مزارعو تونس في مواجهة محتكري الأسمدة

مزارعو تونس في مواجهة محتكري الأسمدة

03 ديسمبر 2021
عقبات عديدة تواجه الزراعة التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يستعد مزارعو الحبوب في تونس لمواجهة سوق الأسمدة السوداء، للعام الثاني على التوالي، تزامناً مع انطلاق موسم بذر متعثر يزيد الجفاف ونقص الأمطار من صعوبته، إذ تطفو مجدداً على السطح مشاكل نقص الأسمدة المدعمة مع تحرك المضاربين لفرض سيطرتهم على السوق.

ويطالب المزارعون الحكومة بقطع الطريق على المحتكرين عبر توفير الكميات اللازمة لموسم الزراعات الكبرى، والتخطيط المبكر لاكتفاء السوق في الأشهر القادمة.

ويعبر سامي زيتون، المتحدث باسم تنسيقية "فلاحون غاضبون"، عن "مخاوف المزارعين من تصاعد أزمة الأسمدة مع تقدم الموسم الزراعي، في ظل نقص فادح في الكميات المطروحة في الأسواق، فضلا عن تأخر توزيع الكميات المدعمة، خصوصاً في محافظات الشمال الغربي".

ويقول زيتون لـ"العربي الجديد" إنّ "المزارعين يواجهون السوق السوداء من دون أسلحة، إذ تتركهم السلطة فريسة للمضاربين بسبب سوء الإعداد للمواسم الزراعية"، مضيفاً: "ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج يؤدي إلى إقصاء الفلاحين من دورة الإنتاج وتجبرهم على ترك أراضيهم بوراً، وهو ما يهدد قوت التونسيين".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبدأت أزمة الأسمدة تطفو في تونس بالتزامن مع أزمة الفوسفات، غير أنّها احتدمت في السنوات الأخيرة وبلغت مداها السنة الماضية.

وتحتاج الزراعات التي تمتد وفق أرقام وزارة الزراعة على قرابة مليون و250 ألف هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع)، إلى قرابة 200 ألف طن من مادة الأمونيتر (نوع من الأسمدة) سنوياً، لكنّ المجمع الكيميائي التونسي (مصنع الأسمدة الحكومي) واجه صعوبات في توفير الاحتياجات اللازمة للسوق بسبب الإضرابات العالمية المتكررة من جانب، وإعطائه الأولية للتصدير على حساب السوق المحلية لتوفير موارد مالية.

وتلجأ تونس إلى الاستيراد بما يصل إلى 100 ألف طن، أي نحو 50% من احتياجات القطاع الزراعي، غير أن شبكات الاحتكار تعمل على تسريب الجزء الأكبر من هذه الكميات إلى السوق السوداء لتباع بأسعار أعلى كثيراً من الأسعار المدعمة حكومياً.

ويقول محمد رجايبية، عضو منظمة المزارعين المكلف بالزراعات الكبرى لـ"العربي الجديد"، إنّ كلّ المؤشرات تؤكد أنّ موسم الزراعات الكبرى سيكون صعباً لأسباب مناخية وأخرى لوجستية، مؤكداً أنّ وزارة الزراعة لم تكشف بعد عن خطتها لتوفير احتياجات السوق من الأسمدة ومدخلات الإنتاج الأساسية.

ويضيف رجايبية، أنّ المجمع الكيميائي لن يكون قادراً هذا العام على توفير الأسمدة، مرجحاً تكرار سيناريو الموسم الماضي وتفاقم المصاعب في ظلّ غياب تام للإعداد المبكر للموسم.

ويتابع: "المجمع الكيميائي المزود الرئيسي للسوق المحلية بالأسمدة المدعمة أصبح يعطي الأولوية للتصدير بسبب حاجته للسيولة المالية، فيما يظل القطاع الزراعي في مرمى شبكات الاحتكار والمضاربة التي تفرض على الفلاحين سياسة الأمر الواقع من عام إلى آخر".

تلجأ تونس إلى الاستيراد بما يصل إلى 100 ألف طن، أي نحو 50% من احتياجات القطاع الزراعي، غير أن شبكات الاحتكار تعمل على تسريب الجزء الأكبر من هذه الكميات إلى السوق السوداء

ويقول: "كلّ السياسات الزراعية الحالية تصب في خانة واحدة وهي تشجيع كارتلات توريد الغذاء على حساب المنتج المحلي" مشيراً إلى ضرورة بعث رسائل طمأنة للمزارعين من جانب المسؤولين لتكثيف الإنتاج وتجنيب البلاد تداعيات ثقل واردات الحبوب على الميزان التجاري والموازنة العامة للبلاد في ظلّ تصاعد كبير لأسعار القمح في السوق العالمية.

وكشفت بيانات رسمية لوزارة الزراعة عن تقليص مساحات الزراعات الكبرى من 1.5 مليون هكتار قابلة للزراعة إلى 1.25 مليون هكتار خلال الموسم الزراعي 2021-2022، إذ تواجه تونس للعام الثالث على التوالي الجفاف ونقص المخزونات المائية في السدود.

كما كشفت البيانات أنّ نسبة التزود بالأسمدة الكيميائية تتراوح ما بين 22% و64%، إذ تمكنت السلطات من توفير 45 ألف طن من مادة الأمونيتر من مجموع 200 ألف طن يحتاجها القطاع، فيما تم توفير 16 ألف طن من مادة "السوبر" من مجموع حاجيات تقدر بنحو 25 ألف طن.

ويؤثر نقص الأمطار وصعوبات التزود بالمدخلات الأساسية للإنتاج على قدرة صغار المزارعين على مواصلة نشاطهم، إذ يهاجر المئات منهم سنوياً نحو أنشطة أخرى بحثاً عن مردودية مالية أكثر استقراراً.

وتواجه تونس ضغوطاً مالية، وبدأت مؤخراً في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل التوصل إلى برنامج اقتصادي يسمح لها بالحصول على تمويلات جديدة.

وكشف قانون الموازنة التعديلي الذي نشرته الحكومة مؤخراً بالجريدة الرسمية، عن مراجعة شاملة لكافة المؤشرات الاقتصادية للعام الحالي، إذ توسع العجز في موازنة العام الحالي ليبلغ 9.7 مليارات دينار (3.36 مليارات دولار) مقابل عجز متوقع بـ7 مليارات دينار في المشروع الرئيسي الذي أقره البرلمان المجمدة أعماله في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

المساهمون