مأزق ريفز والموازنة البريطانية: مزيد من الضرائب أم الاستدانة؟

04 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 05 سبتمبر 2025 - 02:44 (توقيت القدس)
راتشيل ريفز وكير ستارمر في لندن، 3 يوليو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه وزيرة الخزانة البريطانية راتشيل ريفز تحديات كبيرة مع اقتراب إعلان ميزانية الخريف، حيث يتزايد العجز في الموازنة بسبب ارتفاع تكاليف الاستدانة وفشل خفض فاتورة الرعاية الاجتماعية، مع تعهد حزب العمال بعدم زيادة ضرائب الدخل والشركات.
- تصر ريفز على أن العجز تحت السيطرة، مؤكدة التزام الحكومة بوعودها وتهدف إلى إعادة النمو في الاستثمارات، رغم انتقادات المعارضة لعدم وجود خطة واضحة وتأجيل الموازنة.
- تتنوع الاقتراحات لمعالجة العجز بين فرض ضرائب على الثروة وتجميد عتبة الإعفاء الضريبي، مع بقاء الخيارين الرئيسيين هما زيادة الاستدانة أو فرض ضرائب جديدة.

تتزايد الضغوط على وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز مع اقتراب موعد إعلان ميزانية الخريف في السادس والعشرين من نوفمبر المقبل. فمع مرور الوقت لا صوت يعلو في بريطانيا فوق صوت التوقعات بشأن السبل التي قد تسلكها ريفز لسد العجز المتزايد في الموازنة البريطانية، إذ ارتفعت تكاليف الاستدانة فقط منذ مارس الماضي إلى حوالى 8 مليارات جنيه (11 مليار دولار)، وبعد أن خسرت الحكومة تحدي خفض فاتورة الرعاية الاجتماعية الذي كان من شأنه أن يوفر لها 6 مليارات جنيه، بسبب تمرد من الجناح اليساري في حزب العمال، ستجد ريفز نفسها أمام فاتورة مستحقة بقيمة 35 مليار جنيه يتعين أن توفرها بأي طريقة ممكنة، وهو ما يعني في نظر مراقبين كثيرين، طريقة واحدة: الضرائب، والسؤال هو: أي ضرائب وأي قطاع تستهدف مع تعهد العمال بعدم زيادة ضرائب الدخول والشركات أو الضمان الاجتماعي؟

ورغم الارتفاع المطرد في تكاليف المديونية، فإن وزيرة الخزانة تصر على أن الفجوة في الموازنة لا تزال تحت السيطرة. ففي مقابلة مع بي بي سي يوم الثلاثاء، نفت ما يتردد عن أن العجز الحكومي يقترب من 50 مليار جنيه، وأن لا مناص أمامها سوى زيادة الضرائب، وهو أمر يتوقعه معظم الخبراء، لكنها تصر على أن الحكومة تتمسك بعهودها، قائلةً: "يمكن للعمال وأصحاب الأعمال أن يطمئنوا، فأنا أدرك مدى أهمية إعادة النمو في الاستثمارات إلى اقتصادنا، وسأفعل ذلك في الموازنة هذا العام".

إلا أن وزير المالية في حكومة الظل، ميل سترايد، اتهم الحكومة بعدم وجود خطة لديها وبأنها "تؤجل" الموازنة "بسبب أمل كاذب في تحسن الأمور".

نفي ريفز لا ينفي حقيقة العجز، فقد ارتفعت تكاليف المديونية إلى أعلى مستوى لها منذ 27 عاماً على الاقتراض طويل الأجل، ووصل سعر الفائدة على الأذون الحكومية التي أجلها 30 عاماً إلى 5.7%، وهو ما يعني أن الحكومة ستتكبد فوائد أكثر كلما اقترضت أكثر. صحيح أن بريطانيا ليست الدولة الوحيدة التي تتكبد هذه الفاتورة، فأسعار فائدة الأذون والسندات الحكومية ترتفع لأسباب هيكلية، منها حالة عدم الاستقرار السياسي العالمي، وتغير نمط صناديق المعاشات في شراء السندات، إلا أن وكالة بلومبيرغ تقدر العجز في الدفاتر الحكومية بما لا يقل عن 37 مليار جنيه بكل الأحول، فإذا ما قررت الحكومة عدم اللجوء إلى الاستدانة، فالبديل هو الضرائب أو الحد من النفقات، وهو خيار لا تحبذه حكومة العمال، وفشلت في تحقيقه عندما تراجعت في أكثر من مرة أمام ضغوط نوابها.

أي ضرائب؟

التكهنات كثيرة، من فرض ضريبة على عائد مبيعات المنازل الفاخرة، باعتبار أن أصحابها أشتروها بأثمان أقل، ومن ثم يتوجب فرض ضريبة ربح على العائد، إلى فرض ضريبة على الإرث وأرباح البنوك، وحتى استهداف المدخرات الشخصية بوضع حد لها لكي يضطر المدخرون إلى الدفع بأموالهم إلى عجلة الاستثمار، لكن ريفز تؤثر الصمت وتقول إن كل هذه التكهنات "مجرد هراء". أحد الخيارات التي قد تلجأ إليها ريفز، قد يتمثل بـ"اللاضريبة" أو "الضريبة الخفية"، حيث تجمد الحكومة عتبة الإعفاء على ضريبة الدخل بدلاً من زيادتها (زيادة حجم الإعفاء) بما يتناسب مع زيادة الدخول والتضخم، وهو ما يعني أنه بمرور الوقت وارتفاع الرواتب، يُجبر المزيد من الأشخاص على دفع معدلات ضريبية أعلى. لكن الخوف يتعاظم من أن تؤدي إجراءات كهذه إلى تباطؤ النمو بدلاً من حفزه، كما تتعهد ريفز دائماً.

وقد تعهدت ريفز عندما تولت منصبها قبل عام باتباع مبدأين بشأن اقتراض الحكومة، وقالت إنهما غير قابلين للتفاوض. الأول يتمثل بتغطية التكاليف اليومية للحكومة من الإيرادات الضريبية، بدلاً من الاقتراض، بحلول 2029-2030، والثاني تقليل الدين كنسبة من الناتج القومي مع نهاية الدورة البرلمانية، أي في الوقت نفسه تقريباً. وقد جدد المتحدث باسم رئيس الحكومة كير ستارمر يوم الثلاثاء التزام هذه القواعد الصارمة، مؤكداً أن الحكومة تقوم بما يلزم "لاستقرار المالية العامة". لكن المعارضة تشكك في كل ذلك، واعتبر وزير خزانة الظل في حزب المحافظين أن تحركات الأسواق أخيراً بشأن ديون بريطانيا كانت اقتراعاً بعدم الثقة على سياسة العمال. فمن نصدق، السوق أم الساسة؟

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

الأرجح أن الساسة سيحاولون إمساك العصا من المنتصف، أي عدم إقلاق السوق والحفاظ على قواعدهم الانتخابية. ومن أجل ذلك، قد تعمد الحكومة إلى مزيد من الإنفاق على مشاريع كبرى لحفز النمو، من المتوقع الموافقة على مشروع لتحسين شبكات النقل في شمال إنكلترا، والتخطيط، ومجالات أخرى، لكن السؤال يتعلق بكيفية إنجاز ذلك بدءاً من العام الثاني لحكومة العمال دون خفض النفقات أو زيادة الضرائب. قد يتمثل الرد باستجابة العمال لقواعدهم الشعبية ورفع الضرائب على الأثرياء فقط حسبما طالب السكرتير العام لاتحاد نقابات العمال، وهي الحليف التقليدي لحزب العمال يوم الأربعاء.

دعوات بول نوواك إلى فرض ضريبة على الثروة، لكي يشعر الناس بأن هناك تغييراً حقيقياً، قد تمثل تأييداً غير معلن للجناح اليساري في الحزب. فقد قال في مقابلة مع بي بي سي قبل انعقاد المؤتمر العام في نهاية الأسبوع: "نحن بحاجة إلى نظام ضريبي تصاعدي، ضريبة على شركات الألعاب وشركات المقامرة على الإنترنت، وضريبة على الأرباح الاستثنائية التي حققتها البنوك والمؤسسات المالية خلال العامين الماضيين"، يجب عدم استبعاد أي خيار، بما في ذلك مساواة ضريبة الأرباح الرأسمالية مع ضريبة الدخل، وما أسماه "ضريبة الثروة نفسها".

ورغم أن نداءات مثل هذه قد تلبي مطلباً جماهيرياً في صفوف أنصار العمال، إلا أنها قد ترسل إشارات خاطئة إلى الأسواق التي ترى أن الحل يكمن في نمو الاقتصاد البريطاني الذي لم تنجزه حكومة العمال بعد سنة من توليها زمام الأمور، والخوف أن يسجل الاقتصاد مزيداً من التراجع خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما يعني أن الخناق قد ضاق على ريفز، وأنها أمام خيارين أحلاهما مر: مزيد من الاستدانة، أو مزيد من الضرائب، لكن نوفمبر لناظره قريب.

المساهمون