مخاوف من أن تتحوّل حزمة الإنفاق الضخمة وبالاً على اقتصاد ألمانيا

27 مارس 2025
ساحة مارينبلاتز المركزية في ميونخ، ألمانيا، 11 يناير 2025 (مايكل نغوين/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أقرت ألمانيا حزمة إنفاق بقيمة 500 مليار يورو لتعزيز الدفاع والبنية التحتية ومعالجة تغير المناخ، مما يثير تساؤلات حول تأثيرها الاقتصادي.
- هناك مخاوف من تأثير الديون الضخمة على الاقتصاد الألماني، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين بنحو 33% خلال السنوات العشر المقبلة، مما يثير قلقاً بشأن استقرار الأسعار.
- إغراق السوق بسندات ألمانية قد يؤثر على الظروف التمويلية لجيرانها الأوروبيين، رغم أن الديون الإضافية لن تؤثر سلباً على التصنيف الائتماني لألمانيا.

صحيح أن ألمانيا نجحت، الجمعة الماضي، في إقرار حزمة الإنفاق الضخمة بقيمة 500 مليار يورو لتعزيز الدفاع والبنية التحتية ومعالجة تغير المناخ، لكن ثمة تساؤلات عما إذا كان هذا الإنفاق مفيداً لاقتصاد البلاد أم سيكون وبالاً عليها.

وقد جاء تجاوز العقبة الأخيرة نهاية الأسبوع الماضي بموافقة البوندسرات، بعد تصويت البوندستاغ أولاً، والسماح بتحمل أكبر إنفاق من الديون الجديدة في تاريخ ألمانيا الحديث، لتجديد البنية التحتية، والمقدرة بنحو 500 مليار يورو، وحساب مفتوح للإنفاق الدفاعي للحكومة المستقبلية، ليضفي نوعاً من الارتياح في الوسط السياسي وبين النقابات الصناعية والعمالية، ولا سيما أنه من المتعارف عليه أن ضخ الأموال في اقتصادات الدول يخلق نوعاً من الطفرة والنمو، لكن رغم أن أموال الديون استثمارية، ومن ضمن صندوق خاص لهذه الغاية، هناك توقعات بعواقب ليس على المستهلك فحسب، إنما على الدول المجاورة لبرلين. فما هي المخاطر؟

مخاطر سلبية على ألمانيا

برزت تساؤلات عن تأثيرات صرف المبالغ الضخمة من الحزمة في ما يخص مستوى الديون الألمانية، بحكم أنه لم يقر قانوناً ينظم التفاصيل، ومتى وكيف يجب سداد الديون التي سيصار إلى اقتراضها من الدائنين في سوق رأس المال، مثل صناديق التقاعد أو الصناديق الاستثمارية من القطاع الخاص، لكن مقابل مخاطرة هؤلاء سيحصلون فوائد على الدين. العامل الحاسم في سوق رأس المال هو العائد، والذي يتم حسابه من القيمة السوقية للسند والمدة المتبقية.

وذكرت فوكوس أونلاين، مساء أمس الأربعاء، أنه وفق مكتب التدقيق الفيدرالي، فإن "عدم الوضوح يشكل خطراً اقتصادياً واجتماعياً"، والانتقادات الرئيسية هي أن الديون الضخمة سوف يتعين سدادها في مرحلة معينة ولم تعرف الآلية والكيفية بعد، و"سوف يصبح ذلك جزءاً من موجب التنفيذ للحكومة الجديدة بزعامة فريدريش ميرز".

وفي سياق متصل، نقلت "بايريشه 24" عن فولف رويتر، الذي شغل حتى وقت قريب منصب وزير الدولة لشؤون الميزانية مع وزير المالية كريستيان ليندنر، أن ترتفع نسبة الدين بنحو 33% على مدى السنوات العشر المقبلة. وهذا التصور بينته أيضاً عضو مجلس إدارة البنك المركزي الالماني فيرتزي كولرغايب مع صحيفة هاندلسبلات أخيراً، موضحة أن "زيادة الإنفاق على الدفاع والبنية الأساسية أمر مفهوم، لكن الخيارات المقترحة لتحمل الديون تبدو واسعة للغاية"، مبرزة أن البنك المركزي "سيقوم بإعداد دراسة عن مدى تأثير تنفيذ السياسات على استقرار الأسعار. الحزمة المالية لا تؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى زيادة التكاليف اللاحقة".

في المقابل، وفي رد على ما يذكر بأن حزمة الديون المالية والاستثمارية ستشكل مساراً جديداً في السياسة المالية الألمانية، ما سينعكس أداء قوياً على الاقتصاد، رأت الباحثة في الشؤون الاقتصادية والضريبية كارولا كوين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "كي لا يحمل الأداء الكثير من المخاطرة، الأمر يتطلب الحكمة من الحكومة المستقبلية التي ستضم الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، وإلا فستكون القروض عامل أزمة في حياة المواطن الألماني مستقبلاً، وعليه فإن المطلوب التحديث المستدام"، مشيرة إلى أن "الصندوق الخاص المقدر بقيمة 500 مليار يورو كاف لإحداث تحول في البنية الأساسية الألمانية، فضلاً عن تخفيفها لقيود الديون المفروضة على الإنفاق الدفاعي".

عواقب على الجوار الأوروبي

وبخصوص تأثيراتها على مستوى الديون الألمانية، بينت تقارير اقتصادية اليوم الخميس أن نسبة الدين الألماني منخفضة نسبياً بالمقارنة الدولية، وفي العام الماضي بلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 4.31 تريليونات يورو، وكانت نسبة الدين عند 63%، وهو مستوى متدنّ مقارنة بدول أوروبية أخرى مجاورة، حيث وصلت في فرنسا إلى نحو 115%، وإيطاليا إلى نحو 140%، وإسبانيا ما يزيد قليلاً عن 100%. وعلى الصعيد الدولي تبلغ ديون الولايات المتحدة 126% من الناتج المحلي الإجمالي، واليابان بنحو 250%.

ومع تعدد الاعتبارات، علق أستاذ الاقتصاد في جامعة مانهايم هانس بيترغرونر، في حديث صحافي، أن الأمر "لن يمر من دون عواقب على البلدان الأخرى أيضاً"، مبيناً أن "إغراق ألمانيا للسوق بسنداتها سيؤدي إلى تفاقم الظروف التمويلية لجيرانها من الأوروبيين، حيث ارتفعت عائدات السندات الحكومية في دول مثل فرنسا وإيطاليا. وهذا أيضاً سيجعل الأمر أكثر تكلفة بالنسبة للدول الأوروبية بتمويل نفسها واقتراض الأموال من سوق رأس المال. وعلى أية حال، يتعين عليهم تقليدياً دفع أسعار فائدة أعلى من ألمانيا، لأن المستثمرين يصنفون المخاطر فيها على أنها أعلى. وبناء على ذلك، يقوم المركزي الأوروبي أيضاً بمراقبة سوق السندات ويأخذها في الاعتبار عند تقييم سياسة أسعار الفائدة، كما تؤثر عائدات السندات أيضاً في أسعار الفائدة على الرهون العقارية".

تجدر الإشارة إلى أن "بايريشر24" نقلت في وقت سابق من هذا الأسبوع عن فريدريش هاينمان، من معهد زد إي دبليو" للأبحاث، أن التوقعات بأن يصل المعدل في ألمانيا إلى نحو 100% بحلول العام 2034، لكن الديون الإضافية لن يكون لها تأثير سلبي على التصنيف الائتماني المرتفع لألمانيا، وهذا ما أكده المحلل الاقتصادي فرانك جيل، الذي شدد على أن "أي شيء يحفز الاقتصاد المحلي يعدّ أمراً إيجابياً بالنسبة للجدارة الائتمانية، لكن القلق الأكبر بالنسبة للجدارة يتمثل في ركود الاقتصاد الألماني".

المساهمون