مصر: تخفف أحمال الغاز بمصانع الأسمدة لمواجهة نقص الإمدادات الإسرائيلية

13 يونيو 2025
إنتاج الغاز المصري مستمر في التراجع، البحر الأحمر،23 فبراير2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توقفت إمدادات الغاز من حقول "ليفياثان" و"تمار" الإسرائيلية إلى مصر، مما أدى إلى نقص كبير في الشبكة الوطنية المصرية، واستجابت وزارة البترول بإعلان حالة الطوارئ القصوى.
- اتخذت وزارة البترول المصرية إجراءات احترازية، مثل استيراد الغاز المسال وتوفير سفن للتغويز، لضمان كفاءة توريد الغاز من الحقول المحلية وسفن التغويز.
- أبرمت مصر اتفاقيات لشراء الغاز الطبيعي المسال بقيمة تتجاوز ثمانية مليارات دولار لتأمين احتياجاتها حتى نهاية 2026، مما أدى إلى انخفاض صادرات الغاز بنسبة 35%.

سبّب وقف إنتاج الغاز الطبيعي من حقول "ليفياثان" و"تمار" الإسرائيلية تعطل إمداد شبكة الغاز الوطنية بمصر بنحو 850 مليون قدم مكعب اعتبارًا من فجر أمس، عقب شنّ إسرائيل هجومًا عسكريًّا على إيران. وأعلنت وزارة البترول المصرية حالة الطوارئ القصوى خشية التأثير السلبي للتراجع المفاجئ في ضخ الغاز من إسرائيل، ما قد يؤدي إلى ضعف ضغط الغاز الطبيعي بالشبكة الوطنية الموحدة، ويعرض محطات التوليد والمصانع الكبرى للتوقف المفاجئ.

وأكدت مصادر رفيعة في وزارة البترول لجوء الشركة القابضة للغاز إلى وقف إمداد الغاز لمصانع البتروكيماويات لمدة تراوح بين 48 و72 ساعة، بما يوفر نحو 450 مليون قدم مكعب يوميًّا، مع تخفيف الأحمال عن بعض محطات الكهرباء وتحويلها إلى العمل بالمازوت، لضمان استمرار تشغيل المحطات من دون انقطاعات خلال أزمة الإمدادات القادمة من الحقول الإسرائيلية.

وقام وزير البترول ظهر أمس، بجولة تفقدية على عدد من محطات ضخ الغاز بالشبكة الموحدة للاطمئنان على كفاءة توريد الغاز وتنفيذ خطوات استباقية تحول دون ارتباك العمل بشبكات الضخ من الحقول المصرية، والتي يُجرى تزويدها بالغاز الطبيعي المحلي ومن سفن تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي (التغويز) الموجودة حاليًّا بموانئ السويس والإسكندرية والعقبة في الأردن، والتي تغذي الشبكة الموحدة بإجمالي يصل إلى 5 مليارات قدم مكعب يوميًّا.

وقال خبير هندسة الطاقة جمال القليوبي في اتصال مع "العربي الجديد"، إن وزارة البترول اتخذت إجراءات احترازية لمواجهة النقص في واردات الغاز من إسرائيل منذ أسبوعين، حين أبلغت الشركات الإسرائيلية وزارة البترول رغبتها في خفض كميات الغاز لإجراء صيانة بخطوط الربط بين شبكة الغاز الوطنية والحقول الإسرائيلية، ما عجّل بطلب شحنات كبيرة من الغاز المسال وتوفير 4 سفن للتغويز.

وأكد أن الغاز المسال المستورد سيُحوّل إلى الشبكة الموحدة من محطتي ميناء الإسكندرية والسويس، بعيدًا عن مناطق الاضطراب العسكري. وأشار إلى أن وزارة البترول تحتفظ باحتياطي كبير من المحروقات، يشمل الغاز والبنزين والسولار والمازوت، يكفي احتياجات البلاد لمدة 45 يومًا، ما يمنح مصر القدرة على تحمل الاضطرابات المحتملة في المنطقة وأسواق الطاقة بسبب الحرب الإسرائيلية.

وأضاف خبير اقتصاديات البترول ومستشار مجلس الوزراء محمد فؤاد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن توقف تشغيل الآبار الإسرائيلية هو إجراء احترازي قد يستمر ما بين يومين إلى ثلاثة، أسوة بإغلاق المطارات والأجواء في الأراضي المحتلة. ولفت إلى أن تراجع كميات الغاز التي تحتاج إليها الشبكة بنحو 850 مليون قدم مكعب يوميًّا، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى نحو 6.2 مليار قدم مكعب، يضطر وزارة البترول إلى العودة إلى سيناريوهات تخفيف الأحمال بشبكات الغاز، بما يعادل الكمية المتراجعة نفسها من إسرائيل، والتي تبدأ عادة بوقف تشغيل مصانع الأسمدة والبتروكيماويات، وتخفيف الضخ للمناطق الصناعية الكبرى، مع زيادة الاعتماد على المازوت والغاز المسال القادم من الخارج في محطات توليد الكهرباء.

وأوضح أن أزمة الواردات الإسرائيلية تتزامن مع ذروة استهلاك الكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاعتماد على أجهزة التكييف، ما يتطلب الإسراع في تعزيز قدرات قطاع البترول في إعادة تغويز الغاز المسال من خلال وحدات عائمة جديدة، من بينها وحدة "إنرجوس إسكيمو" التي وصلت مؤخرًا إلى ميناء الإسكندرية بقدرة تبلغ نحو 750 مليون قدم مكعب يوميًّا، لتنضم إلى وحدة "إنرجوس باور" العاملة في منطقة العين السخنة. كما من المنتظر أن تنضم وحدة ثالثة تابعة لشركة "بوتاش" التركية قبل نهاية عام 2025، ما يرفع القدرة الإجمالية لإعادة التغويز إلى أكثر من 2.25 مليار قدم مكعب يوميًّا.

وكشفت مصادر مطلعة في قطاع الطاقة أن مصر أبرمت اتفاقيات خلال الأسابيع الأربعة الماضية مع عدد من شركات الطاقة العالمية، من بينها "أرامكو" السعودية و"ترافيغورا" السنغافورية و"فيتول" الهولندية، لشراء ما بين 150 و160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال بقيمة تتجاوز ثمانية مليارات دولار، لتأمين احتياجاتها من الكهرباء حتى نهاية عام 2026.

جاء هذا التحرك في إطار توجه استراتيجي يهدف إلى تأمين إمدادات مستقرة من الغاز وتقليل الاعتماد على السوق الفورية، في ظل انخفاض الإنتاج المحلي وتزايد الضغط على الشبكة الوطنية للطاقة. وقد أثّر هذا التحول المفاجئ بشكل واضح على صادرات الغاز، ولا سيما من خلال محطة "إدكو"، التي شهدت انخفاضًا في عدد الشحنات المصدّرة بنسبة وصلت إلى 35% خلال العام الماضي، بحسب بيانات منصة "كبلر" المتخصصة بتتبع الشحنات.

ووفقًا لتقارير "بلومبيرغ نيوز"، فإن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيغاس" وقّعت اتفاقات إضافية مع شركات مثل "هارتري بارتنرز" و"بي جي إن" و"شل"، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى احتواء آثار أزمة العملة الصعبة وتثبيت تكلفة واردات الطاقة من خلال عقود متوسطة الأجل، في ظل تباطؤ الإنتاج المحلي. فقد أدى تراجع الإنتاج من الحقول المحلية، بالتزامن مع تزايد عدد السكان وارتفاع درجات الحرارة، إلى زيادة الطلب محليًّا، ما جعل مصر مستوردًا رئيسيًّا ومساهمًا في تشديد الأسواق العالمية.

وكانت مصر حتى عام 2022 من بين الدول المصدّرة للغاز المسال في المنطقة، مدعومة بحقول ضخمة مثل "ظهر"، غير أن تراجع الإنتاج منذ النصف الثاني من عام 2023 إلى متوسط 4.4 مليارات قدم مكعبة يوميًّا، مقارنة باحتياجات داخلية تتجاوز 6.2 مليارات قدم مكعبة، دفع البلاد إلى سدّ فجوة استهلاك يومية تُقدّر بـ1.8 مليار قدم مكعب من خلال الواردات.

وسيُستخدم ما بين 50 و60 شحنة لتغطية الطلب خلال صيف هذا العام، على أن يُستخدم الباقي حتى عام 2026. ويأتي ذلك بالإضافة إلى 75 شحنة اشترتها القاهرة بالفعل هذا العام. وسيبلغ إجمالي الشحنات 235 شحنة للعامين الحالي والمقبل. وجاء سعر الشحنات بعلاوة تراوح بين 0.70 و0.75 دولار عن سعر الغاز القياسي الأوروبي في مركز "تي.تي.إف" الهولندي، مع إمكانية تأجيل الدفع لتسعة أشهر، وتضمن الصفقات للقاهرة مرونة في ما يتعلق بتأجيل الشحنات، كما أن بعض الشركات لديها خيار تزويد مصر بشحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال عند الحاجة.

وتشير بيانات "ستاندرد أند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس" إلى أن مصر اشترت 2.25 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال هذا العام، ما يمثل نحو 90% من إجمالي وارداتها لعام 2024. وقد يرتفع هذا الرقم إذا أضيفت الواردات عبر الأردن. كما نقلت وكالة "رويترز" عن مدير شؤون شركة "أتلانتيك إل إن جي" في "ستاندرد أند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس"، علي بلاكواي، قوله إن أحدث مشتريات مصر تأتي في وقت تجرى فيه أعمال صيانة في الولايات المتحدة والنرويج، وفي الوقت الذي تبدأ فيه أوروبا دورة ضخ الغاز الصيفية.

المساهمون