استمع إلى الملخص
- التأثير الاقتصادي والاجتماعي: يوفر السوق فرص عمل للأسر الفقيرة ويخدم النساء العاملات، لكنه مرتفع الأسعار، مما يجعله غير متاح للفقراء الذين يكتفون بالفرجة.
- التحديات والآفاق المستقبلية: رغم الانتعاش التدريجي، تبقى القدرة الشرائية محدودة بسبب الفقر، مع تطلع السوريين لتحسن اقتصادي قد ينعكس إيجاباً على السوق.
ما قصة سوق الكسالى في سورية؟ بعقلية صاحب شركة وليس بائع خضر وفواكه، أجاب التاجر السوري بسوق الشعلان للخضر الجاهزة للطهو في العاصمة دمشق، أبو عامر، على سؤال حول سبب مضاعفة أسعار السلع المعدة للطهو قائلاً: نحن نشتري كميات كبيرة من سوق الجملة "الزبلطاني" ونوزعها على الأسر التي تعمل معنا، فتزيد الأسعار بسبب تكاليف النقل، من ثم ندفع للعاملات أجورهن على تجهيز الخضر وتنظيفها، بعد ذاك توضع المنتجات بأكياس أو علب لتكون جاهزة للبيع، قبل أن نحضرها، من أحياء بعيدة أحياناً بعد تجهيزها من السيدات المتعاونات معنا، وكل تلك المصاريف يجري وضعها على السعر النهائي، مع هامش ربح لنا.
ويضيف صاحب محل بيع السلع الجاهزة للطهو من حي الشعلان في العاصمة دمشق لـ"العربي الجديد" أن بيع المنتجات الجاهزة يختصر الوقت والجهد على النساء، فأن يباع كيلو الباذنجان المحفور بنحو 30 ألف ليرة وسعره بالسوق نحو 12 ألف ليرة، فهذا أمر طبيعي لأنه جرى تجهيزه، وتباع البطاطا الجاهزة بنحو 4 آلاف ليرة، وسعر الكيلو بالسوق نحو 2500 ليرة (الدولار = نحو 13 ألف ليرة رسمياً، و9 آلاف ليرة بالسوق السوداء).
تأمين دخل لأسر فقيرة على حساب الكسالى
من المحل المجاور بالسوق الدمشقي الشهير "Lazy Folks Market" (سوق الكسالى) الذي يزوره السياح، وترتاده النسوة العاملات أو ميسورات الحال، يقول البائع مروان صبحي لـ"العربي الجديد" إن تخصص هذا السوق بالخضر الجاهزة للطهو يوفر الوقت والجهد على النساء، والأهم يؤمّن عملاً ودخلاً لأسر كثيرة، مشيراً إلى تعاقده مع ثلاث أسر تجهز للمحل يومياً الخضر المنظفة والمقشرة والمفرومة والمحفورة، آخذاً من النظافة شعاراً للمحافظة على زبائنه، لأن من يرتاد سوق الشعلان، قلما يجادل في السعر.
وفي حين يشير صاحب محل الخضر الجاهزة إلى عودة انتعاش عمل السوق "تدريجياً" بعد الركود والفقر بزمن الثورة، يلفت إلى أن مهنة تجهيز الخضر انتشرت خارج سوق الشعلان، فترى نسوة يفترشن الأرصفة وبأحياء دمشقية عدة، يبعن المنتجات الجاهزة للطهو.
وعن مبتكر هذه الفكرة يضيف أبو صبحي أن المتداول ومنذ أكثر من 40 سنة، أن أحد باعة الخضر والفواكه بحي المزة، بدأ ببيع الخضر الجاهزة للطهو جائلاً بين الأحياء "الغنية والراقية" بدمشق، قبل أن يستقر بحي الشعلان، وبعده، بسبب التقليد وغيرة أصحاب المحال، انتشرت الفكرة، وتوسعت اليوم لتكون أقرب لعمل جماعي، يؤمّن فرصة لصاحب السيارة، وفرص عمل لسيدات بمنازلهن، ويقدم خدمة للنساء العاملات أو حتى للشباب غير المتزوجين.
وأشار إلى تطور الأمر بدمشق، خارج السوق، إذ يوجد الآن أسر تطبخ وتبيع الأكل الدمشقي والأكلات المشهورة جاهزة "محاشي، كبب" وهناك طبخ يومي "فاصولياء، بازلاء وأرز" حسب التوصية وبالطريقة التي يريدها الزبون.
سوق الكسالى في سورية
تتنوع تسمية السوق الشهير بحي الشعلان بالعاصمة السورية "عند مصلّبة الشعلان" المتوسط دمشق، والمتفرع لشارعي الحمراء وأبو رمانة، ففي حين يتفق كثيرون على تسميته "سوق الكسالى" أي قليلي الحركة رافضي الجهد، يسميه آخرون "سوق التنابل" بالمعنى ذاته أي غير محبي الحركة وبذل الجهد، ويطلق البعض عليه "سوق المدللات" أي النسوة اللائي يلقين دلالاً واهتماماً من أزواجهن ولا يدفعهن لزهق الوقت والجهد بالمطبخ.
ولكن مهما كانت المسميات، فهو سوق المضطرين، من غير المتزوجين من الشباب أو العاملات والموظفات الذين لا وقت لهم ويشتهون الطعام المنزلي، أو لا يرغبون بارتياد المطاعم التي تشهد أسعار منتجاتها بدمشق اليوم غلاء فاحشاً لا يتناسب مع دخل الأسرة السورية، إذ بجولة سريعة لـ"العربي الجديد" على المطاعم، رأينا أن سعر الوجبة المتضمنة لحوماً لشخصين، تقترب من أجر الموظف الشهري.
ويرى الاقتصادي السوري، قاسم الشريف، أن جميع المهن وجدت بناء على حاجة المجتمع وتتطور بزيادة الطلب عليها أو على إنتاجها، وفكرة سوق "الكسالى" أوجدها بائع مبتكر اسمه أبو عدنان المزاوي، كما المتداول.
ولكن يلفت الشريف، خلال تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى أن من أسماء سوق الشعلان أيضاً "سوق الغلاونجية" أي مرتفع الأسعار، بمعنى أن رواد السوق من مرتفعي الدخول حصراً، أو المضطرين خلال دعوة عامة، لكن فقراء الدمشقيين لا يرتادون السوق إلا للفرجة.
والأهم برأي الاقتصادي السوري هو تأمين فرص عمل لعاطلات أو أسر فقيرة، سواء من خلال تجهيز الخضر أو، بالآونة الأخيرة، تجهيز الطعام وإيصاله للمنازل عبر باعة سوق الشعلان.
وحول ما يقال عن جمود سوق الشعلان قبل تحرير دمشق، يؤكد الشريف أن القدرة الشرائية لمعظم السوريين لا تسمح بشراء الطعام، في حين أن الطعام الجاهز أغلى سعراً، فأكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، وكانوا يكتفون بالخبز ووجبة واحدة بسيطة باليوم، ولم يتحسن الأمر إلا قليلاً بعد تحرير دمشق، فالسوريون بانتظار تحسّن دخولهم ودوران عجلة الإنتاج الصناعي وإعادة الإعمار.