مزارعو ريف إدلب الجنوبي يفتقدون موسم الزيتون بعد اقتلاع أشجارهم وحرق أراضيهم
استمع إلى الملخص
- المزارعون مثل محمد الخضر وعبد الكريم الحمود يعبرون عن حزنهم لفقدان أشجار الزيتون، حيث اضطر الخضر للعمل في مزارع الغير، بينما يحتفظ الحمود بأدوات القطاف كتذكار.
- تدمير الغطاء النباتي أثر على إنتاج الزيتون في سورية، مما أدى إلى تراجع المساحات المزروعة وزيادة التصحر، ويتطلب ذلك جهوداً لإعادة التوازن البيئي والزراعي.
مع اقتراب موسم قطاف الزيتون في سورية، يعيش مزارعو ريف إدلب الجنوبي فصلاً جديداً من المعاناة، إذ تمر مواسمهم التي اعتادوا انتظارها بشغف، من دون أن تلامس أيديهم أغصان الزيتون التي طالما شكلت مصدر رزقهم الوحيد، بعدما تحولت بساتينهم إلى أراضي قاحلة بفعل الاقتلاع والحرق الذي نفذته قوات النظام في السنوات الماضية.
وتعد أشجار الزيتون رمزاً للأرض والهوية في إدلب، ومصدر دخل رئيسي لعشرات آلاف العائلات، ومع تدمير مساحات واسعة من الحقول، فقد كثير من المزارعين مواردهم الأساسية، واضطر بعضهم إلى العمل بأجور يومية أو النزوح نحو الشمال بحثاً عن لقمة العيش.
ويقول المزارع محمد الخضر، من بلدة كفرنبل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه فقد أكثر من 300 شجرة زيتون كانت تمتد على مساحة واسعة من أرضه، ورثها عن والده وجده، وكانت تشكل مصدر دخل له وتكفي لتأمين احتياجات أسرته طوال العام من الزيت والزيتون والمصروف الشهري.
ويضيف الخضر أن الأشجار لم تكن مجرد مصدر رزق، بل كانت رمزاً للحياة والاستقرار في الريف الإدلبي، إذ اعتاد الأهالي على العمل الجماعي في موسم القطاف، وتبادل المساعدة بين العائلات، ويتابع "لكن كل ذلك اختفى مع اقتلاع الأشجار وحرقها، وكأنهم أرادوا محو الذاكرة قبل أن يمحوا الرزق"، ويشير إلى أن مشهد الأراضي التي تحولت إلى مساحات ترابية خالية من الخضرة "يثير في نفوس المزارعين حزناً لا يوصف، فكل زاوية كانت تحمل ذكرى، تحت كل شجرة كنا نرتاح ونأكل ونضحك، أما الآن، فلا مكان إلا للغبار".
ويؤكد الخضر أن خسارته لم تقتصر على الأرض فحسب، بل طاولت نمط حياته كل، إذ اضطر للعمل بأجر يومي في مزارع الغير ليؤمن قوت أولاده، بعد أن كان يملك موسماً يغنيه عن كل ذلك. "لم أتصور يوماً أن أعمل في أرض غير أرضي"، يقول بصوت متهدج، قبل أن يضيف: "لكن حين تحرق الأشجار، يحرق معها كل ما تبقى من كرامة المزارع".
أما المزارع عبد الكريم الحمود، من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي، لا يزال يحتفظ بأدوات القطاف القديمة في زاوية من منزله، رغم أنه لم يستخدمها منذ نزوحه عن بلدته لسبع سنوات مضت. ويقول لـ"العربي الجديد": "مع اقتراب الموسم أتامل السلال والمفارش كأنني أتهيأ للقطاف، ثم أعود للواقع في لحظات إذ لم تعد هناك أشجار لأقطف منها، ولا زيتون لأفرح بحباته".
وأوضح الحمود أن" تلك الأدوات تذكرنا بأيام كانت فيها العائلة تجتمع بين الحقول، يغنون ويضحكون أثناء القطاف، كنا ننتظر تشرين لنشم رائحة الزيت الطازج في معاصرنا، قبل أن يتحول كل ذلك إلى ذكرى مؤلمة، لم يكن الزيتون مجرد مصدر رزق، كان جزءاً من حياتنا اليومية، كنا نعتني بالأشجار كأنها من أهل البيت، واليوم صارت الأرض غريبة وجرداء لا ظل فيها ولا أمل".
وتابع قائلاً إن أكثر ما يشعره بالمرارة هو أن يرى الزيت والزيتون في الأسواق فيما لا يستطيع شراء حتى ليتر واحد، بعدما كان يوزع الزيت على الجيران والأقارب في مواسم الخير، وأضاف: "كنا نعيش من خيرات أرضنا ونساعد غيرنا، أما الآن فنعيش على المساعدات، ننتظر ما كنا نحن نقدمه يوماً".
من جانبه قال المهندس الزراعي عبد الرحمن السعيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن تدمير الغطاء النباتي في ريف إدلب الجنوبي وبلدات جبل الزاوية لم يكن مجرد خسارة محلية، بل ترك أثره على إنتاج الزيتون في عموم سورية، خاصةً أن تلك المناطق كانت تعد من أهم مصادر الإنتاج في الشمال السوري، وتسهم بنسبة كبيرة من إجمالي كميات الزيت المصدر محلياً.
وأوضح السعيد أن اقتلاع الأشجار وحرقها أديا إلى تراجع كبير في المساحات المزروعة بالزيتون، ما انعكس مباشرة على كمية الإنتاج الكلي للبلاد خلال الأعوام الأخيرة. وقال لـ"العربي الجديد": "في الوقت الذي كان فيه ريف إدلب الجنوبي ينتج مئات الأطنان من الزيت سنوياً، باتت الكميات الآن محدودة جداً، وتعتمد فقط على مناطق أكثر استقراراً في الشمال الغربي".
وبيّن أن الأثر البيئي لا يقل خطورة عن الاقتصادي، إذ تسبب فقدان الأشجار في انجراف التربة وزيادة معدلات التصحر، فضلاً عن اختفاء أنواع محلية من الزيتون كانت تشكل تنوعاً زراعياً فريداً، وإعادة تأهيل تلك الأراضي تحتاج إلى سنوات طويلة وجهود كبيرة لإعادة التوازن البيئي والزراعي إليها.