متاهة الديون الأميركية المعقدة... أرقام هائلة تؤرّق إدارة ترامب

27 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 08:30 (توقيت القدس)
وزير الخزانة سكوت بيسنت يدلي بشهادته في مجلس النواب، واشنطن، 11 يونيو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الولايات المتحدة تحديات مالية بسبب ارتفاع الدين القومي إلى 36.21 تريليون دولار، مما يضغط على وزارة الخزانة والموازنة الفيدرالية. يستخدم وزير الخزانة تدابير محاسبية خاصة للبقاء ضمن سقف الدين حتى يوليو 2025، مع دعوة الكونغرس لاتخاذ إجراءات قبل أغسطس.

- تتزايد المخاوف بشأن قدرة وزارة الخزانة على إدارة الديون، حيث يتوقع وصولها إلى "تاريخ الاستنزاف" في سبتمبر. يواجه الكونغرس ضغوطاً لتمرير حزمة الضرائب والإنفاق، بينما يسعى الجمهوريون لتسوية خلافاتهم.

- تتأثر الأسواق بتقلبات الدولار وتوقعات خفض الفائدة، مما يزيد القلق بشأن تأثير الرسوم الجمركية والعجز المالي، مع توقعات بزيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

أصبح جبل الديون الأميركية يرتّب أعباءً ثقيلة جداً على وزارة الخزانة والموازنة الفيدرالية في الولايات المتحدة. فاستناداً إلى أحدث البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الموازنة التابع للكونغرس حتى الرابع من يونيو/حزيران الجاري، بلغ إجمالي الدين القومي (Gross National Debt) 36.21 تريليون دولار، موزعاً بين الدين المملوك للجمهور بقيمة 28.95 تريليون دولار، والدين بين الحكومات الفيدرالية بقيمة 7.26 تريليونات دولار، بما يمثل زيادة بنحو 1.56 تريليون دولار عن العام الماضي، أي بمعدل نمو يومي يقارب 4.27 مليارات دولار.

الضغوط المتزايدة على المالية العامة، والعجز المتنامي في الموازنة، عوامل دفعت بوزير الخزانة سكوت بيسنت إلى إبلاغ المشرّعين الأميركيين، الأربعاء الماضي، بأنه يمدد أحدث فترة لاستخدام التدابير المحاسبية الخاصة للبقاء ضمن حدود سقف الدين حتى 24 يوليو/تموز 2025، مكرراً، أيضاً، توجيهاته في مايو/أيار الفائت، لزعماء الكونغرس بضرورة اتخاذ إجراء لزيادة أو تعليق سقف الدين في أقرب وقت ممكن، قبل عطلة أغسطس/آب المقبل. والرسالة الموجهة إلى رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزعماء الكونغرس الآخرين كانت مطلوبة بسبب انتهاء صلاحية فترة "تعليق إصدار الدين" السابقة لوزارة الخزانة في 27 يونيو، وهي إعلان يمكّنها من استخدام تدابيرها المحاسبية الخاصة للبقاء ضمن سقف الدين.

حول هذه النقطة، تشير أحدث البيانات الرسمية إلى أن سقف الديون الأميركية الحالي قد أُعيد تثبيته عند 36.1 تريليون دولار في الثاني من يناير/كانون الثاني المنصرم، وهو يساوي تقريباً إجمالي الدين الذي كان قائماً في ذلك التاريخ. ومنذ ذلك الحين، تستخدم وزارة الخزانة "تدابير استثنائية" لتجنّب خرق هذا الحد حتى يُرفَع أو يُعلَّق. وقد حث بيسنت الكونغرس على اتخاذ إجراء قبل عطلة أغسطس لحماية ما سمّاه "الائتمان الكامل والثقة الكاملة للولايات المتحدة"، فيما يواصل الجدول الزمني الجديد الضغط على الجمهوريين لتمرير حزمة الضرائب والإنفاق الضخمة خلال الأيام المقبلة. في غضون ذلك، يعمل أعضاء الحزب الجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ على تسوية خلافاتهم بشأن مجموعة من الأولويات التشريعية.

سقف الديون الأميركية و"موعد الاستنزاف"

ووفقاً لتصريحات نقلتها عنه "بلومبيرغ"، أبدى بيسنت اعتقاده أن الكونغرس يمكنه إكمال مشروع القانون بحلول الرابع من يوليو القادم، وعندها يمكن للإدارة "الانتهاء من اتفاقيات التجارة" التي كانت تعمل عليها منذ أن أعلن الرئيس ترامب ما يسمى الرسوم المتبادلة على عشرات الدول في الثاني من إبريل/نيسان الماضي.

من جانبه، اقترح ترامب حجز المشرّعين معاً في غرفة واحدة والتخلي عن عطلاتهم لإنهاء مشروع القانون، فيما قدّر محللون مستقلون أن بإمكان وزارة الخزانة إدارة احتياجاتها من المدفوعات حتى أغسطس على الأقل، حيث نقلت "بلومبيرغ"، أمس الخميس، عن استراتيجيين في "جيه بي مورغان" (JPMorgan Chase & Co) توقعهم أن يشكل الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل تاريخ الاستنزاف (X-Date)، أي عندما تستنفد الوزارة قدرتها على الاستمرار في دفع مستحقات الديون الأميركية الفيدرالية في الوقت المناسب، بينما يرى مركز السياسات ثنائية الحزب أن تاريخ الاستنزاف يقع بين 15 أغسطس و3 أكتوبر/تشرين الأول.

وفي هذا الصدد، كتب المتابع المخضرم لحسابات وزارة الخزانة، لو كراندال، في مذكرة بتاريخ 23 يونيو، أن 15 سبتمبر "أفضل تخمين لدينا"، علماً أن كراندال هو كبير الاقتصاديين في شركة رايتسون إيكاب (Wrightson ICAP)، ويعتقد أن "من غير المحتمل أن تنفد الموارد من وزارة الخزانة خلال عطلة الكونغرس في أغسطس"، مع أنه لم يستبعد حدوث ذلك كلياً.

تعويضات وفائدة... ودولار ضعيف

وبدأ المستثمرون يطالبون بتعويض إضافي مقابل المخاطر المرتبطة بحيازة أذون خزانة تستحق في منتصف أغسطس القادم، بما يشير إلى أن "الأسواق بدأت تُظهر بعض القلق بشأن توقيت وتمرير أحكام سقف الدين"، وفقاً لما كتب استراتيجيّ العملات الأجنبية والاقتصاد الكلي في "بي إن واي" (BNY) جون فيلس بمذكرة للعملاء يوم الثلاثاء الماضي. ويأتي ذلك في وقت انخفض فيه الدولار على خلفية تكهنات بأن خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد يحدث في وقت أقرب وبحجم أكبر مما تتوقعه الأسواق حالياً، وذلك في ظل تصعيد الرئيس ترامب للضغط على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول.

وانخفض مقياس بلومبيرغ لقوة الدولار إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات، بعدما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن ترامب قد يعلن بديل باول في سبتمبر أو أكتوبر/تشرين الأول المقبلين. وبحسب "بلومبيرغ"، يرى متداولون في هذا الخبر إشارة إلى أن خفض أسعار الفائدة بات أقرب احتمالاً، خصوصاً أن ترامب دعا مراراً وتكراراً باول إلى خفض تكاليف الاقتراض.

وتنقل الشبكة الأميركية عن مدير محفظة في "ويلسون آسيت مانجمنت" (Wilson Asset Management) في سيدني، ماثيو هوبت، قوله إن "هذا يجعل باول أقل تأثيراً فعلياً، بينما يتحول انتباه الجميع إلى الرئيس القادم"، وأضاف: "لذلك، فإن هذا يميل إلى الجانب التيسيري"، في حين أن الأنباء الأخيرة حول باول أضافت عنصراً جديداً من المخاطر على الدولار وسندات الخزانة الأميركية، اللذين أصبحا يفقدان جاذبيتهما بسبب حالة عدم اليقين المتعلقة بتأثير الرسوم الجمركية والعجز المالي المتزايد.

وهبط مؤشر بلومبيرغ للدولار 0.4% إلى أدنى مستوى له منذ إبريل 2022. وقد تراجع المؤشر الآن بأكثر من 8% هذا العام. وزاد المتداولون رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة في الأيام الأخيرة، وهم الآن يتوقعون خفضاً بمقدار 66 نقطة أساس بحلول نهاية العام، مقارنة بـ 51 نقطة أساس في نهاية الأسبوع الماضي، وفقاً لعقود المبادلة المرتبطة بالمؤشر الليلي. وضعف الدولار مقابل جميع العملات الرئيسية أمس الخميس، وكانت عملات تايوان وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا من أكبر المستفيدين.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن البدلاء المحتملين لباول يشملون عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي كيفن وورش، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت، نقلاً عن أشخاص مطلعين على الأمر. وقال ترامب الأربعاء الماضي إن لديه ثلاثة أو أربعة أشخاص في ذهنه لخلافة باول، الذي تنتهي ولايته في مايو 2026. وقد هاجم الرئيس موقف الاحتياطي الفيدرالي بالحفاظ على أسعار الفائدة كما هي، مطالباً بتخفيضها، وقال إن البنك المركزي يبقي تكاليف اقتراض الحكومة الأميركية مرتفعة.

تحويل الديون الأميركية إلى نقود؟

في غضون ذلك، تنتشر قصص الخوف المالي في أوساط السياسة والاقتصاد، حسب وكالة رويترز، التي روت أنه في الأسبوع الماضي، شارك صانع السياسات السابق في بنك إنكلترا وكبير الاقتصاديين في "سيتي غروب"، ويليم بويتر، في كتابة مقال يرسم صورة مُقلقة للغاية لما قد يحدث مع الديون الأميركية في غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً. وقال بويتر والأستاذة في كلية بيركبيك، آن سيبرت، إنه ينبغي للمستثمرين "الاستعداد للتأثير"، مشيرين إلى أن غياب أي سيطرة مالية جوهرية من أيٍّ من الحزبين في الكونغرس الأميركي سيجبر الاحتياطي الفيدرالي في النهاية على تحويل الديون إلى نقود لتجنب أي زعزعة مالية هائلة قد تنجم عن التخلف عن السداد. وخلصا إلى أن موجة أخرى من التضخم ستكون النتيجة النهائية.

ومثل كثيرين، يدقّون ناقوس الخطر بشأن اقتصاد يعمل بكامل طاقته ويُعاني من عجز سنوي في الموازنة الأولية، باستثناء مدفوعات الفوائد، يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ويُقدّرون أنه إذا تُرك المسار المالي الأميركي الحالي دون رقابة، فقد يؤدي إلى تضخم نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 525% بحلول نهاية القرن. وقد تجاوزت هذه النسبة بالفعل 100%. ولكي يستقر الوضع، يُقدّرون أن العجز الأولي سيحتاج إلى خفض متوسطه 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً على مدى السنوات الـ75 المقبلة.

المساهمون