مؤتمر في دمشق يدعو إلى ربط إعادة الإعمار بالعدالة وحقوق الإنسان
استمع إلى الملخص
- أكد سعد بارود على أن التنمية وحقوق الإنسان هما توءمان لا ينفصلان، مشددًا على أهمية حقوق السكن والممتلكات وبناء الثقة بين الدولة والمواطن، وتطوير الأطر التشريعية لضمان مشاركة المجتمع المدني في سياسات الإعمار.
- تناول المؤتمر أهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، مشددين على التزام الشركات بمعايير بيئية وإنسانية، وضرورة إعمار عادل وشفاف يضمن حقوق السكان الأصليين ويمنع النزاعات.
بينما تستعد الحكومة السورية لطرح مزيد من مشاريع إعادة الإعمار، تصاعدت في دمشق أصوات مدنية تحذّر من أن "الإعمار بلا عدالة" قد يعني ببساطة إعادة إنتاج النظام القديم بأشكال جديدة. ففي العاصمة التي ما زالت تحمل آثار الدمار، اجتمع حقوقيون واقتصاديون ومسؤولون سوريون على مدار يومين متتاليين في فندق الشام في مؤتمر بعنوان "من الأنقاض إلى المسؤولية: حقوق الإنسان والأعمال التجارية ومستقبل سورية"، لمناقشة العلاقة بين التنمية والحقوق، والدعوة إلى بناء اقتصاد يقوم على المساءلة واحترام الكرامة الإنسانية.
المؤتمر الذي بدأ الأحد، ونظمته ثلاث منظمات سورية، هي "البرنامج السوري للتطوير القانوني" و"جمعية الأعمال السورية العالمية" و"سيريا ريبورت"، جمع ممثلين عن الوزارات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والدول المانحة، في محاولة لصياغة رؤية مشتركة لمستقبل أكثر استدامة وإنصافاً.
العدالة في قلب التنمية
في السياق، قال سعد بارود، مدير إدارة المنظمات والمؤتمرات الدولية في وزارة الخارجية السورية، لـ"العربي الجديد"، إن "التنمية وحقوق الإنسان توءمان لا ينفصلان"، معتبراً أن الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 "جعلت الكرامة الإنسانية في صلب النقاش العام، ما يجعل إعادة الإعمار جزءاً من العدالة الانتقالية لا مجرد عملية هندسية".
وأوضح بارود أن ملف حقوق السكن والممتلكات "يمثل جوهر عملية إعادة الإعمار، باعتباره السبيل لتصحيح ما جرى من مصادرات وعمليات تهجير قسري"، مؤكداً أن "بناء الثقة بين الدولة والمواطن أصعب بكثير من بناء الأبنية المهدمة". وأشار إلى أن الحكومة "تعمل على تطوير الأطر التشريعية والمؤسساتية التي تضمن مشاركة المجتمع المدني في صياغة سياسات الإعمار"، مضيفاً أن "أي عملية تنموية لن تكون ذات جدوى ما لم تُبنَ على أسس العدالة والمساءلة".
الاقتصاد والمسؤولية
من جهتها، اعتبرت سنا كيخيا، المديرة التنفيذية للبرنامج السوري للتطوير القانوني، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، أن الحرب في سورية كشفت عن تورط قطاعات اقتصادية واسعة في الانتهاكات، سواء عبر الاستيلاء على الأملاك أو دعم آلة القمع. وأضافت أن "بعض الشركات المحلية والأجنبية استفادت من مصادرة أملاك المهجرين والمعتقلين، وساهمت في بناء منظومة اقتصادية غير شرعية".
وأكدت كيخيا أن "إعادة الإعمار المقبلة يجب أن تُبنى على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، وأن أي نشاط تجاري استفاد من انتهاكات حقوق الإنسان لا يمكن اعتباره مشروعًا شرعيًّا في سورية الجديدة". وشددت على أن المؤتمر يسعى إلى "الانتقال من منطق الإنقاذ إلى منطق المسؤولية، ومن اقتصاد الريع والولاء إلى اقتصاد قائم على الشفافية واحترام الإنسان".
شراكة جديدة للقطاع الخاص
بدوره، قال ناصر يوسف، عضو مجلس إدارة جمعية الأعمال السورية العالمية، لـ"العربي الجديد"، إن إعادة الإعمار ليست مشروعًا سياسيًّا أو سكانيًّا فحسب، بل عملية اقتصادية كبرى تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وأوضح أن "الشركات التي ستشارك في مشاريع الإعمار مطالبة بالالتزام بمعايير بيئية وإنسانية واضحة، لأن النمو الاقتصادي بلا عدالة يكرّس الانقسام ولا يداويه".
أما رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، أيمن المولوي، فاعتبر أن العدالة وحقوق الإنسان "قضية مقدسة"، مشيرًا إلى أن "التجار والمستثمرين تلقوا تنبيهات بضرورة التأكد من أن الأراضي والممتلكات المستخدمة في مشاريعهم ليست مغتصبة أو مصادرة". وأكد أن الغرفة "مستعدة لتقديم أي بيانات تطلبها الجهات المعنية في إطار التحقيقات أو تطبيق قانون العدالة الانتقالية".
تشريعات جديدة ومناطق مدمرة
وأشار المشاركون إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب مراجعة أكثر من 190 قانونًا لتلائم متطلبات التنمية، مؤكدين أن "غياب رؤية واضحة لقطاع السكن ما زال أحد أبرز عوائق جذب الاستثمار إلى هذا المجال الحيوي". كما لفتوا إلى وجود سبع مناطق مدمرة بالكامل نتيجة التهجير والتدمير الممنهج، ما يستدعي "إعمارًا عادلاً وشفافًا يضمن حقوق السكان الأصليين ويمنع نشوء نزاعات جديدة". واختتم المؤتمر أعماله بالدعوة إلى تحويل الجهود من الإغاثة إلى المسؤولية، ومن الإعمار المادي إلى الإعمار الحقوقي، مشددين على أن "مستقبل سورية لا يمكن أن يُبنى فقط على الإسمنت والحديد، بل على العدالة والكرامة، باعتبارهما أساس أي استقرار دائم".