مستقبل أسعار النفط ...الذهب الأسود ينتفض وتوقعات بوصوله لـ 100 دولار

مستقبل أسعار النفط ...الذهب الأسود ينتفض وتوقعات بوصوله إلى 100 دولار

25 فبراير 2021
ارتفاع الطلب على الوقود في الصين والدول الآسيوية (Getty)
+ الخط -

جاءت تحركات أسعار النفط في الآونة الأخيرة أشبه بالانتفاضة، التي جاءت للتذمر من الانهيار الذي لازم الذهب الأسود على مدار السنوات الست الماضية ودفعه نحو القاع مع اجتياح فيروس كورونا العالم مطلع العام الماضي، حيث هوت الأسعار إلى نحو 20 دولاراً للبرميل في إبريل/ نيسان، قبل أن تتخذ منظمة أوبك وكبار المنتجين من خارجها في ما يعرف بتحالف "أوبك+" إجراءات لخفض الإنتاج لمنع الأسعار من تسجيل المزيد من الانهيار والعودة نحو الاستقرار.

ومنذ ذلك التاريخ ظلت أسعار النفط تتحرك صعوداً ببطء، حتى بدأت في تسجيل مكاسب قوية بحلول العام الجاري 2021، صعد معها خام برنت بنحو 26%، بينما قفزت نسبة الزيادة منذ إبريل/ نيسان الماضي إلى 225%، وفق رصد لـ"العربي الجديد".

وسارعت بنوك استثمار عالمية قبل أيام إلى تبني سيناريوهات متفائلة للأسعار بوصولها إلى 75 دولاراً للبرميل في الربع الثالث من العام الجاري بدعم من حالات الخروج التدريجي للاقتصادات الكبرى من الإغلاقات التي فرضتها الجائحة وتقلص الإنتاج الأميركي من الخام بسبب عاصفة الثلوج التي ضربت ولاية تكساس مركز إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة، إلا أن شركات نفط دولية تبنت توقعات أكثر جنوحاً لفورة سعرية من ثلاثة أرقام يكسر الخام خلالها حاجز الـ 100 دولار للبرميل في غضون أشهر.

"بنك أوف أميركا": من المحتمل أن يتجاوز النفط 100 دولار للبرميل على مدى السنوات القليلة المقبلة

بيد أن محللين في قطاع الطاقة يرون أن ما يحدث حالياً من صعود للأسعار مجرد نشوة وقتية وسرعان ما ستتجه الأسعار لحركة تصحيح لتعود أدراجها عند مستوياتها الحالية التي تدور حول 65 دولاراً للبرميل، لا سيما أن معركة المخزون العالمي خاصة الأميركي لم تُحسم بعد.

ويرى "بنك أوف أميركا" أن من المحتمل أن يتجاوز النفط 100 دولار للبرميل، ولكن على مدى السنوات القليلة المقبلة، وفق تقديرات نقلتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الأربعاء، مستفيداً في ذلك من تحسن الاقتصادات في ظل سياسات التحفيز العالمي.

لكن شركة النفط الحكومية الأذربيجانية "سوكار"، تتوقع وصول خام برنت القياسي العالمي بشكل أسرع إلى ثلاثة أرقام في غضون 18 إلى 24 شهراً القادمة.

ورغم إعلان معهد البترول الأميركي، مساء الثلاثاء، أن مخزونات الخام زادت مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 19 فبراير/ شباط الجاري، إلا أن الأسعار لم تسجل سوى هبوط طفيف في تعاملات، أمس، حيث تراجع خام برنت بأقل من 1% ليظل مستقرا حول 65 دولارا للبرميل، في حين هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي نحو 0.5% ويحوم حول 61 دولارا للبرميل.

وينتعش الطلب مجدداً على النفط، خاصة في الأسواق الآسيوية الرئيسية التي استطاعت أن تخرج بوتيرة أسرع من تداعيات جائحة كورونا مقارنة بالولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية، بينما يواصل تحالف "أوبك+" حجز البراميل عبر سياسة خفض الإمدادات.

وتحتل علامة 100 دولار مكانة خاصة في أذهان العديد من المتداولين، حيث كان النفط يحوم حول هذا المستوى لعدة سنوات في الجزء الأول من العقد الماضي، إذ إن الطلب القوي من الأسواق الناشئة أدى إلى جذب عمال الحفر إلى مواقع أكثر تكلفة من أي وقت مضى في العديد من مناطق الإنتاج.

لكن تلك الحقبة انتهت في عام 2014، عندما أثبتت شركات النفط الصخري الأميركية قدرتها على ضخ كميات هائلة بتكاليف أقل بكثير، قبل أن تأتي جائحة كورونا العام الماضي وتتسبب في ضربة أكثر إيلاما للنفط مع تراجع الطلب وتخمة المعروض المتضخمة.

غير أن استمرار النفط الصخري في التمدد بالولايات المتحدة قد لا يستمر طويلا، وفق تحليل نشره جوليان لي، خبير أسواق النفط في بلومبيرغ، أمس، مشيرا إلى اتخاذ منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، نهجاً أكثر حذراً في الاستثمار الجديد، على الأقل حتى الآن.

وتميل سياسة الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن نحو تقنين إنتاج النفط الصخري للحد من آثاره البيئية، حيث اتخذت بالفعل قرارات تحد من التراخيص الممنوحة للشركات في نهج مغاير لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وأدى حذر المنتجين من ضخ استثمارات جديدة إلى الحد من مستويات الإنتاج حتى مع ارتفاع الأسعار، وفق جوليان لي، حيث تم تعليق مشاريع الصيانة الميدانية واستثمارات رأس المال، مما يقوض التدفقات الجديدة المحتملة، ويسرِّع معدلات الانخفاض في الحقول القائمة.

وجاءت العاصفة الثلجية التي ضربت ولاية تكساس منذ أسبوعين لتعزز صعود الأسعار، بعد توقف الإنتاج في الحقول ومصافي النفط وانقطاع التيار الكهربائي لأيام، قبل أن يعود الإنتاج تدريجياً، أخيراً.

لكن المؤشرات العالمية تظهر من جديد أن أسواق السلع الأساسية وعلى رأسها النفط تتهيأ لدخول دورة جديدة من الانتعاش مع توزيع المزيد من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وسياسات التحفيز الضخمة لأكبر الاقتصادات العالمية على رأسها الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، ما يعزز من زيادة الطلب بينما المعروض بات في قبضة تحالف "أوبك+" الذي تتجه الأنظار إلى اجتماع حاسم له في الرابع من مارس/ آذار المقبل لتحديد مصير خفض الإمدادات.

ورغم أن آراء السعودية وروسيا اللتين تقودان تحالف "أوبك+" متباينة بشأن ما إذا كان التحالف سيضيف مزيداً من المعروض إلى السوق في إبريل/ نيسان المقبل أم يبقي على خفض الإمدادات، إلا أن محللين يرون أن هناك إمكانية للوصول إلى اتفاق من شأنه دعم استقرار الأسعار والحفاظ على المكاسب المحققة.

السعودية راغبة في إبقاء الإنتاج النفطي ثابتاً، لكن موسكو تشير إلى أنها لا تزال تريد المضي قدماً في زيادة الإنتاج

وتريد السعودية إبقاء الإنتاج ثابتاً، وفق ما نقلته وكالة بلومبيرغ مطلع الأسبوع الجاري عن مندوبين في منظمة "أوبك"، لكن موسكو تشير إلى أنها لا تزال تريد المضي قدماً في زيادة الإنتاج.

وكان تحالف "أوبك+"، الذي يضم الأعضاء في منظمة أوبك وكبار المنتجين من خارجها على رأسها روسيا، قد اتفق في إبريل/ نيسان 2020، على خفض تاريخي للإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، اعتباراً من مطلع مايو/ أيار من ذلك العام، ليتم تقليص التخفيضات بعدها إلى 7.7 ملايين برميل اعتباراً من مطلع أغسطس/ آب حتى نهاية العام، قبل أن يتم في يناير/ كانون الثاني 2021 تخفيف خفض الإنتاج مجدداً إلى 7.2 ملايين برميل يومياً، يستمر حتى إبريل/ نيسان.

ووفق جوليان لي، فإن الضغوط الكامنة وراء الارتفاع المطَّرد لأسعار النفط تتمثَّل في تعافي الاقتصادات، وإطلاق اللقاحات، والخفض الهائل في الإنتاج الذي تم الالتزام به مع انضباط غير مسبوق بين منتجي النفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول، وحلفائهم في مجموعة "أوبك+".

وبدأ الطلب على النفط في الانتعاش، ومن المتوقع أن يعود بسرعة أكبر في الأشهر المقبلة. ويبلغ متوسط استهلاك النفط حالياً قرابة 95.8 مليون برميل يومياً، مقارنة بمتوسط 100 مليون برميل يومياً في الأشهر الأربعة التي سبقت التفشي العالمي لجائحة كورونا.

ووفق توقعات بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس الأميركي، فإن عودة الاستهلاك لمستويات ما قبل الجائحة قد تتحقق مجدداً بحلول يوليو/ تموز المقبل.

ولكن لا تزال هناك قيود على التوريد، مما يساعد في استنزاف المخزون الزائد، ودعم الأسعار، وفق جوليان لي. غير أن محللين في قطاع الطاقة يرون أن الانتعاش الحالي لأسعار النفط مشكوك فيه وأن الإمدادات المحدودة من قبل أوبك مصطنعة، ما يجعل الأسعار تمر بفترة تصحيح لتبقى عند مستوياتها الحالية التي تدور في نطاق 65 دولارا للبرميل.

واعتبر وانغ تاو المحلل الفني لدى رويترز، أن برنت ربما يرتفع إلى نطاق بين 66.45 دولارا و66.97 دولارا للبرميل مجددا، مثلما يشير نمط موجته وتحليلات للتوقعات.

كما قال فيفيك دهار المحلل لدى بنك الكومنولث لرويترز، إن "السؤال الأساسي هو ما مدى سرعة تعافي إمدادات النفط الأميركية"، مضيفا: "يبدو أن هذه الإمدادات ستتعافى بوتيرة أسرع من المصافي، وسيتجاوز العرض الطلب في الأسابيع القليلة المقبلة، ما سيفرض ضغطاً سلبياً على السوق".

المساهمون