استمع إلى الملخص
- أعلنت السعودية تعليق انضمامها إلى بريكس، مشيرة إلى عدم إكمال الإجراءات الداخلية، ويُعتقد أن القرار يعكس رغبتها في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعد تلويح ترامب بفرض رسوم جمركية.
- تفضل السعودية الحفاظ على التعاون مع الولايات المتحدة، مثل المعاهدة الدفاعية، مع إظهار استقلاليتها عن واشنطن من خلال تقاربها مع بريكس.
مع بقاء أيام معدودة على انتهاء عام الرئاسة الروسية لمجموعة بريكس، تبدو القمة الموسعة للمجموعة التي احتضنتها مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلى نقطة لسياسة موسكو الخارجية منذ بدء حربها المفتوحة في أوكرانيا قبل قرابة ثلاث سنوات، وسط توافد قادة أكثر من 20 بلدا وممثلين عن المنظمات الدولية، بمن فيهم أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
ومع ذلك، غاب عن القمة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لتصبح المملكة هي البلد العضو الجديد الوحيد في "بريكس" الذي لم يكن ممثلا بزعيمه في القمة، وذلك على عكس مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا التي لم يتردد قادتها في التوجه إلى قازان.
السعودية تعلق عضويتها
وبحلول نهاية السنة، تبين أن السعودية علقت عملية الانضمام إلى المجموعة بحجة عدم إكمال الإجراءات الداخلية اللازمة، وفق ما كشف عنه معاون الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، مطلع الأسبوع الجاري.
واللافت أن الإعلان عن تعليق السعودية إجراءات تفعيل عضويتها في "بريكس" جاء بعد أسابيع عدة على تلويح الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية تصل نسبتها إلى 100% على دول المجموعة في حال سعت لإطلاق عملة بديلة للدولار، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول دوافع السعودية للنأي بنفسها عن "بريكس" قبيل تنصيب ترامب.
ويشير السفير الروسي الأسبق لدى السعودية، نائب رئيس اتحاد الدبلوماسيين الروس والأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو حاليا، أندريه باكلانوف، إلى أن عزوف الرياض عن إكمال الإجراءات الرسمية للانضمام إلى "بريكس" لم يمنعها من المشاركة في العديد من فعاليات المجموعة تحت الرئاسة الروسية، معتبرا في الوقت نفسه أن التأني السعودي لا يخلو من دوافع تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة التي شهدت تراجعا تحت إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
ويقول باكلانوف الذي عمل سفيرا روسيا في الرياض في أعوام 2000 - 2005، في حديث لـ"العربي الجديد": "شاركت السعودية في عدد من فعاليات مجموعة بريكس تحت الرئاسة الروسية، بما فيها قمة قازان التي كانت متمثلة فيها بوزير خارجيتها، الأمير فيصل بن فرحان، وليست هناك أي بوادر لخلافات روسية سعودية تقف وراء تأنيها في تفعيل العضوية الكاملة في بريكس".
ومع ذلك، يقر بأن حرص الرياض على الحفاظ على تحالفها مع الولايات المتحدة ساهم في ترددها، مضيفا: "تدهورت العلاقات السعودية الأميركية في عهد بايدن، لكنها قد تتحسن مرة أخرى بعد عودة ترامب، وربما تستبق السعودية تنصيبه بإصدار رسائل تؤكد من خلالها "إعلاء" التحالف مع واشنطن. يضاف إلى ذلك أن السعودية تاريخيا لم تنوع استثماراتها الخارجية، مركزة إياها في حيازة سندات الخزانة الأميركية بقيمة وصلت إلى نحو 140 مليار دولار، مما يضطرها لإبداء حساسية بالغة تجاه مواقف واشنطن".
ويلفت إلى أن الإمارات التي تبدي جرأة أكبر في تعزيز شراكتها مع "بريكس" وروسيا نفسها مقارنة مع السعودية، عملت في السنوات الأخيرة جاهدة على تنويع اقتصادها ووجهات استثماراتها الخارجية، مما ساعدها في الحد من الاعتماد على الولايات المتحدة.
وفي وقت لا يتخطى حجم التبادل التجاري بين روسيا والسعودية بضعة مليارات دولار سنويا، يقلل باكلانوف من أهمية المزاعم بأن هذا الأمر يدل على تدني مستوى العلاقات الاقتصادية، قائلا: "يهيمن النفط ومشتقاته على هيكلَي صادرات روسيا والسعودية، مما يغنيهما عن الحاجة إلى إنماء التجارة بينهما بصورة كبيرة. المحور الرئيسي للشراكة بين موسكو والرياض حاليا هو التنسيق في إطار آلية أوبك+ لضمان استقرار أسعار النفط بالسوق العالمية".
التعاون مع واشنطن أولاً
بدوره، يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، كامران غسانوف، هو الآخر، أن التأني السعودي في تفعيل عضويتها في "بريكس" ينطلق بالدرجة الأولى من دوافع الحفاظ على مزايا التعاون مع الولايات المتحدة، وفي مقدمتها مشروع إبرام معاهدة دفاعية بين الرياض وواشنطن.
ويقول غسانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن السعودية قررت في الأساس أن تغازل بريكس لإظهار استقلاليتها عن الولايات المتحدة التي بدأت في عهد بايدن بالضغط عليها بقضايا حقوق الإنسان والتدخل العسكري في اليمن، ناهيك بالاستياء الأميركي من ضبابية موقف الرياض من الملف الأوكراني وعزوفها عن إدانة موسكو إدانة صريحة. وتفاقمت حالة الفتور بين بايدن وبن سلمان بعد بدء النزاع في قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023".
ويلفت إلى أن هذه ليست أول مرة تُصدر فيها السعودية رسائل إلى واشنطن عبر إظهار التقارب مع موسكو، مذكرا بأن الرياض اتفقت في نهاية عام 2017 على شراء منظومات صواريخ إس-400 الروسية للدفاع الجوي دون أن يتم إحراز تقدم في إبرام الصفقة على أرض الواقع حتى الآن.
دوافع الرياض
وحول دوافع السعودية للعدول عن تفعيل عضويتها في "بريكس" هذه المرة، يضيف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية: "لا تريد الرياض التخلي عن مزايا التعاون مع الولايات المتحدة لاسيما مشروع المعاهدة الدفاعية وإمكانية الحصول على مزيد من التكنولوجيا العسكرية والضمانات الأمنية الأميركية، وهي مكاسب تراها السعودية أهم من العضوية في بريكس".
وتشير تقارير إعلامية إلى أن مسودة المعاهدة الجارية حاليا التي تجري مناقشتها بين السعودية والولايات المتحدة، تنص على منح واشنطن إمكانية استخدام الأراضي السعودية والمجال الجوي للمملكة من أجل حماية المصالح الأميركية وشركائها في المنطقة مقابل التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم.
ومجموعة "بريكس"، تم تأسيسها في عام 2006، وضمت أربعة اقتصادات عالمية صاعدة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، قبل انضمام جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2011 باعتبارها أول دولة تمثل القارة الأفريقية بالمجموعة.
وفي أغسطس/ آب 2023، وجهت الدعوة للانضمام للمجموعة إلى ست دول، بما فيها الأرجنتين التي قابلتها بالرفض في نهاية الأمر. في المقابل، انضمت الدول الخمس الأخرى، مصر وإيران والإمارات وإثيوبيا وجزئيا السعودية، إلى "بريكس" تحت رئاسة روسيا اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2024 والتي ستسلم رايتها للبرازيل في عام 2025.
وفي عام 2014، أنشئ البنك الجديد للتنمية بموجب الاتفاقية الحكومية الموقعة في القمة السادسة لـ"بريكس" بهدف تمويل المشاريع في مجال البنية التحتية والتنمية المستديمة في الدول الأعضاء وغيرها من البلدان النامية.