مصر: النظام أبرأ ذمته مسبقاً من دماء القطارات بشعار "ما باليد حيلة"

مصر: النظام أبرأ ذمته مسبقاً من دماء القطارات برفع شعار "ما باليد حيلة"

18 ابريل 2021
وزير النقل أكد أن عملية التطوير تحتاج بعض الوقت (فرانس برس)
+ الخط -

لن يحاسب أحد على دماء المصريين المسالة على قضبان القطارات في حوادث متعاقبة ومتكررة؛ خاصة أن النظام المصري، ممثلًا في وزير النقل، أبرأ ذمته مسبقًا من هذه الدماء، وادعى أنه "يطور" منظومة السكك الحديدية المصرية، لكن عشرات آلاف الرحلات ومئات آلاف الركاب يوميا، هم الحائل دون الإسراع في عملية التطوير.
وزير النقل المصري، ذو الخلفية العسكرية، كامل الوزير، في آخر مؤتمر صحافي له خلال كارثة اصطدام قطارين بسوهاج جنوبي مصر، أسفرت عن مصرع 32 مواطنًا، وما يقارب 165 مصابًا في 26 مارس/آذار الماضي، قال نصًا: "ليس لدينا سبيل كدولة وكحكومة وعلى صعيد جميع أجهزة الدولة غير الاستمرار في تطوير هذا المرفق الذي تحشد الدولة من أجله جميع إمكاناتها لتحديثه، لكن عملية التطوير هذه لن تستغرق وقتا قليلا فهي تحتاج لبعض الوقت، ومع هذا العدد الكبير من المواطنين الذين يتم نقلهم يوميا عبر مرفق السكك الحديدية ومع عشرات الآلاف من الرحلات، إلى جانب عدم توقف هذا المرفق الحيوي خلال عملية التطوير، من الوارد أن يقع حادث مثل الذي وقع اليوم، ولا سبيل إلا الإسراع في عملية التطوير في المرحلة المقبلة".

بهذه البساطة، أكد وزير النقل المصري، أن حادث قطار سوهاج الأخير، "من الوارد أن يتكرر" وأنه غير مسؤول إلا عن "الإسراع في عملية التطوير في المرحلة المقبلة".
ولم يمض سوى 23 يومًا على حادث تصادم قطاري سوهاج، حتى وقع حادث آخر، اليوم الأحد، بمدينة طوخ بمحافظة القليوبية، أسفر عن 8 قتلى، و97 جريحًا حسب الحصر الأولي لوزارة الصحة المصرية.
وسبق حادثة تصادم قطاري سوهاج، كارثة اصطدام جرار أحد القطارات برصيف محطة مصر بميدان رمسيس في القاهرة نتيجة دخوله المحطة بسرعة فائقة، مما أدى إلى انفجار الجرار ونشوب حريق هائل أسفر عن مقتل 22 مواطنًا مصريًا وعشرات الإصابات، في أواخر فبراير/شباط 2019.
ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يتجه عدد حوادث القطارات في مصر نحو الارتفاع منذ عام 2012. إذ وقع 447 حادث قطار في 2012، ثم أخذ الرقم في الارتفاع إلى أن وصل عدد الحوادث إلى 1793 في عام 2017.

لم يمض سوى 23 يوماً على حادث تصادم قطاري سوهاج، حتى وقع حادث آخر، اليوم الأحد، بمدينة طوخ بمحافظة القليوبية، أسفر عن 8 قتلى، وعشرات الجرحى

وبلغ عدد حوادث القطارات في مصر، 2044 حادث قطار عام 2018، و1793 حادثًا في 2017، ثم 1863 حادثة خلال عام 2019 فقط، حسب النشرة السنوية لحوادث السيارات والقطارات لعام 2019، والتي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو/حزيران 2020.
وسبق أن كشفت إحصائية رسمية أن إجمالي عدد حوادث قطارات السكك الحديدية منذ 2006 حتى عام 2017، بلغ 12 ألفا و236 حادثا. أعلى معدلاتها كانت في عام 2009 وبلغت 1577 حادثا وأقلها في 2012 الذي شهد 447 حادثا، وذلك بسبب توقفات الحركة في فترة ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وتنوعت حوادث قطارات السكة الحديد ما بين اقتحام سيارة لمزلقانات وتمثل 80% من الحوادث في الوقت الذي جاء خروج القطارات عن القضبان بنسبة 15%.
تأتي كل هذه الحوادث والكوارث المتعاقبة، بالتزامن مع تعرض قطاع  السكك الحديدية في مصر لخفض كبير في الإنفاق خلال الفترة من عام 1990 حتى عام 2016، حيث انخفض الإنفاق الحقيقي على السكك الحديدية، باستبعاد خدمة الديون، في الربع القرن الأخير بنحو 39%، وهم ما لم يؤثر فقط على جودة الخدمة، لكن أيضًا على عدد مستخدميها مقارنة بوسائل النقل الجماعي الخاص كالميكروباص، وسيارات "السبعة ركاب"، وأتوبيسات النقل بين المدن، حسب تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية -منظمة مجتمع مدني مصرية- تتبعت فيه الإنفاق على السكك الحديدية في ربع القرن الأخير.
تنصل الحكومة من المسؤولية، والتشدق بمبررات نقص الموارد والتطوير، غير قاصر على الحادث الأخير أو سابقه فقط، بل هو سياسة متبعة منذ سنوات، وهو ما أكد عليه أيضًا، تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في أعقاب حادث قطار محطة مصر، في مواجهة حوادث تشير إلى ضعف كفاءة أحد المرافق العامة، حيث ذكر التقرير أنه"يوجد ميل حكومي مستمر إلى إلقاء اللوم على نقص الموارد وأن -ما باليد حيلة، لكن مراجعة نسبة الإنفاق على السكك الحديدية من الناتج المحلي الإجمالي (مجموع الموارد المتاحة في الاقتصاد الوطني) تشير إلى وجود تراجع حاد في نسبة الإنفاق من 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 1990/91 إلى نحو 0.31% في 2015/16، مما يرجح أن الخلل يكمن في حشد الموارد و/أو ترتيب أولويات الإنفاق أكثر من مدى توافر الموارد".

وحسب التقرير الصادر عن المبادرة، في 2019؛ يعتبر تراجع الإنفاق على السكك الحديدية جزءا من سياسات أوسع للتقشف، تأتي على حساب حق عشرات الملايين في الحياة بصور مباشرة، وإن كانت أبطأ في تأثيرها من حادثة "محطة مصر"، وتعتبر مصر من أقل دول الشرق الأوسط وغرب آسيا والقارة الأفريقية من حيث الإنفاق الاجتماعي على معاشات التضامن، والذي لا يصل حتى إلى نصف متوسط الشرق الأوسط (1% من الناتج المحلي الإجمالي)، كما تراجع الإنفاق على الصحة إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة عام  2017/2018، أقل من نصف النسبة التي يحددها الدستور (3%). كما انخفضت مخصصات الإنفاق على التعليم إلى 2.6% من الناتج في نفس العام بينما تلتزم الحكومة دستوريًّا بإنفاق ما يعادل 6% من الناتج على هذا البند.

المساهمون