ما هي حقيقة وواقعية خطط ومبادرات إيطاليا لإعادة إعمار غزة؟

06 فبراير 2025
غزة، 6 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التزام إيطاليا بإعادة إعمار غزة: إيطاليا تعهدت بإعادة إعمار غزة بحلول 2025، وأطلقت مبادرة "الغذاء من أجل غزة" في 2024، مخصصة 25 مليون يورو لدعم الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي بالتعاون مع منظمات دولية ومحلية.

- مشاركة البلديات والوكالات الإيطالية: البلديات الإيطالية ووزارة الدفاع ووكالة ARPA لومبارديا يشاركون في جهود الإغاثة، من خلال استقبال الأطفال المرضى وتقديم المساعدات الغذائية والإنسانية وتحديد التدخلات اللازمة.

- دور جامعة إيواف والتحديات المستقبلية: جامعة إيواف تشارك في إعادة الإعمار بالتعاون مع الأمم المتحدة، وتواجه تحديات بسبب تعليق التمويل الإيطالي وانتقادات من المجتمع المدني، مع جدل حول تصريحات ترامب بشأن مستقبل غزة.

بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن من قبل حماس، أبدت إيطاليا التزاماً قوياً بالتضامن والمشاركة الفعالة في إعادة إعمار قطاع غزة خلال عام 2025، حيث رحبت حكومة روما بهذه التطورات مؤكدة أهمية زيادة المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة.

وكانت إيطاليا قد أطلقت، في 12 مارس/آذار 2024، مبادرة "الغذاء من أجل غزة"، التي ركزت على الأمن الغذائي، أي ضمان نفاذ الأسر المتضررة إلى غذاء جيد، مع إيلاء اهتمام خاص للأطفال وكبار السن، والدعم الصحي، من خلال توفير الأدوية الأساسية ومستلزمات الإسعافات الأولية والمعدات الطبية للمستشفيات ومراكز الطوارئ.

وخصصت روما عشرة ملايين يورو لمشاريع إعادة الإعمار، إضافة إلى الخمسة عشر مليون يورو التي خصصتها سابقاً. وتهدف هذه المخصصات المالية إلى دعم الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي والتنمية في القطاع. وجاءت هذه المبادرة، التي أطلقتها الحكومة الإيطالية من خلال وزارة الخارجية، بالتعاون مع منظمات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية إيطالية نشطة في هذا المجال، ومجالس وسلطات محلية في قطاع غزة، علاوة على البلديات الإيطالية.

توافر البلديات الإيطالية

وأعربت تلك البلديات، من خلال الرابطة الوطنية للبلديات الإيطالية (Anci)، عن استعدادها للمشاركة الفعالة في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار. وعلى سبيل المثال، أعلن عمدة تورينو ستيفانو لو روسو عن مبادرات ملموسة، تشمل استقبال 21 طفلاً من مرضى السرطان من غزة في مستشفيات المدينة، كما إرسال مساعدات غذائية خاصة وأطراف اصطناعية لتقويم العظام.

و علاوة على ذلك، فإن البلديات الإيطالية أعلنت عن استعدادها للتعاون في تجديد البنى التحتية الأساسية، مثل قنوات المياه والصرف الصحي والإضاءة العامة. ومن جهتها، ساهمت وزارة الدفاع الإيطالية بإرسال أكثر من 50 طنا من المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية على متن السفينة فولكانو التابعة للبحرية الإيطالية، التي غادرت ميناء مونفالكوني لتصل إلى ميناء ليماسول القبرصي يوم 26 يناير/ كانون الثاني بعد المرور على ميناء بيروت، حيث جرى إنزال مساعدات إنسانية مخصصة للبنان، ومنه، واصلت الرحلة نحو غزة ضمن مبادرة ممر قبرص البحري.

وكالة ARPA لومبارديا 

من ناحية أخرى، شاركت الوكالة الإقليمية لحماية البيئة في إقليم لومبارديا ARPA Lombardia في الطاولة السياسية المؤسسية التي نظمتها وزارة الخارجية لتحديد تدخلاتها في المبادرة التي أطلقتها الوزارة. وصرحت رئيسة ARPA Lombardia لوتشيا لو بالو بـ"أننا ما زلنا بصدد مرحلة حرجة لهدنة نأمل أن تستمر. ومن الضروري، في هذا السياق، المبادرة للتحرك في إطار مرحلتين: الأولى تهدف إلى تلبية احتياجات الطوارئ للفئات الأكثر تضرراً (أطفال مصابون بالسرطان وسوء التغذية ونقص الأجهزة الطبية)، وتليها على الفور المرحلة الثانية من أجل إعادة بناء أراض دمرها القصف على مدار 15 شهرًا".

وأكدت لو بالو، في تصريحات خاصة لموقع "لا ميا فينانسا" الإيطالي المعني بالشأن الاقتصادي بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني، "استعداد الوكالة للعمل مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، لتحويل هذا التحدي إلى فرصة لميلاد جديد لغزة"، مشيرة إلى أن "إيطاليا أثبتت دائمًا تضامنها والتزامها تجاه الأزمات الإنسانية، وهذه المرة لن يختلف نهجها".

دور جامعة إيواف الإيطالية

وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "كورييرى ديلا سيرا" الإيطالية العريقة في تقرير بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني، حمل عنوان "غزة .. الأمم المتحدة تستدعي جامعة إيواف Iuav بالبندقية من أجل إعادة الإعمار: إزالة الأنقاض تستغرق 15 عاماً"، أن العملية ستبدأ من خلية، ولا يهم أن حولها ثمة 50 مليون متراً مكعباً من الأنقاض تنذر بخطر داهم.

وتابعت الصحيفة أن إرادة إعادة إعمار غزة موجودة، وتخيل تنفيذها هو بحد ذاته عمل من أعمال السلام. هذه هي الفلسفة الكامنة وراء مشاركة جامعة إيواف في البندقية، الجامعة الوحيدة في إيطاليا التي تتعاون في مشروع إعادة إعمار القطاع، عبر اتفاق وقعته مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني.

باحثان في القدس ورام الله

من جهته، ذكر رئيس جامعة إيواف البروفيسور بينّو ألبريخت أنه "تجرى حالياً عملية اختيار باحثَين لإيفادهما إلى القدس ورام الله اللتين تستضيفان مقريّ الأمم المتحدة". وأوضح ألبريخت، في تصريحات خاصة للصحيفة، أن "هذه الأخيرة استدعتنا بالنظر إلى تطويرنا نهجاً يسمى التصميم الإجرائي يحمل بصمتنا، وكذا للخبرة الكبيرة التي اكتسبناها في هذا المجال. ونحن هنا نقترح إعادة الإعمار بدءاً من نواة يتوفر فيها كل شيء لـ50 ألف نسمة".

وعلقت الصحيفة: "إننا بصدد مفهوم يقوم على تنفيذ خطوة واحدة في كل مرة، إلا أن هذه الخطوة الأولى لازمة لإطلاق إجراءات إيجابية مثل خلق فرص العمل. والحقيقة أن التصميم الإجرائي يعني تجهيز تلك الأنظمة اللازمة للبدء من الصفر". ولفتت إلى أن سورية ولبنان وأوكرانيا وغزة لجأت إلى جامعة إيواف التي تقود، من خلال مركز التفاهم والتوقع وأبحاث التصميم التطبيقي C.Scarpa التابع للجامعة، مساراً تجعله الهدنة الحالية يبدو أقرب وأكثر قابلية للتحقق.

إزالة أنقاض غزة تستغرق 15 عاماً

ونقلت الصحيفة عن المستشار الأكاديمي لجامعة إيواف البروفيسور ياكوبو غالّي قوله: "لقد شاركت في الفترة من نهاية أغسطس/آب إلى منتصف سبتمبر/أيلول في سلسلة من الاجتماعات، وأستطيع القول إن الأنقاض الموجودة هناك الآن أكبر بسبعة أضعاف من الركام الذي خلفه زلزال تركيا عام 2023. وتشيرالتقديرات إلى أن الأمر سيستغرق 15 عامًا لإزاحة جميع الأنقاض، ومن ثم، فإنه يتعين علينا البدء في عمليتين في وقت واحد: الإزالة وإعادة الإعمار". وأضاف أن "عملية إزالة الأنقاض تقوم في مرحلة أولى على انتشال أشخاص مدفونين وإبطال مفعول القنابل التي لم تنفجر. ولا تمكن إعادة استخدام جزء من المواد إلا في وقت لاحق، بعد تحليل الأنقاض".

وأوضح غالّي أن "المشاريع ستُنفّذ بالتعاون مع هيئات أخرى، مثل جامعة بير زيت الفلسطينية التي وقعنا معها اتفاقية عندما كنا هناك. واقترحنا استخدام الألياف الزجاجية لأنها تعمل عمل الفولاذ، غير أنها خفيفة جدًا ولا تستهلك الماء". وأضاف: "نحن نعمل مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإنجاز نموذج أولي، وسوف تُطلَق فيما بعد مناقصات لتقديم عطاءات للتنفيذ الفعلي للأعمال".

خلايا سكنية تدوم حوالي ثلاثين عاماً

وقال إن "الهدنة تتضمن ثلاث مراحل ونحن الآن في المرحلة الأولى، بينما ستقدم السلطة الفلسطينية في المرحلة الثالثة مشروعاً لإعادة الإعمار إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومن ثم سنوفد باحثين اثنين يمكنهما تقديم الدعم لمرحلة التخطيط هذه".

وعلقت الصحيفة بأن غالّي يستنسخ هنا فكرة الخلية، أي جزء صغير يحتوي على كل شيء، حتى المساكن التي يمكن أن تصبح دائمة أو على أية حال تدوم ثلاثين عاما، "الشاهد أننا سنكون بصدد مجمعات سكنية لأولئك الذين لم يعد لديهم أي شيء، لا مساكن طوارئ مصنوعة من الصفائح المعدنية التي ربما تؤسس لمخيم آخر للاجئين".

ولفتت إلى أنه علاوة على غزة، فإن جامعة إيواف ما زالت تبقي على الحوار مع سورية، كما تلقت اتصالات أيضًا من قبل لبنان وأوكرانيا. وختمت بأن فكرة التعاون انبثقت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمناسبة مشاركة بينّو ألبريخت في مؤتمر للأمم المتحدة، لكنها توطدت وتبلورت في يونيو/حزيران الماضي.

وعلى الرغم مما سبق، فإن الوقائع على الأرض تتعارض مع التصريحات الرسمية الإيطالية بخصوص مشروعات التعاون الإنساني مع فلسطين وإعادة إعمار غزة، حيث كان رد الحكومة الإيطالية على واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في زمننا الحالي هو إغلاق محابس التمويل سواء عن مشروعات المساعدات الإنسانية الطارئة أو مشروعات التنمية. 

وفي هذا السياق، صرحت رئيسة بعثة منظمة التعاون والتضامن الإيطالية (غير الحكومية) في فلسطين ميري كافاللي بأن وزارة الخارجية والتعاون الدولي "أبلغتنا يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بوقف جميع المشروعات التي كانت تديرها المنظمة في غزة والضفة الغربية، التي سبق التصديق عليها وعلى تمويلها وتنفيذها. ومنذ ذلك التاريخ، لم نحصل على ضوء أخضر من قبل الخارجية الإيطالية بإعادة إطلاق هذه المشاريع حتى بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار".

وأوضحت كافاللي، في تصريحات خاصة لموقع "فان بيدج" الإيطالي أمس الأربعاء، أن "إجمالي المشاريع التي صُدِّق عليها للمنظمة وتوقفت بعد 7 أكتوبر 2023، بناء على رغبة الخارجية الإيطالية، عشر مشاريع بقيمة 4 ملايين و550 ألفاً و766 يورو"، مشيرة إلى أن "أحد هذه المشاريع واسمه (dreaming the future) كان يتعلق بإزالة أحد مواقع النفايات غير القانونية، حيث كنا قد اشترينا بالفعل أيضاً المعدات اللازمة بعد التصديق عليه، إلا أنه ما زال متوقفاً في رام الله. ومن ناحية أخرى، كانت الخارجية الإيطالية قد خصصت لنا مليوني يورو من أجل تفعيل مزيد من المبادرات الخاصة بحالات الطوارئ، إلا أنه لم يُعلَن حتى الآن عن مناقصة عامة، ولم نحصل على الأموال حتى يومنا هذا".

وكانت منظمات المجتمع المدني الرئيسية في إيطاليا (AOI, CINI, Link2007 ومنصة منظمات المجتمع المدني الإيطالية في البحر المتوسط والشرق الأوسط) قد أرسلت خطاباً بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني إلى وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، طالبت فيه بفك الحظر فوراً عن الأموال التي كانت قد خصصتها الوزارة (أكثر من ستة ملايين يورو)، وذلك من أجل التدخلات العاجلة الضرورية للمساعدة في الأزمة الإنسانية بالغة الخطورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وشددت المنظمات الإيطالية في خطابها على أن "فك الحظر على هذه الأموال ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل فرض قانوني"، مستدعية قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.

ومن ناحية أخرى، أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن، بشأن خطة الولايات المتحدة حيال مستقبل قطاع غزة، جدلاً في إيطاليا. ورأى المحلل الجيوسياسي الإيطالي في مركز "ميد- أور" للأبحاث وموقع "ديكود 39" إيمانويلى روسّي أن "تصريحات ترامب كانت صاخبة ومزعجة إلى حد كبير، وبدت خطته إشكالية للتوازنات الإقليمية وغير قابلة للتنفيذ، فضلاً عن عدم مشروعيتها من وجهة نظر القانون الدولي".

وأوضح روسّي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنظر إلى رؤيته الانتقالية للعلاقات الدولية، فإن ما طرحه الرئيس الأميركي قد يمثل تحدياً من أجل زيادة إشراك الحلفاء والشركاء، وعلى وجه الخصوص، قد يكون الهدف منه جلب مزيد من الالتزامات من قبل الدول العربية إلى ملف غزة"، مضيفاً أن "ما قاله ترامب من شأنه تحريك الاتحاد الأوروبي، الذي يشوب مواقفه دائماً البطء والتردد (وأحياناً الانقسام) حيال مسائل جيوسياسية بعينها، على الرغم من أنها تمسه من قريب".

ولفت إلى أن "ترامب قد يتمكن، من هذا المنطلق، من أن يعرض على أوروبا مشاركة عميقة بالفعل في غزة، مقابل وقف السياسة المحتملة المرتبطة بالرسوم الجمركية، على غرار ما فعله مع كندا والمكسيك بشكل أو بآخر"، معرباً عن اعتقاده أنه "يتعين علينا أن نتعلم كيف ’نفلتر‘ تصريحات ترامب، ومن وجهة نظري، فإن مشروعه غير قابل للتنفيذ ولا أرى حتى الآن أي انعكاسات مباشرة له. وربما تجذب تصريحاته مزيداً من الاهتمام حول الالتزام بإعادة إعمار غزة من قبل من يفكر في فرص للـ"بيزنس".

ورأى أن "طرح ترامب بحاجة إلى ما هو أكثر واقعية، لذا فإني أتصور أن يصل في القريب العاجل تصويب من قبل البيت الأبيض من أجل ’تطبيع الخطة‘ بشكل أو بآخر". واعتبر أن "المشكلة الحقيقية هي أنه لا يوجد مشروع من أجل عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة، وموقف ترامب يجعلنا نعتقد أنه ليس من الممكن الاعتماد بإفراط على الولايات المتحدة. وهذه مشكلة بحد ذاتها".

المساهمون