استمع إلى الملخص
- تلعب الصين دوراً مهماً في التجارة الدولية عبر مشروع طريق الحرير، وتواجه تحديات الهيمنة الأميركية، مما يتطلب خطوات جادة لمواجهة الحرب التجارية وتعزيز عملتها اليوان.
- لتحقيق القيادة الاقتصادية العالمية، تحتاج الصين لتحسين سمعتها الدولية، وتعزيز حقوق الإنسان، والتعاون مع القوى الاقتصادية الصاعدة، والتخلي عن سياسات الهيمنة المالية.
تمتلك الصين من المقوّمات والأدوات ما يجعلها قادرة على قيادة الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة، فهي صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وهناك توقعات بأن تحتل المركز الأول خلال سنوات، مع تحقيق معدلات نمو عالية في السنوات الأخيرة، وهي أكبر قوة تجارية في العالم بتجارة دولية تجاوزت 6 تريليون دولار، وصادرات خارجية تجاوزت 3.55 تريليونات دولار في عام 2024، وتحقيق فائض تجاري غير مسبوق بلغ 992 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 21% عن العام 2023.
كما تمتلك الصين احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 3.23 تريليونات دولار في فبراير الماضي. وفي مجال الاستثمارات تتفوق على الولايات المتحدة وتحتل المركز الأول عالمياً وجهةً للاستثمار الأجنبي المباشر. والصين أكبر قوّة تجارية بحرية في العالم، وتُمثل 61% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة، وتُمثل سيطرتها على مرحلة المعالجة 92% من الإنتاج العالمي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. ولديها تجربة اقتصادية وتنموية واجتماعية فريدة خاصة في معالجة مشكلات الفقر والبطالة، وشهدت تطورا هائلا في أنشطة الصناعات التحويلية والتقنية وتكنولوجيا المعلومات وإنتاج السيارات وغيرها، وبات يطلق عليها مصنع العالم.
وأعطت الصعوبات الشديدة التي واجهتها أكبر الاقتصادات الغربية، خاصة الأميركي والأوربي، بسبب جائحة كورونا وحرب أوكرانيا وأزمات التضخم زخماً للاقتصاد الصيني ليتمدد عالمياً من حيث الصادرات والاستثمارات المباشرة والسيطرة المالية عبر المنح والقروض.
الصين ثاني أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأميركية بعد اليابان، وتتجاوز استثماراتها 760 مليار دولار مقابل 859.3 مليار دولار في مطلع العام 2023
والدولة العملاقة تمتلك مشروعاً عابراً للقارات هو طريق الحرير الذي تشارك به نحو 123 دولة ويربط الصين بالعالم، وهو أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويتضمن إقامة موانئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية وتتراوح تكلفته بين 8 و10 تريليونات دولار. وخارج دائرة الاقتصاد، تمتلك الصين ترسانة نووية معترفاً بها، وجيشها هو الأكبر في العالم مع ثاني أكبر ميزانية دفاع، وتتراوح قيمة مبيعات الأسلحة الصينية بين 70 و80 مليار دولار سنوياً.
وبسبب تلك المؤهلات وغيرها تستطيع الصين أن تقود العالم اقتصادياً في السنوات المقبلة، وأن تحظى بقبول العديد من الدول، وأن تلعب دورا أكبر في التجارة الدولية، وتنشط صادراتها الخارجية التي تصل لأكثر من 160 دولة، وأن تصبح الجاذب الأول للاستثمارات، وأن تلعب دوراً في خلق مؤسسات مالية دولية بديلة للمؤسسات الحالية المنبثقة عن نظام "بريتون وودز" الغربي مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، وهي المنظمات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة.
لكن قيادة العالم واقتصاده لها شروط من أبرزها أن تتخذ الصين مبادرات جدية ومواقف أكثر قوة وحزم لمواجهة الهيمنة الأميركية على المشهد الاقتصادي العالمي، وأول خطوة أن تتصدى للحرب التجارية التي يقودها ترامب على دول العالم، وأن تعمل على إضعاف الدولار عبر تحويل عملتها اليوان إلى عملة دولية، وأن تعمل الصين على خطة طويلة الأجل لسحب استثماراتها من الأسواق الأميركية، على أن تكون البداية بأدوات الدين ومنها السندات وأذون الخزانة، إذ إنّ الصين تُعد ثاني أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأميركية بعد اليابان، وتتجاوز استثماراتها 760 مليار دولار مقابل 859.3 مليار دولار في مطلع العام 2023، وهي قلّصت بالفعل من حيازاتها لتلك السندات منذ فترة، ومطلوب سرعة أكثر في هذا الاتجاه.
وشهدنا تطوراً إيجابياً هذا الأسبوع، إذ قلص الكثير من المستثمرين الصينيين استثماراتهم في السندات الأميركية لصالح الاستثمار في أدوات الدين الأوروبية، بسبب الحرب التجارية التي أشعلها ترامب. وهذا يعني أن الصين بدأت تستغل حيازة السندات الأميركية سلاحاً في مواجهة غطرسة ترامب. وإذا أقدمت الصين أو حتى لوحت بسحب أموالها من البنوك الأميركية فإن هذا سيعد لطمة قوية لإدارة ترامب وعملة الدولار والهيمنة الأميركية على أسواق المال والصرف.
قيادة العالم واقتصاده لها شروط منها أن تتخذ الصين مبادرات جدية ومواقف أكثر قوة وحزم لمواجهة الهيمنة الأميركية، وأن تتصدى للحرب التجارية التي يقودها ترامب وتعمل على إضعاف الدولار
كما أن الصين يمكنها أن تؤثر بقوة على مركز وقوة الدولار في الأسواق الدولية عبر تنشيط التعامل بالعملات المحلية في عمليات التبادل التجاري، وشراء مزيد من الذهب والمعادن النفيسة، وكذا شراء مشتقات النفط من نفط وغاز ومواد خام وسلع وسيطة باليوان أو عملة أخرى، وبيع الأصول المقوّمة بالدولار قد يكون خياراً انتقامياً للصين في مواجهة الغطرسة الأميركية.
وعلى الصين أن تتقارب أكثر مع القوى الاقتصادية الصاعدة ومنها الهند والبرازيل وروسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا وتركيا، وطيّ صفحة الخلافات السياسية والاقتصادية مع بعض تلك الدول، وأن تتخلي عن سياسة الأطماع ونهب الثروات في دول العالم خاصة داخل أفريقيا، والتخلي عن سياسة الهيمنة المالية واستخدام المنح والقروض والدعم المالي في شراء الولاءات والرّشى السياسية كما يجري مع العديد من دول العالم خاصة داخل القارة السمراء.
تستطيع الصين أن تقود اقتصاد العالم، لكن بشروط غير متوافر بعضها حاليا منها أن تثبت للعالم جديتها في مواجهة الغطرسة الأميركية والتصدي للحروب الاقتصادية والتجارية التي يقودها ترامب، وداخلياً عليها التخلي عن نظام الدولة القمعية والسلطوية التي تمارسها بحق شعبها، وأن تقر سياسة الحرية السياسية بجانب الحرية الاقتصادية والمالية.
وعليها تبييض سمعتها الخارجية، خاصّة في مجال حقوق الإنسان، والتخلي عن سياسة التمييز الديني وتعميق الإلحاد وملاحقة أتباع الأديان السماوية، سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية على أراضيها، واحترام حقوق الأقليات، وإطلاق مناخ الحريات العامة مثل حريات النشر والرأي والتعبير والعمل النقابي والإضراب، وفتح الأبواب أمام الأحزاب والمعارضة السياسة، والتخلي عن سياسة الحزب الواحد.
لو فعلت الصين تلك الخطوات وغيرها لأثبتت عملياً جديتها في قيادة الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة، خاصة وأنها تمتلك فرصة ذهبية بسبب تداعيات حروب ترامب الاقتصادية الخطيرة، وهبة معظم دول العالم للتصدي لتلك الحرب المسعورة.