مستقبل أوبك في خطر... الخلافات وأزمات المال تحاصر المنظمة البترولية

مستقبل أوبك في خطر... الخلافات وأزمات المال تحاصر المنظمة البترولية

02 ديسمبر 2020
محطة شحن كهربائي بديلة لمحطات البنزين في مدينة أوكلاند بكاليفورنيا
+ الخط -

ربما سيكون عقد العشرينيات من العقود الخطرة على مستقبل منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" التي تواجه الدول الأعضاء فيها مجموعة من التحديات تراوح بين الأزمات المالية، وتضارب الأهداف، وتراجع استخدامات المشتقات النفطية في توليد الطاقة، وعقبات الحظر الأميركي. 

تضاف إلى ذلك ضربات جائحة كورونا وتداعياتها على الاستهلاك النفطي، والخلافات بشأن حصص الإنتاج المستقبلية التي تزداد تعقيداً مع التجاوزات والغش التي تفرضها حاجة بعض الحكومات الماسة للأموال، وتدفعها تبعاً لذلك إلى رهن نفطها لسنوات مقابل الحصول على مقدم دفعيات لفك الضائقة المالية. 
وحتى الآن حالت هذه الخلافات بين أعضاء "أوبك+" دون إجازة إعلان وثيقة التعاون النفطي التي تمت مناقشتها يومي الأثنين والثلاثاء في اجتماع "أوبك+"، الذي تم عبر "الفيديو كونفرانس". وهدفت وثيقة التعاون بين "أوبك" والمنتجين خارجها لإحداث التوازن بين العرض والطلب العالمي على النفط حتى الربع الأول من العام 2022. وهو التوازن المطلوب لامتصاص التخمة النفطية المعروضة في السوق، وبالتالي دفع الأسعار للارتفاع نحو 50 دولاراً للبرميل. 
وتدعو الوثيقة إلى تعديل اتفاقية خفض الإنتاج الحالية من 7.7 ملايين برميل يومياً إلى 5.7 ملايين برميل يومياً، في الفترة بين يناير/ كانون الثاني 2021 وإبريل/ نيسان 2022، أي زيادة إنتاج الدول الأعضاء في "أوبك" وحلفائها بمليوني برميل يومياً خلال هذه الفترة، بدلاً من تعديل الاتفاقية كل 3 أشهر، وذلك وفقاً لبيانات مكتب المنظمة البترولية في فيينا. 
لكن مصارف استثمارية، من بينها "غولدمان ساكس" و"آي أن جي" و"يو بي أس"، ترى أن الخلافات العميقة بين الأعضاء في التحالف النفطي ربما ستضطر "أوبك+" إلى الاستمرار باتفاق الخفض الحالي، وتأجيل البت في الزيادة حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل.

ووفق خبراء نفط، فإن هذا الخلاف ربما سيكون محدوداً، ولكن منظمة "أوبك" ستواجه خلافات أكبر بين الأعضاء وعقبات كؤودة ربما تهدد بقاءها خلال السنوات العشر المقبلة. إذ تواجه المنظمة أكثر 5 تحديات تهدد وجودها في المدى المتوسط وحتى العام 2030. 
أكبر هذه الخلافات المتوقع أن تتفجر في المستقبل خطط بعض الدول لزيادة الإنتاج النفطي في وقت يتراجع فيه الطلب على النفط لصالح الطاقات النظيفة، مثل الغاز الطبيعي والطاقات المتجددة من الرياح والشمس والطاقة النووية. 
في هذا الشأن، يقول المستثمر الأميركي والخبير النفطي ريتشارد فودرا إن "أوبك" تواجه خلال السنوات المقبلة ارتفاع الإنتاج في ليبيا والعراق والإمارات وإيران وروسيا. إذ أنتجت "أوبك" نحو 25.31 مليون برميل يومياً في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بزيادة 750 ألف برميل يومياً عن معدل إنتاجها في أكتوبر/ تشرين الأول.
وبحسب الأرقام، فقد ارتفع إنتاج النفط الليبي وحده بنحو 700 ألف برميل. وكان إنتاج " أوبك" في يونيو/ حزيران الماضي 22.69 مليون برميل يومياً، وهو الأدنى منذ العام 1999. ويلاحظ أن الإمارات رفعت إنتاجها بنحو 90 ألف برميل يومياً في نوفمبر/ تشرين الثاني. وتستهدف الإمارات زيادة إنتاجها إلى 5 ملايين برميل خلال السنوات العشر المقبلة، وفقاً للخطة التي أعلنت عنها شركة أدنوك في بداية الأسبوع الماضي. وأعلنت أدنوك عن خطة استثمار في النفط قدرها 122 مليار دولار. 
وعلى الرغم من أن هذه الميزانية ليست الأكبر في تاريخ أدنوك، إلا أن ما يخيف "أوبك" من هذه الخطة أنها جاءت في وقت يتراجع فيه الطلب على الخامات والمشتقات النفطية وعدم اليقين حول الطلب العالمي على نفط "أوبك". وحسب وكالة بلومبيرغ، تخطط الإمارات لزيادة الإنتاج النفطي إلى 5 ملايين برميل خلال السنوات العشر المقبلة من حقول تقليدية جديدة يبلغ احتياطيها ملياري برميل وحقول نفط صخري يبلغ احتياطيها 20 مليار برميل. 
على صعيد العراق، ثالث أكبر منتج في أوبك، فإن لدى حكومة بغداد خطة طموحة لزيادة الإنتاج النفطي خلال السنوات المقبلة، ويواجه العراق حالياً أزمة مالية طاحنة اضطرته للبحث عن مشترين لإنتاجه خلال السنوات الخمس المقبلة، وخاصة أن الأزمة تهدد بقطع رواتب موظفي الدولة، كما حدث في الأسابيع الماضية. 
وحسب نشرة "ويرلد أويل"، فإن العراق يبحث عن مشترين لعقود نفط مستقبلية تقدر كميتها بنحو 4 ملايين برميل نفط خلال السنوات الخمس المقبلة، أي بمقدار 130 ألف برميل يومياً. ويعرض العراق الكميات المرهونة بسعر منخفض مقابل الحصول على مقدم دفع فوري يقدر بنحو ملياري دولار. 
ويعكس هذا الرهن الضغوط التي تواجهها الحكومة العراقية الحالية ومخاوفها من المظاهرات التي سبق أن أسقطت حكومة حيدر العبادي في العام السابق، وبالتالي فمن الصعب تقييد دولة مثل العراق في المستقبل بحصة نفطية. ودفعت زيادة مبيعات الحكومة المركزية العراقية من النفط إلى 3.7 ملايين برميل يومياً، بالإضافة إلى حوالي 450 ألف برميل يوميا تصدرها حكومة إقليم كُردستان، صادرات العراق إلى أعلى مستوى لها منذ سبتمبر/ أيلول الماضي. 

كما أن خبراء يتوقعون أن يساهم حل الصراع الليبي في زيادة إنتاج ليبيا فوق مليون برميل يومياً خلال العام المقبل، ولكن في حال حدوث سلام دائم، فإن إنتاج النفط الليبي ربما سيصل بسهولة إلى مستوياته قبل سقوط حكم العقيد معمر القذافي والبالغة 1.65 مليون برميل يومياً. 
وهنالك مخاوف لدى منتجي أوبك من عودة النفط الإيراني في حال عودة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمفاوضات النووية "5+1"، ورفع الحظر الأميركي عن طهران، وبالتالي تجميد العقوبات التي فرضها دونالد ترامب على النفط الإيراني وتصفير صادراته. 
على صعيد السعودية التي تقود منظمة "أوبك"، فإن شركة أرامكو تواجه أزمة مالية بعد كلف طرحها والدفعيات الضخمة للمساهمين وتزايد الديون على الشركة التي تعتمد عليها الحكومة في الإنفاق. وبلغت الديون الخارجية للحكومة السعودية 218.6 مليار دولار، وهو أعلى مستوى لها خلال العام الجاري. وبالتالي من المتوقع أن تلجأ الحكومة إلى دفع أرامكو للمزيد من الاستدانة خلال الأعوام المقبلة وزيادة حصة مبيعاتها في السوق النفطية خلال العام المقبل. وربما يقود ذلك إلى عودة الصراع على الحصص بين أعضاء "أوبك" وفي المقدمة السعودية والشركات الروسية. وهذا الصراع هدد بشكل مباشر منظمة أوبك في الربع الأول من العام الجاري.
يمكن تلخيص هذه التحديات التي تواجه منظمة أوبك في التراجع المتواصل في حصة المنظمة في سوق الإمدادات النفطية العالمية، والتحول الجاري في سوق الطاقة العالمية نحو توليد الطاقة النظيفة، والتباين في الأهداف بين الأعضاء من حيث التوسع في الإنتاج وأسعار النفط المستهدفة، وتحول شركات النفط الصخري إلى موقع "المنتج المرجح" الذي يحدد مستويات الأسعار وليس السعودية، إضافة إلى الصراع الدولي وسياسات الحظر النفطي.
وتبعاً لذلك، يتوقع خبير الطاقة بنشرة "بلاتس غلوبال" التي تعنى بالنفط، هيرمان وانغ، أن تهدد خلافات تقاسم الحصص والأزمات المالية التي تحاصر حكومات الدول مستقبل المنظمة البترولية خلال السنوات العشر المقبلة. 
وتواجه "أوبك" هذه الخلافات في وقت تتراجع حصتها في سوق الإمدادات النفطية العالمية. وتشير بيانات مكتب "أوبك" الرئيسي في فيينا، في تقريره الصادر في أغسطس/ آب الماضي، إلى أن حصة المنظمة البترولية تراجعت في الإمدادات العالمية من 80% في عقد السبعينيات إلى 30% خلال العام الماضي، 2019. وهنالك توقعات أن تتراجع إلى 25% بعد فوز مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، الذي يخطط لاستثمار ترليوني دولار في مشروعات الطاقة المتجددة. 
ومن هذا المنطلق، فإن العديد من الخبراء لا يستبعدون أن تتفكك أوبك خلال الفترة المقبلة. إذ باتت "أوبك" بين فكي كماشة، بين خسارة حصتها المتآكلة في سوق الطاقة العالمية، وخسارة حصتها في سوق الإمدادات العالمية لصالح الطاقات المتجددة وشركات النفط الصخري والشركات الروسية.

يذكر أن منظمة "أوبك"، التي تأسست قبل 60 عاماً، تمكنت من الإبحار إلى بر الأمان وتجاوز العديد من العقبات رغم محاولات البعض تفكيكها، ومنهم دونالد ترامب، ولكن هنالك شكوكا بشأن ما إذا كانت المنظمة البترولية تستطيع البقاء وسط اللكمات الخطيرة التي تتلقاها حاليا من تداعيات كورونا والتحول الاستراتيجي بسوق الطاقة العالمي والخلافات بين الدول الأعضاء.
وتأسست أوبك في سبتمبر/ أيلول 1960 خلال مؤتمرعُقد بالعاصمة العراقية بغداد. وشكّلت السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا النواة الأولى لها، لتتوسع بعد ذلك وتضم 14 دولة منتجة للنفط.

المساهمون