متطلبات وتحديات الاستقرار الاقتصادي في سورية

26 مارس 2025
سوق في دمشق، 24 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أهمية الاستقرار الاقتصادي: بعد نظام بشار الأسد، يعد الاستقرار الاقتصادي والمالي ضروريًا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وإعادة الإعمار، مما يشجع عودة السوريين المهاجرين. يتطلب ذلك استراتيجية بقيادة أحمد الشرع لتحقيق الاستقرار خلال ثلاث إلى خمس سنوات.

- إنجازات نحو الاستقرار: تم تحرير سعر الصرف وتحسين الليرة السورية، مع دعم تركيا وعودة العلاقات التجارية مع الجوار، ورفع العقوبات الأوروبية عن البنك المركزي، مما يعزز الاستثمارات الأجنبية.

- تحديات الاستقرار الاقتصادي: تشمل تسوية الخلافات السياسية، تحقيق العدالة الانتقالية، مكافحة الفساد، وتنظيم سوق الصرف، مع مواجهة تحديات مثل التدخلات الإقليمية وعشوائية الأسواق.

الاستقرار الاقتصادي، هو الهدف الرئيس لأي سياسة اقتصادية ناجحة، ففي ظلّ الاستقرار الاقتصادي، يستطيع جميع المشاركين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، أن يخططوا ويتخذوا القرارات المنظمة لعملهم في الأجلين المتوسط والطويل. وفي ضوء المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سورية، بعد التخلص من نظام الديكتاتور بشار الأسد، أصبح الوصول إلى حالة الاستقرار الاقتصادي والمالي، ضرورة مهمة، لا يمكن التغافل عنها، فبدونها، لن يتحقق الاستقرار الاجتماعي، ولن تتم مشروعات إعادة الإعمار والتنمية، ولن تتخذ جموع المهاجرين السوريين قرارات بالعودة إلى بلادهم، خوفاً من المجهول والغموض الاقتصادي.

ولذلك؛ ينبغي للإدارة السورية الحالية بقيادة أحمد الشرع، أن تضع استراتيجية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، في إطار خطة تستغرق ثلاث سنوات على الأكثر، وإن امتدت إلى خمس سنوات، فلا بأس، لكن لا تستغرق زمناً أكثر من ذلك. فالاستقرار الاقتصادي معناه، أن تتسم إيرادات الدولة ونفقاتها بما يمكن في ضوئه، ممارسة الدولة لدورها الاقتصادي والاجتماعي، ومعالجة التركة شديدة السلبية التي ورثتها البلاد من نظام الديكتاتور الأسد.

كما يستطيع مجتمع وقطاع الأعمال، أن يدير منظومته في قطاعَي الإنتاج والخدمات، بما يساعد كثيراً في تحقيق أهداف الخطة الاجتماعية والاقتصادية العامة للدولة، ومن شأن الاستقرار الاقتصادي أن يعمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي الاستغناء عن المساعدات والقروض الخارجية، واستقلال طويل الأمد لسورية. لكن تحقيق هدف الاستقرار الاقتصادي، يتطلب مجموعة من المتطلبات، فضلاً عن أن الأمر لن يكون سهلاً، وسيواجه مجموعة من التحديات، وقبل أن نشير إلى متطلبات وتحديات الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي في سورية، نتناول بعض الأمور الإيجابية التي تحققت على هذا الصعيد خلال الفترة الماضية.

إنجازات تحققت لصالح الاستقرار

على الصعيد المحلي، تمّت مجموعة من الخطوات، خلال الفترة القليلة الماضية، التي يمكن اعتبارها تمهيداً لصالح تحقيق الاستقرار الاقتصادي، منها تحرير سعر الصرف سريعاً، ما أعطى حالة من الطمأنينة لأفراد المجتمع الذين يحوزون النقدَ الأجنبي، ونتج عن ذلك تحسن ملموس في سعر الليرة السورية، ما خفف بوضوح من ضغوط التضخم. وحسب أرقام صادرة عن مؤسسات رسمية في سورية، انخفض التضخم على أساس سنوي نهاية يناير 2025 إلى قرابة 47% مقابل 120% تقريباً في العام السابق.

كذلك عدم هدم مؤسسات الدولة الاقتصادية والمالية، فعلى سبيل المثال، مارس بنك سورية المركزي دوره على نحوٍ طبيعي، وكذلك باقي مؤسسات الدولة المعنية بالنشاط الاقتصادي والتجاري ومنها القطاع المصرفي والمصانع وغيرها، كما أن الإسراع في الإعلان عن هوية الاقتصاد السوري بعد الثورة، وتبني اقتصاد السوق، ساعد على البعث برسالة طمأنينة للمعنيين كافة بهذا الاقتصاد، في الداخل والخارج.

كما أن التسوية السياسية التي جرت بين الحكومة السورية والمكوّن الكردي "قسد"، لها مدول شديد الإيجابية، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فوحدة التراب الوطني في سورية مهمة، من أجل الوقوف على المقدرات والثروات الاقتصادية الكلية للبلاد، خاصة إذا علمنا أن معظم الثروة النفطية لسورية، كانت تحت سيطرة المناطق الشمالية الشرقية التي يديرها الأكراد.

وعلى الصعيد الخارجي، كانت تركيا بما قدمته من دعم شبه كامل للنظام الجديد في سورية، أحد أسباب ما تحقق في ضمان ممارسة الأنشطة الاقتصادية أعمالها طبيعياً، إذ مدت تركيا السوق السورية، باحتياجاتها من عدد وآلات وسلع غذائية وغيرها من المتطلبات الضرورية. ساعدت أيضاً العودة السريعة إلى العلاقات التجارية لسورية مع جيرانها مثل العراق والأردن ولبنان، على تنشيط الاقتصاد السوري، وساهمت في وفرة السلع والخدمات، كما عملت على عودة الصادرات السورية لأسواق تلك الدول.

على الصعيد الخارجي، كانت القرارات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، مهمة لصالح تحقيق الاستقرار الاقتصادي في سورية، إذ جرى رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري، ومكونات مالية واقتصادية أخرى، ما يشجع على ضمان تدفقات المعاملات المالية والاقتصادية، من وإلى سورية، بعيداً عن المعوقات، ويتوقع أن يساعد رفع العقوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية لسورية خلال الفترة القادمة.

متطلبات الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي

الطريق في بدايته لثورة سورية، التي مرّ على انطلاقها ما يقرب من أربعة شهور، لكي تصل إلى مرحلة الاستقرار الاقتصادي، ولذلك فعلى الإدارة الحالية، أن تعمل لتحقيق المتطلبات التالية؛ لكي تصل إلى مبتغاها:

1- ضرورة تسوية الملفات المعنية بالخلافات السياسية كافة، أسوة بما جرى مع الأكراد، فتكون الخطوة القادمة، تسوية ملف الدروز، لتطوى ملفات النزاعات المحلية.

2- الإسراع في إنجاز متطلبات العدالة الانتقالية، لكي تسود المجتمع روح جديدة، بعيدة عن روح الانتقام، التي كرستها ممارسات نظام الدكتاتور الأسد ومسئوليه.

3- توفير الأمن في ربوع سورية كافة، لتسهيل انتقال الأفراد والسلع والخدمات، فسهولة الانتقال ووجود شبكة طرق ومواصلات جيدة، تسهل عمل المشاركين في النشاط الاقتصادي، فضلاً عن أنها تقلل من تكاليف النشاط الاقتصادي.

4- مراجعة التشريعات الاقتصادية التي تركها نظام الدكتاتور الأسد، وتعديل ما يصلح منها في أسرع وقت ممكن، ولا بدّ من معالجة للوضع التشريعي خلال المرحلة الانتقالية، من خلال الإعلان الدستوري المنتظر إصداره قريباً.

5- العمل على تنظيم سوق الصرف، تحت إشراف البنك المركزي، وخاصة عمل الصرافات، التي يديرها أفراد على قارعة الطريق، أو على المقاهي وغيرها، بحيث يمكن تقليص مساحات العبث بسوق الصرف، سواء من السوق السوداء، أو الاقتصاد الأسود.

6- مكافحة الفساد، ومراقبة الأموال المشبوهة، وبخاصة تلك التي تصل من الخارج لتمويل زعزعة الأوضاع في سورية.

7- سرعة إصدار العملة النقدية السورية البديلة لعملة نظام الأسد، ما يساعد على تحقيق مجموعة من الإيجابيات، منها: الوقوف على حقيقة الثروات داخل البلاد، وتضييق الخناق على الدولة العميقة وفلول نظام الأسد، في محاولتهم لتحقيق حالات احتكار للثروة، أو توظيف الثروة لإفشال الثورة، وكذلك منعهم من تهريب أموالهم إلى الخارج.

التحديات المعيقة للاستقرار الاقتصادي

إعادة بناء سورية بعد الثورة، ليست بالعملية السهلة، فثمّة خصوم، من صالحهم إعاقة تلك الثورة، وعدم تحقيق أهدافها، وإن كان ذلك على حساب الشعب السوري. ومن بين تكل التحديات، التي قد تعوق تحقيق الاستقرار الاقتصاد في سورية:

1- ممارساتُ الكيان الصهيوني، منذ نجاح الثورة السورية، إذ استهدف الكيان غير مرة مواقع مهمة وحيوية داخل الأراضي السورية بالطائرات، خاصة تلك المتعلقة بالنواحي العسكرية.

2- حرصُ بعض القوى الإقليمية على زعزعة الأوضاع في سورية، والعمل على أن تكون سورية ممزقة بين نيران الطائفية والقوميات المختلفة، لما يرونه من مخاطر أن يكون هناك نظام ديمقراطي أو إسلامي ناجح، يظهر عورات تلك النظم، التي عادت ثورات الربيع العربي، وحرصت على إفشالها.

3- التأخر في معالجة الآثار الاجتماعية السلبية الناتجة عن التحول لاقتصاد السوق، أو الناتجة عن التركة الفاسدة لنظام الدكتاتور الأسد، فترك هذه الأمور دون معالجة سيكون قنبلة اجتماعية، يمكنها أن تؤثر كثيراً على معطيات العملية السياسية المنتظرة.

4- عشوائية الأسواق وكل الأنشطة الاقتصادية، بما يؤدي إلى تضخّم الاقتصاد غير المنظم، وصعوبة سيطرة الدولة على المقدرات الاقتصادية للبلاد، فالعشوائية، تعني مزيداً من المسئوليات والواجبات على الدولة، وتضييع حقها في الحصول على الضرائب والرسوم، التي تساعدها على القيام بواجبها في تنظيم ورقابة النشاط الاقتصادي.

المساهمون