ماذا تعني قرارات البنك المركزي المصري وتأثيراتها على الأسواق؟

ماذا تعني قرارات البنك المركزي المصري وتأثيراتها على الأسواق؟

06 يناير 2023
البنك المركزي المصري وقرارات صعبة في بداية العام الجديد (العربي الجديد)
+ الخط -

في أحدث محاولاته لإخراج البلاد من أزمة العملة الأجنبية الخانقة، المستمرة منذ ما يقرب من عام، استهل البنك المركزي المصري العام الجديد بقرارات عدة، أعلن بعضها وأسر بالآخر، إلا أن آثارها على المواطن المصري ستكون واضحة بالتأكيد، خلال الأيام القليلة المقبلة. 

"العربي الجديد" استطلعت آراء بعض المصرفيين المصريين لمعرفة ما وراء تلك القرارات، وما يمكن أن يكون تأثيرها على السوق المصرية خلال الأيام القليلة المقبلة.

1- تعويم جزئي جديد للجنيه المصري

للمرة الثالثة في أقل من عشرة أشهر، سمح البنك المركزي المصري للجنيه بالانخفاض مقابل الدولار، ومنح البنوك العاملة في مصر حرية تحديد السعر، وفقاً لما لديها من عرض وطلب من العملاء، ووفقاً للمتاح لها من العملة الأجنبية، على مدار يوم الأربعاء، وأغلب فترات يوم الخميس.

لم يفعل البنك المركزي ذلك دون مراقبة الأسواق، حيث تدخل بضخ الدولارات للبنوك، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وهو ما أكده أكثر من مصدر من المتعاملين في إدارات الخزانة المصرية.

وقال مسؤول عمليات تغيير العملة في أحد البنوك المصرية "المركزي باع كميات بسيطة من الدولارات للبنوك المصرية خلال ساعات التداول يوم الأربعاء، بسعر يدور حول 26.50 جنيهاً للدولار".

ويضيف "لكنه امتنع عن البيع خلال الساعات الأولى من تعاملات يوم الخميس، قبل أن يبدأ في بيع كميات كبيرة عندما وصل السعر إلى 27 - 27.20، الأمر الذي تسبب في وقف الارتفاع في آخر ساعة تعامل في الأسبوع".

وأكد المسؤول المصري أن البنك المركزي تدخل ببيع الدولار في المرتين السابقتين اللتين سمح فيهما للدولار بالارتفاع، وآخرهما كانت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "إلا أن مبيعات هذه المرة كانت أكثر بوضوح مما جرى من قبل.

وتوقع أن يستمر ارتفاع العملة الخضراء ليوم أو يومين آخرين، قبل أن تبدأ السوق في الاستقرار بعض الشيء، وربما العودة للانخفاض. وأشار المسؤول إلى "تراجع السعر بوضوح في السوق الموازية"، أي السوق السوداء.

من أين أتي البنك المركزي بالدولارات التي يبيعها للبنوك؟

ورغم شح الدولار في مصر خلال الأشهر الأخيرة، كان المحافظ الجديد للبنك المركزي، حسن عبد الله، يدرك جيداً كارثة تعويم الجنيه، أو منحه بعض المرونة السعرية، دون أن يكون لديه من الدولارات ما يسمح له بالتدخل لوقف انهيار العملة المحلية، إن لزم الأمر.

وخلال الفترة من منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني، طرح عبد الله، وهو أحد أهم خبراء أسواق المال وتغيير العملة في السوق العربية، وقضى أكثر من ثلاثين عاماً من حياته في إدارة الخزانة في البنك العربي الإفريقي الدولي، أذون خزانة بالدولار، في ثلاثة عطاءات متتالية، جمع من خلالها ما يقرب من 3.45 مليارات دولار، أغلبها من البنوك العاملة في مصر.

2- بيع مئات الملايين من الدولارات للبنوك المصرية

ولكي يسيطر على تحركات سعر الدولار الرسمي، بعد منحه المرونة "المنتقصة" في اليومين الأخيرين، باع المركزي المصري كميات كبيرة من الدولارات للبنوك، لمقابلة طلبات العملاء المتراكمة لشراء العملة الأجنبية، ودفع قيمة بضائعهم المتراكمة في الموانئ، على مدار الأشهر السابقة.

ويقول خبير ومسؤول سابق بأحد البنوك المصرية في العمليات التجارية إن البنك استطاع قبل نهاية العام تدبير أكثر من خمسة مليارات دولار للإفراج عن بضائع المستوردين المحتجزة، وإنه سيكون للمبالغ الجديدة المباعة للعملاء دور في الإفراج عن مزيد من البضائع.

وكان مجلس الوزراء المصري قد أشار قبيل نهاية العام الماضي إلى تراكم بضائع وصلت قيمتها لنحو 14.5 مليار دولار في الموانئ، جرى الإفراج عما قيمته 5 مليارات دولار منها، مشيراً إلى توقعه الإفراج عن الجزء المتبقي خلال الأسابيع الأولى من العام الجديد.

ويضيف خبير العمليات التجارية "أتوقع أن يجري الإعلان الأسبوع المقبل عن الإفراج عن بضائع بقيمة تقترب من خمسة مليارات دولار أخرى.

3- شهادات استثمار بعائد 25%

وتزامناً مع الخطوتين السابقتين، أعلن أكبر بنكين حكوميين في مصر إطلاق شهادات استثمارية جديدة، بالجنيه المصري لمدة عام، بعائد 25%، رغم أن أعلى عائد كان متوفراً في الأسواق قبلها لم يتجاوز 17%.

واعتبر مراقبون أن الشهادات الجديدة، الصادرة عن البنك الأهلي المصري وبنك مصر، ستمنح المستثمرين هذا العائد المرتفع، من ناحية لتعويضهم عن أي انخفاض قد يحدث في قيمة العملة المصرية، مع التعويم الجزئي لها، ومن ناحية أخرى، من خلال تقليل الحافز أمام الأفراد لاكتناز الدولار، برفع تكلفة الاحتفاظ به بدلاً من الجنيه. 

واعتبر مسؤول إدارة الخزانة (سابقاً) في أحد البنوك العاملة في مصر أن رفع الفائدة يأتي عادة خطوة مكملة لقرار تعويم العملة المحلية، لمنحها بعض الدعم، لكنه أشار إلى ما يمكن أن يسببه ذلك من تباطؤ للاقتصاد المصري.

وتساءل: "لماذا تختار أن تستثمر أموالك في أي مشروع إذا كان يمكنك تحقيق عائد 25%، بدون مخاطرة، ولا تعيين موظفين، ولا استيراد بضائع لا تعرف إن كنت تستطيع التحصل على قيمتها الدولارية أم لا".

وأضاف "أتمنى ألا تستمر تلك الشهادات لفترة طويلة، لأن آثارها السلبية قد تتجاوز أي ميزة، حتى لو كانت وقف ارتفاع سعر الدولار".

ويوم الأربعاء، أظهر مؤشر "ستاندرد آند بورز جلوبال" لمديري المشتريات في مصر انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في ديسمبر/كانون الأول الماضي للشهر الخامس والعشرين على التوالي، تحت ضغط التضخم وضعف العملة واستمرار القيود على الواردات.

ويحاول البنك المركزي المصري توفير الدولارات اللازمة للوفاء بالتزاماته خلال الفترة المقبلة، وأيضاً لمقابلة طلبات المستوردين، أملاً في القضاء على السوق الموازية، التي شهدت أسعاراً، اعتبرها متخصصون مبالغاً فيها، خلال الأسابيع الأخيرة.

واعتمدت مصر خلال الفترة من 2017 - 2021 على استثمارات الأجانب في أوراق الدين بالعملة المصري، فيما يعرف باسم "الأموال الساخنة"، لدعم عملتها في مواجهة الدولار، في ظل عجز مزمن في الحساب الجاري والميزان التجاري.

وبعد توقف التسهيل الممنوح من صندوق النقد الدولي عند 3 مليارات دولار، يجري منحها لمصر خلال 46 شهراً، وتراجع شهية دول الخليج في إقراض الحكومة المصرية، وفقاً لتصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يعد أمام البنك المركزي إلا الاستعانة بالأموال الساخنة مرة أخرى، التي قال وزير المالية محمد معيط إنها "لا يمكن الاعتماد عليها وأضرت الاقتصاد المصري أكثر من مرة".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول مسؤول الخزانة السابق "أعتقد أنها ستكون صفقة رابحة لمستثمري الأموال الساخنة، لو باعوا دولاراتهم بسعر 27 جنيهاً للدولار، واشتروا أذون الخزانة بعائد يدور حول 20%"، مشيراً إلى أن ذلك قد يجذب مليارات عدة من الدولارات للسوق المصرية، ويسمح باستقرار سعر العملة لبعض الوقت.

المساهمون