مخاوف من انتهاك سرية أرصدة المركزي الليبي

مخاوف من انتهاك سرية أرصدة المركزي الليبي

14 ابريل 2021
قلق من اطلاع جهات دولية على معلومات مهمة للقطاع المصرفي (فرانس برس)
+ الخط -

يقترب الإعلان عن التقرير النهائي لعملية المراجعة المالية الدولية لمصرف ليبيا المركزي، بعد تأكيد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أنّه سيُستكمل خلال إبريل/ نيسان الجاري، على أن يتضمن توصيات لتحسين النزاهة وتوحيد النظام المصرفي.

وكانت البعثة الأممية في ليبيا كشفت عن أحدث التطورات حول عمليات مراجعة حسابات فرعي المصرف المركزي الليبي، في طرابلس والبيضاء، مشيرة إلى أنّ عملية المراجعة تأتي ضمن خطوات عملية لــ"توحيد المصرف المركزي وتعزيز المساءلة والشفافية" في وقت تساءل مراقبون عن توقيت الإعلان والخشية من انتهاك سرية الأرصدة وتسييس قضايا الاقتصاد الوطني، وسط مخاوف من تلاعب أطراف بالمعلومات لصالح جهات معينة، ما قد يؤجج الصراع المالي مجدّداً.

من جانبه، يلفت أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية، عبد السلام زيدان، إلى أنّ مهام توحيد المؤسسات السيادية ومنها المصرف المركزي، منوطة بلجنة مشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وما زالت محل جدال بينهما حتى الآن، متسائلاً: "هل توحيد المصرف المركزي من مهام البعثة أم أنّ تقريرها المنتظر سيساعد في ذلك فقط؟". ورغم إقرار زيدان، خلال حديثه إلى "العربي الجديد" بأنّ طلب مراجعة حسابات المصرف خطوة فرضتها حالة الانقسام السياسي ومحاولة استغلال أطراف الصراع في البلاد لموارد النفط والتلاعب باحتياطيات وودائع المصرف، فإنّه يستنكر هذه الخطوة من جانب آخر، كونها تكشف سرية الأرصدة والحسابات الليبية لأطراف خارجية تدعم الصراع لأهداف ومصالح اقتصادية. ويوضح زيدان أسباب تحفظه باتهام الأمم المتحدة بأنّها أداة من أدوات تمرير سياسات وأهداف دول كبرى، ورعايتها لمشروع السلام في ليبيا انتابه العديد من الشكوك.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول: "تجارب الأمم المتحدة السابقة في مناطق الصراع في هذا الشأن لا تبشر بخير، فغالباً ما انتهى تدخل الأمم المتحدة بسيطرة أدواتها على المؤسسات المالية لأيّ بلد تدخلت فيه، ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي".
ومن بين ما يثير الريبة والشكوك، بحسب توصيف زيدان، طريقة إدارة المسار الاقتصادي كأحد مسارات الحلّ التي طرحتها البعثة الأممية، ويقول: "حتى الآن يُعرف فقط الممثلون الليبيون والشركاء الدوليون في هذا المسار"، مشيراً إلى أنّه منذ انعقاد أولى جلساته، في فبراير/ شباط 2020، لم يعلن من جانب البعثة أو الأطراف الليبية عن نتائج أيّ من جلسات هذا المسار رغم انعقاد ثلاث جلسات منها قبل أن يعلن عن تشكيل مجموعة عمل دولية للمسار بعضوية عدد من الدول المتدخلة في البلاد.
ووفقاً لطلب رئيس حكومة الوفاق السابقة، فايز السراج، فإنّ الهدف من طلبه الموجه لمجلس الأمن بشأن مراجعة حسابات فرعي البنك هو "مراجعة كافة المصروفات وإيرادات وتعاملات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، والمصرف المركزي في البيضاء". يعلق زيدان بأنّه طلب يمكن توفيره باقتراح العديد من الحلول البديلة للحيلولة دون انكشاف سرية الأرصدة والحسابات الوطنية، مشيراً إلى أنّ ديوان المحاسبة، أعلى جهة رقابية في الدولة، كلفه مكتب النائب العام ببدء تدقيق حسابات فرعي المصرف "لكنّ الخطوة رغم أنّها شرعية وقانونية توقفت بشكل غامض". ومرت عملية مراجعة حسابات فرعي البنك المركزي بعدة عقبات، منها ما أوضحه توجيه السراج طلباً إلى مجلس الأمن، في يوليو/ تموز 2018، لتشكيل لجنة فنية لمراجعة حسابات فرعي المصرف المركزي، على خلفية اكتساح قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لمنطقة الهلال النفطي، وسط البلاد، وما تلاه من "تداعيات أوقفت تصدير النفط من تلك المنطقة، ما عرّض الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد للانهيار".
وتعاني ليبيا من أزمات مالية واقتصادية خانقة بسبب الحروب والصراعات التي اندلعت خلال السنوات الماضية. وأدى تدهور الاقتصاد إلى انخفاض سعر الدينار الليبي في السوق الرسمية إلى 4.48 دنانير للدولار الواحد مقابل 1.4 دينار سابقاً، بينما يتضاعف سعره في السوق الموازية (السوداء) وفق متعاملين في سوق الصرف.

ويعتمد الاقتصاد الليبي على القطاع النفطي اعتماداً كلياً في تسيير النشاط الاقتصادي، إذ تساهم صادراته في ما لا يقلّ عن 96% من إجمالي الصادرات الكلية للبلاد، كما أنّ إيراداته تساهم في تمويل ما يقارب 90% من إجمالي الإيرادات العامة، بحسب بيانات رسمية. ويأمل الليبيون تحسن الأوضاع في ظلّ الحكومة الموحدة ومساعي توحيد المصرف المركزي والمؤسسات المالية والاقتصادية.
وكانت البعثة الأممية، قالت في بيان أخيراً، إنّها عقدت ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع وشركة "ديلويت" الدولية، سلسلة اجتماعات خلال الفترة الممتدة بين 2 و5 إبريل/ نيسان الجاري، مع ممثلين عن المجلس الرئاسي ومكتب المدعي العام والمصرف المركزي بفرعيه.
وتهدف عملية المراجعة المالية الدولية التي تجري لحسابات مصرف ليبيا المركزي إلى "استعادة النزاهة والشفافية والثقة في النظام المالي الليبي وتهيئة الظروف الملائمة لتوحيد المؤسسات المالية الليبية" وفق البعثة التي أوضحت أنّه منذ انطلاق هذه العملية في أغسطس/ آب 2020، قامت شركة "ديلويت" بجمع المعلومات من فرعي المصرف المركزي الليبي ـ وتم دمج هذه المعلومات في بيانات إضافية من مصادر رسمية أخرى، والتحقق منها لاحقاً عبر تأكيدات طرف ثالث مع المصارف التجارية ذات الصلة.
و"ديلويت" الدولية، هي الشركة الاستشارية التي جرى اختيارها في عملية تولاها مكتب الأمم المتحدة لإدارة المشاريع من أجل إجراء عملية المراجعة المالية الدولية، لحسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وبنغازي. وجاءت عملية مراجعات حسابات مصرف ليبيا المركزي بناء على الطلب الذي تقدم به السراج، إلى مجلس الأمن الدولي قبل أكثر من عام.
وفي منتصف أغسطس/ آب الماضي أكد بيان وقع عليه 168 من أعلام المجتمع الليبي، منهم شخصيات سياسية وإعلامية وحقوقية ونشطاء ومدنيون، دعمهم جهود الأمم المتحدة للقيام بمراجعة دولية لحسابات المصرف، مشددين على أنّ الفساد الإداري والسياسي والمالي في ليبيا يُعتبر من أهم عوائق بناء الاقتصاد الليبي والتنمية، وأحد أبرز أسباب فشل محاولات الإصلاح. وركز البيان على أنّ "مواجهة الفساد يجب أن تكون مبادرة شعبية محلية، وألا تستغل لمحاولة تصفية حسابات سياسية ضيقة، هدفها في النهاية إجهاض عملية المراجعة أو تعطيلها"، داعياً إلى إعلاء الصوت للتصدي لمنظومة الفساد، ولتعزيز الشفافية، والحفاظ على ثروة الليبيين وضمان توزيعها بشكل عادل على كل الليبيين في أنحاء ربوع البلاد، وللحفاظ عليها لأجيال المستقبل.

المساهمون