مخاوف من استخدام موسكو سلاح النفط في نزاعها مع واشنطن

مخاوف من استخدام موسكو سلاح النفط في نزاعها مع واشنطن

26 ابريل 2021
قلق أوروبي على إمدادات الطاقة بعد التوتر بين موسكو وواشنطن
+ الخط -

يتزايد نفوذ الطاقة الجيوسياسي، وتأثيره على مسار العلاقات الدولية حتى بعد سياسات الطاقة المتجددة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدن ووضعها بين الركائز الرئيسية لسياسته خلال السنوات الأربع المقبلة والتي من المتوقع أن تقلل الاعتماد على النفط في توليد الطاقة.

وتنبع أهمية الطاقة الأحفورية ببساطة رغم سياسة الطاقة النظيفة، من كون البدائل التي ستحلّ مكان النفط ما زالت في طور الطفولة وبعيدة المنال للعديد من الدول الكبرى المستهلكة للهيدروكربونات، خصوصاً بالنسبة للصين والهند والعديد من الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية التي تحتاج لعقود طويلة حتى تتمكن من تطوير وإنتاج الطاقات النظيفة.
ولا يستبعد خبراء في تحليل لنشرة "إس أند بي غلوبال بلاتس" أن يأخذ إنتاج الطاقات المتجددة عقوداً عدة قبل أن تصبح ذات أثر فعلي في تلبية احتياجات العالم من الطاقة، وبالتالي، فإنّ خبراء الطاقة وتجار النفط يراقبون بحذر تداعيات التوتر الجيوسياسي على امدادات الطاقة وكيفية استخدام الطاقة كـ"سلاح فعال" في العلاقات الدولية.
من بين القضايا التي أقلقت أسواق الطاقة وتجار النفط هذه الأيام، توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن، خاصة بعد الحشد الروسي على حدود أوكرانيا، وما تلا ذلك من عقوبات اقتصادية ومالية فرضتها إدارة الرئيس جوزيف بايدن على روسيا.
ولا يستبعد محللون في نشرة "أويل برايس" أن يقود التوتر العسكري على الحدود الأوكرانية إلى حرب باردة جديدة بين الغرب وروسيا، شبيهة بالحرب التي نشبت في السابق على الحدود مع جورجيا.
في هذا الشأن، يرى التحليل أنّ موسكو ربما تستخدم النفط والغاز في أيّ نزاع مستقبلي ينشب مع الدول الغربية، إذ إنّ نفوذ الغاز الروسي يواصل التزايد في أوروبا، كما أن نفوذها النفطي لدى الشركات الأميركية بات ملحوظاً بعد تشديد حظر النفط الفنزويلي. ويلاحظ أنّ معظم المصافي في أميركا قديمة وكانت تستخدم الخامات الفنزويلية، وبالتالي لجأت لسد النقص عبر استيراد النفط الروسي.
وكانت الطاقة الروسية مصدر صراع طويل من الشدّ والجذب والعقوبات طوال سنوات إدارة الرئيس دونالد ترامب. وهذا العامل هو الذي دعا موسكو إلى زيادة صادراتها إلى هذه الأسواق وجعل إمدادات الطاقة تحت نفوذ شركاتها، وبالتالي تعزيز نفوذها السياسي على القرار الغربي.
على الصعيد الأوروبي، ما زالت روسيا تحتكر عملياً إمدادات الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد. وبحسب بيانات نشرة "إس أند بي غلوبال بلاتس" الأميركية، فإنّ روسيا لا تزيد من حجم إمدادات الطاقة في دول المعسكر الغربي الرأسمالي فحسب، لكنّها ستحافظ على هيمنتها على سوق الغاز الأوروبية لعقود، حتى عام 2040.
وبحسب النشرة النفطية، ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بنسبة 30%، في الربع الأول من العام الجاري، أي بنحو 53 مليار متر مكعب. وتصدر شركة "غازبروم" كبرى شركات الغاز في العالم، أكثر قليلاً من 200 مليار متر مكعب سنوياً لدول الاتحاد الأوروبي، أي نحو 35% من إجمالي إمدادات الغاز التي تحتاجها القارة العجوز.
ومعروف أنّ أوروبا قارة شديدة البرودة وتتجمد في الشتاء، وبالتالي، من الصعب أن تدخل في نزاع حقيقي مع موسكو خلال فترة الشتاء، لأنّ ذلك ربما سيقود إلى كارثة إنسانية واقتصادية في دولها. وبالتالي، فإنّ اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي الروسي يقلق واشنطن التي تعوّل على تحالفها معها في تنفيذ استراتيجيات "الهيمنة والنفوذ" في العالم. وبسبب هذه المخاطر عملت واشنطن كلّ ما في وسعها لعرقلة مدّ أنبوب الغاز الروسي "نورد ستريم 2" إلى ألمانيا، إذ إنّ تزايد اعتماد أوروبا على الغاز الروسي يرفع من نفوذ موسكو وتأثيرها في القرار السياسي في أوروبا.

وتقلق واشنطن كذلك من استخدام روسيا إمدادات الغاز لإحداث انقسامات داخل أوروبا وربما تفتيت التكتل في المستقبل. ولدى دول الاتحاد الأوروبي مصالح متضاربة في أهمية الغاز الروسي في توليد الطاقة الحيوية لحركة الصناعة والنمو الاقتصادي. إذ يلاحظ أنّ الانقسام الحالي على زيادة واردات الغاز الطبيعي من روسيا يتمدد ليشمل العديد من دول الكتلة، إذ بينما تضغط ألمانيا من أجل إكمال مشروع "نورد ستريم 2" وزيادة الإمدادات، تعارض كلّ من بريطانيا وفرنسا زيادة إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا وتعتبرها خطراً على الأمن القومي الأوروبي.
على الصعيد الأميركي، يستخدم الرئيس فلاديمير بوتين، سلاح الطاقة لـ"ليّ ذراع" نظيره الأميركي جو بايدن، وإجباره على عدم فرض المزيد من العقوبات على بلاده. وكان الرئيس جو بايدن قد فرض في منتصف الشهر الجاري عقوبات على موسكو، أهمها حظر المصارف الأميركية من شراء أدوات الدين الروسي، أي سندات الدين السيادية.
وطرح السندات الروسية في الأسواق المالية الغربية من أهم الوسائل التي تعتمد عليها الخزينة الروسية في الحصول على سيولة دولارية، إلى جانب حصيلة مبيعات النفط والغاز الروسي. ويرى محللون أنّ خطوة العقوبات الأميركية ستكبح تمويل مشروعات النمو الاقتصادي الذي تخطط له الحكومة الروسية بعد الخروج من جائحة كورونا.
ويتخوف تجار النفط الذين تربّحوا من دورة انتعاش أسعار النفط خلال العام الجاري، من تطور التوتر السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة وروسيا.
ولا يستبعد محللون أن تلجأ موسكو لاستخدام "سلاح النفط" في الصراع إذا تواصلت العقوبات الأميركية. وتستخدم روسيا "سلاح الطاقة" ضمن استراتيجية تعزيز نفوذها العالمي بذكاء شديد، إذ تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تعزيز علاقاتها مع الصين عبر صفقات طاقة ضخمة بلغت 400 مليار دولار. كما تمكنت من غزو السوق الأميركية عبر الحسومات السعرية لتصبح ثالث أكبر مصدر للخامات النفطية الثقيلة التي تستوردها المصافي الأميركية بعد كندا والمكسيك. كما أنّها تستخدم طاقة النفط الفائضة لدى شركاتها للتحكم في أسعار النفط، إذ باتت لدى روسيا الآن طاقة نفطية فائضة يمكن أن تطلقها لإغراق السوق النفطية، كما أنّ لديها نفوذاً نفطياً كبيراً في كلٍّ من العراق وإيران.
وتعمل روسيا منذ سنوات على ضرب صناعة النفط الصخري التي تعتبرها العدو الأول للتوسع في "استراتيجية النفوذ السياسي المعتمد على الطاقة". ويذكر أنّ صناعة النفط الصخري واجهت أكبر اختبار بقاء خلال السنوات الماضية التي انهارت فيها أسعار النفط والغاز الطبيعي.

  

  

ولا يستبعد محللون أن تلجأ روسيا "لإغراق السوق" بالخامات النفطية في حال استفحال النزاع بينها وبين واشنطن، حتى تعرقل دورة انتعاش شركات النفط والغاز الصخري وتعيدها إلى دائرة الإفلاسات، وبالتالي تهديد استراتيجية بايدن الاقتصادية.
وضرب صناعة النفط الصخري سيعني عملياً لروسيا المحافظة على صادراتها من الغاز إلى أوروبا، وزيادة حصة صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة. ويلاحظ أنّ صادرات الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا تتزايد، كما تدفع واشنطن في الوقت نفسه أصدقاءها لزيادة شحنات الغاز المسال إلى أوروبا حتى تتمكن من ضرب "نفوذ الطاقة" الروسي في أوروبا.
ويرى محللون أنّ أيّ ردّ لموسكو على الضغوط الأميركية بـ"إغراق السوق النفطية" بالخامات، سيكون من القرارات التي ترحب بها الدول المستهلكة الكبرى في آسيا والتي من بينها الصين والهند واليابان ودول النمور الآسيوية، لكنّه على الصعيد الأميركي سيرفع من إفلاسات شركات النفط الصخري ويزيد من معدل البطالة، وتبعاً لذلك، سيؤثر على خطط الانتعاش الاقتصادي التي استثمر فيها الرئيس بايدن بقوة عبر خطط التحفيز المتواصلة التي أنفق عليها، في شهور، 1.9 تريليون دولار ويتجه لإنفاق 2.3 تريليون دولار أخرى على البنى التحتية. وبالتالي، فإنّ إدارة بايدن تتحسب لتداعيات استراتيجية الطاقة الروسية على مستقبلها الاقتصادي.