مجموعة السبع والحد الأدنى للضريبة

مجموعة السبع والحد الأدنى للضريبة

17 يونيو 2021
جو بايدن في أول قمة تعقد وجهاً لوجه يدشن التحالف الجديد مع أوروبا
+ الخط -

حفلت اجتماعات قمة الدول السبع الأخيرة، التي تم عقدها في بريطانيا وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ ظهور وانتشار وباء كوفيد-19، وصدور أوامر الإغلاق التي فرضت تطبيقات الاجتماعات الافتراضية على الجميع، بالعديد من القضايا الهامة التي ستؤثر بالتأكيد على الاقتصاد العالمي بصورة واضحة خلال الشهور وربما السنوات القادمة.

بدايةً كانت القمة بمثابة إعلان لعودة الولايات المتحدة إلى حلفائها بعدما ابتعد بها الرئيس السابق دونالد ترامب عن التحالفات والمعاهدات، ومضى في تطبيق شعاره "أميركا أولاً" في كل المحافل الدولية، ولم يسع للإبقاء على أي علاقات دولية باستثناء يحمل الكثير من التناقض، كونه لا يضم إلا دولة الاحتلال، أو كما يطلقون عليها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وبعض الديكتاتوريات العربية في منطقتنا الموبوءة.
حاول الرئيس الجديد جو بايدن تجاوز سياسات سلفه، فذهب ووضع يده في يد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي قاد عملية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي وعارضها بايدن، والذي يحتفظ بخلافات كبيرة معه في العديد من القضايا، وعلى رأسها قضية أيرلندا الشمالية، التي يعتبرها الرئيس الأميركي، كما العديد من أسلافه، بلده الثاني. وروي عن بايدن وصفه لجونسون في إحدى المرات بأنه "نسخة من ترامب".

نجح بايدن، حتى الآن، في الحصول على إجماع من الدول المشاركة في القمة على ضرورة التكاتف أمام المد الاقتصادي والتجاري الصيني، وتقديم الدعم لأوكرانيا في مواجهة روسيا، إلا أننا لم نسمع حتى الآن بحدوث تطور في قضية خط أنابيب نوردستريم 2 الروسي، في وقتٍ اعتبر فيه البعض أن العلاقات الأميركية الروسية في أدنى مستوياتها منذ انتهاء فترة الحرب الباردة.
وبخلاف عودة الولايات المتحدة لحلفائها وتأكيدها على أهمية التنسيق والتعاون مع الدول الأوروبية وكندا واليابان، وربما العودة إلى المعاهدات التي انسحب منها ترامب، كان تعهد مجموعة الدول السبع بإرسال أكثر من مليار جرعة من المصل المضاد لفيروس كوفيد-19 إلى الدول الفقيرة، في خطوة تحمل في ظاهرها قدرا من المروءة والرحمة، وإن كانت لا تخفي حقيقة أن هذه المساعدات تساهم في إنعاش اقتصادات الدول المانحة، وتساعد على التخلص من الأمصال التي اقترب بعضها من تاريخ انتهاء صلاحيته.
لكن الحدث الأكبر في اجتماعات مجموعة السبع كان في لقاءات وزراء مالية دولها، والتي تمت في الأيام القليلة التي سبقت اجتماعات الرؤساء، حيث تم الاتفاق على تطبيق بعض التعديلات الضريبية، جاء على رأسها الاتفاق على فرض حد أدنى موحد للضريبة على أرباح الشركات بنسبة 15%، مع السماح بتطبيق البلدان التي تبيع فيها الشركات منتجاتها وخدماتها ضرائب على نسبة من أرباحها فوق مستوى معين، أياً كان مكان مقرها الرئيسي.

وبرعت الشركات الكبرى متعددة الجنسيات على مدار عقود في ابتكار طرق قانونية للتهرب من دفع الضرائب المستحقة على أرباحها، عن طريق تسجيل المقر الرئيسي في دول لا تفرض ضرائب على الشركات، قبل أن يتفق رؤساء مجموعة الدول السبع، الأسبوع الماضي، على الخطوط العريضة لنظام ضريبي عالمي جديد، من ِشأنه أن يغير مقدار ما تدفعه الشركات، والجهات التي تدفع لها.
وسيحرم الحد الأدنى للضريبة، الذي تم التوصل إليه، الملاذات الضريبية الحالية، وأهمها جزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان والمجر وأيرلندا وبرمودا وهولندا وسويسرا، من ميزة كبرى كانت تسمح لها بجذب المقار الرئيسية للشركات الكبرى، وسيفرض على تلك الشركات من الناحية العملية دفع المزيد من الضرائب.
ويكلف الاستخدام القانوني للملاذات الضريبية، غير المحبب للطبقات الفقيرة والمتوسطة، حكومات العالم ما تراوح قيمته بين 500 – 600 مليار دولار كل عام من عائدات ضرائب الشركات المفقودة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وقالت جانيت يالين، وزيرة الخزانة الأميركية، إن الحد الأدنى للضريبة سينهي سباق الدول المستمر منذ ثلاثة عقود نحو تخفيض معدلات الضريبة المفروضة على الشركات.
والعام الماضي، استفادت أكثر من خمسين شركة أميركية، منها فيديكس واتش بي ونايك، كما العديد من شركات الطاقة، من العوار الموجود حالياً في القوانين الضريبية، فلم تدفع أي منها دولاراً واحداً من الضرائب رغم أنها جميعاً حققت أرباحاً خلال العام.
واستفادت دول من معدلات الضريبة المنخفضة لديها فنجحت في اجتذاب المقار الرئيسية لبعض من أكبر الشركات إلى أراضيها، مثلما فعلت أيرلندا، التي تطبق على الشركات معدل ضريبة 12.5%، فكانت النتيجة اختيارها كمقر رئيسي في القارة الأوروبية لشركات آبل وفيسبوك وغوغل.
وبعد تريليونات الدولارات التي تم ضخها في الدول الكبرى خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة، والتي تسببت في اتساع عجز ميزانيات أكبر اقتصادات العالم، ووصول مديونية بعضها إلى أعلى مستوياتها التاريخية، قررت الدول السبع وضع حد لنظامٍ يسلب المواطنين جزءاً كبيراً من حقوقهم في تعليم جيد وخدمات صحية حقيقية وبحث علمي يرتقي بمستويات معيشتهم، لصالح شركات تربح مليارات الدولارات كل عام، ولا ترغب في تحمل نصيبها تجاه مواطني الدول التي تعمل فيها.

يقول البنك الدولي إن "إخفاء الثروة والتهرب الضريبي أمران شائعان، بل ومشروعان في العديد من الحالات، إلا أن تمكن الشركات والأثرياء والأقوياء من إخفاء أموالهم دون أن يعد هذا انتهاكاً للقانون، فهذا هو الأمر المشين"، مؤكداً أن التغاضي عن هذه الانتهاكات للقوانين دون التصدي لها يقلل رغبة الفئات الأقل ثراءً في الدفع أو المساهمة في العقد الاجتماعي الذي تقايض فيه الضرائب بجودة الخدمات.
تحتاج الكثير من الدول العربية لمثل هذا التشريع، حيث تدفع كبرى شركاتها نسباً ضئيلة جداً مما عليها من ضرائب، مستغلةً ثغرات قانونية تمنحها إعفاءات وامتيازات، الأمر الذي يتسبب في تراجع ثقة المواطنين في الحكومات، ويؤدي إلى تفشي رأسمالية المحاباة والمحسوبية، وتراجع قدرة البلاد على تدبير الموارد المطلوبة لإقامة البنية التحتية وخلق الوظائف ومكافحة الفقر، ومن ثم يزداد اعتمادها على القروض الخارجية، وتبدأ رحلة الانهيار الاقتصادي.

المساهمون