مأزق الحوالات في غزة: المواطن ضحية "غياب" العملات الأجنبية

مأزق الحوالات في غزة: المواطن ضحية "غياب" العملات الأجنبية

18 يناير 2021
الجائحة ساهمت في توجيه ضربة للأنشطة الاقتصادية (عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -

يتسبب صرف الحوالات المالية المرسلة بالدولار الأميركي من خارج قطاع غزة بالشيقل الإسرائيلي، بحجة عدم توفر عملة الدولار لدى الصرافين المُرخصين، وبأسعار أقل من السعر المعتمد للصرف، في حالة دائمة من الانزعاج لدى متلقي هذه الحوالات.
ويفاجأ المواطنون لحظة ذهابهم إلى مكاتب الصرافة المُنتشرة في القطاع لصرف حوالاتهم المالية المُرسلة بعملة الدولار، بتخييرهم بين خيارين أحلاهما مُر، فإما صرف الحوالة بعملة الشيقل، وبسعر أقل من سعر الصرف في السوق، أو دفع فروق، وصلت إلى حد 6 شواقل. (الدولار = 3.17 شيقلات).
وظهرت علامات عدم الرضا على ملامح عدد من المواطنين لدى استلامهم حوالاتهم المالية، والتي أُرسلت من مصدرها بالدولار، إذ اضطر بعضهم إلى الحصول عليها بعملة الشيقل، فيما دفع البعض الآخر فرق سعر الشيقل على الدولار مضطرًا.

فروق سعر الصرف
ولوحظ أن سعر صرف الدولار أو الشيقل لصاحب الحوالة لا يتم وفق سعر السوق، فعلى سبيل المثال، تم خلال يومي الاثنين والثلاثاء 5 و6 يناير/ كانون الثاني 2021، صرف المائة دولار بنحو 321 شيقلًا، فيما كانت تصرف في السوق بنحو 325 شيقلًا.
وفي حال رغب صاحب الحوالة بالحصول عليها بالدولار، يضطر لدفع 6 شواقل، إذ كانت تباع المائة دولار في السوق بسعر 327 شيقلًا. ولم تختلف نسبة الفرق والتي ما زالت تبلغ ستة شواقل حتى تاريخ 14 يناير، على الرغم من اختلاف صرف العملات، إذ وصل سعر صرف المائة دولار الخاصة بالحوالة إلى نحو 311 شيقلًا، فيما وصل سعر الصرف في السوق إلى نحو 317 شيقلًا، حيث انخفضت قيمة الدولار في الحوالة مع انخفاض سعر السوق، على الرغم من عدم الالتزام بالصرف بسعر السوق من الأساس، إلى جانب أن الصراف يشتري الدولار، غير المتوفر أصلًا، من صاحب الحوالة بسعر شاشة البورصة الدولية، فيما يبيعه الدولار بسعر السوق.

واستغرب الفلسطيني خالد السرحي، الذي اعتاد الحصول على حوالة مالية من شقيقه محمد منذ ست سنوات، الفارق الكبير في عملية الصرف، ويوضح متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنه يضطر لدفع فرق سعر الشيقل على الدولار، لالتزام أسرته بسداد دين بعملة الدولار.
ويبين السرحي أن أزمة صرف الحوالة بالدولار ليست جديدة، على الرغم من إرسالها من المصدر بعملة الدولار، ويضيف: "في كل مرة تضطرنا مكاتب الصرافة إلى دفع فرق العملات، ولكن خلال الفترة الأخيرة، والتي انخفض فيها سعر الدولار مقابل الشيقل إلى مستويات غير مسبوقة، شهدت أزمة حقيقية، وارتفع الفارق فيها بشكل كبير".
وتواجه الفلسطينية وسام ياسين الموقف ذاته، وهي تعمل صحافية، إذ تُرسَل حوالاتها المالية من المصدر بعملة الدولار، فيما يتم صرفه بغزة بالشيقل، أو بدفع فروق للعملات، مبينة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الفروق تتسبب بأزمة عند أصحاب الحوالات.

انتعاش السوق السوداء
ويُرجع الصرافون الأزمة إلى عام 2007، حين قام الاحتلال الإسرائيلي بتشديد الحصار، ومنع ادخال عملتي الدولار الأميركي والدينار الأردني، ما ساهم بتنشيط السوق السوداء، وخضوع تلك العملات لمبدأ العرض والطلب، والذي تختلف فيه نسبة صرف العملات مقابل الشيقل الإسرائيلي عن النسبة الحقيقية للصرف، والتي تحددها الشاشة الرسمية للبورصة العالمية.
ويشير مدير إحدى شركات الصرافة المرخصة رسمياً لتسليم وإرسال الحوالات في غزة، إلى أنه وفي الوضع الطبيعي يتوجب على سلطة النقد تعويض النقص في الدولار، لكنها غير قادرة على التوريد بسبب المنع الإسرائيلي.
ويبيّن مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن آلية عمل الحوالات عادية ولا توجد فيها أي إشكالية، وأن الاعتماد على توفر الدولار في سوق غزة والبنوك بات ينصب على رواتب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي تُصرف بالدولار، إلى جانب أموال المنحة القطرية، والتي تأتي لغزة نقدًا.
ويقول إن "الحوالة المالية لا تصل من مصدرها إلى المصارف بالباراشوت بعملة الدولار"، وإنما تصل إلى برنامج الحوالات عبارة عن رقم، يتم تجميع قيمة الحوالات والذهاب لصرفها عن طريق البنوك، والتي بدورها تتحجج بعدم وجود  الدولار، ما يضطر أصحاب المصارف إلى الحصول على المبلغ الإجمالي للحوالات بعملة الشيقل، وفق سعر شاشة البورصة العالمية، والتي تختلف في معظم الأوقات عن سعر صرف السوق، ما يُشعِر صاحب الحوالة بوجود الفرق لحظة حصوله على الحوالة، سواء بالشيقل، أو بعد دفعه الفرق للحصول على الدولار.

ويشير كذلك إلى أن من يحكم العمل في غزة هي "السوق السوداء" وتضم مئات الصرافين، الذين لا يمكن إجبارهم على الالتزام، إذ تخضع الأسعار بشكل أساسي لعمليتي العرض والطلب.

تنظيم ومراقبة
وكان لسلطة النقد (البنك المركزي) رأي مخالف، حيث يبين نائب محافظ سلطة النقد محمد مناصرة، أنهم في سلطة النقد يعملون على تنظيم ومراقبة عمل المؤسسات المالية الخاضعة لإشرافها، بما يشمل تقديم خدمة الحوالات المالية للمواطنين.
ويؤكد مناصرة خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن سلطة النقد أصدرت تعليمات للقطاع الصيرفي حددت من خلالها ضوابط العمل والأحكام العامة الواجب الالتزام بها من قبل الصراف عند تقديمه هذه الخدمة، والتي شملت تسليم الحوالة للمستفيد بالعملة نفسها المرسلة بها، إلا إذا طلب المستفيد خطيًا خلاف ذلك، والقيام بنشر أسعار العملات المستوفاة على الحوالات المالية بشكل بارز في مقر الشركة.
ويشير إلى قيام سلطة النقد بتنفيذ جولات تفتيش ميداني للتحقق من التزام المؤسسات المالية بهذه المتطلبات وفحص عدد من الشكاوى المستلمة من المواطنين بهذا الخصوص، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المؤسسات المالية غير الملتزمة.
وتُظهر القوانين المعمول بها في سلطة النقد أن لصاحب الحوالة الحق في الحصول على حوالته المالية وفقًا للعُملة المُرسلة بها، إلا أنه يضطر للحصول عليها بعملة أخرى، وبنسبة صرف أقل من السوق، أو دفع بدل فرق، بعد سماعه الجملة الشهيرة داخل مكاتب التحويل "فش دولار".
وساهمت جائحة كورونا العالمية في توجيه ضربة قوية للاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، الذي يعاني من حالة انهيار جراء استمرار العدوان والحصار الإسرائيلي المفروض عليه للعام الـ14 على التوالي.

المساهمون