصرية.
وحدد البيان "هدفا استراتيجيا" للصفقة، يشمل إعادة هيكلة الشركة، لتعظيم أصول الدولة وتعظيم العائد منها، وتطويرها ضمن خطط طويلة الأمد للعمل في مجالات استصلاح الأراضي وبناء مجمعات زراعية متكاملة وسلاسل إنتاج تبدأ من الزراعة حتى التصنيع وخلق فرص عمل وتدريب الكوادر وتطبيق تقنيات زراعية حديثة. وتشير بيانات شركات استصلاح الأراضي العامة إلى امتلاكها آلاف الأفدنة الواقعة بقلب الكتل السكنية، جنوب العاصمة القاهرة وغربا على مشارف مدينة الشيخ زايد وبمحافظات قنا والمنيا (جنوب) والبحيرة والشرقية (شمال)، بما يؤهلها لأن تتحول إلى مناطق عقارية صالحة للبيع بنظام القطع أو المساحات الواسعة للمطورين العقاريين، والمستثمرين الصناعيين.
وقائع فساد في مصر
تظهر وقائع بيع الأصول العامة عبر صفقات الاستحواذ التي تمنح لأجانب ولجهات سيادية وحكومية عن وقائع فساد تمثل خطورة على الاستثمارات والعدالة الاجتماعية، وتزيد من هوة الثقة بين المواطن والدولة. وكانت عدة تقارير لمنظمة شركاء من أجل الشفافية (مستقلة) قد رصدت تنامي حجم الفساد خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى يوليو/ تموز 2025، بواقع 426 واقعة فساد خلال سبعة أشهر، ما يعكس استمرارية الظاهرة وتعدد حدوثها في قطاعات حيوية تمس حياة المواطنين اليومية.
وأظهرت البيانات التي اطلعت عليها "العربي الجديد" أن الأجهزة المحلية تتصدر مشهد وقائع الفساد، يليها القطاع المالي والمصرفي ثم التعليم والصحة، بينما يحتل قطاع الاستثمار والمشتريات الحكومية مساحة لافتة شهريا بوقائع مرتبطة بتضارب المصالح وتلاعب بالمناقصات العامة. وكشف المركز المصري للدراسات الاقتصادية (مستقل) في دراسة تحليلة لمؤشر مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2024، أن مصر لا تزال تراوح مكانها عند تقييم متدن لا يتجاوز 34 نقطة من 100 نقطة، لتظل ضمن الثلث الأخير عالميا، بسبب ضعف الشفافية في المشتريات الحكومة، ومحدودية تفعيل قانون حماية المبلغين عن الفساد وغياب الإفصاح المالي الدوري عن أوجه إنفاق الموازنات المحلية.
يرى خبراء اقتصاد أن استمرار وقائع الفساد يفاقم تكلفته غير المباشرة، التي تتمثل في إهدار المال العام وتراجع جودة الخدمات العامة، وإهدار ما بين 2%-3% من الناتج المحلي الاجمالي سنويا، ما يوازي عشرات المليارات من الجنيهات.
كما تسعى الحكومة إلى إقناع صندوق النقد بقدرتها على بيع الأصول العامة، من دون أن تحرز أي تقدم في مشروعات البيع التي تعهدت بها على مدار العام، الأمر الذي دفع الصندوق إلى تعطيل المراجعة الخامسة إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول القادم، والتي تمنح الدولة حق سحب 1.6 مليار دولار من أقساط قرض من الصندوق بإجمالي 8 مليارات دولار.