مأزق التضخم في تركيا... بدائل حكومية لتحسين المعيشة والمعارضة تضغط لزيادة الأجور

27 مايو 2025   |  آخر تحديث: 03:45 (توقيت القدس)
سوق في إسطنبول، 11 يونيو 2024 (أنس يلديريم/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه تركيا تحديات اقتصادية مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع العملة، مما دفع المعارضة للضغط لرفع الحد الأدنى للأجور، بينما تخشى الحكومة من تأثير ذلك على برنامجها الاقتصادي وكبح التضخم.
- تسعى المعارضة لتحقيق مكاسب سياسية من خلال رفع الأجور، بينما تركز الحكومة على "استراتيجية التوظيف" لتعزيز فرص العمل والتحول الرقمي والأخضر.
- يتوقع الخبراء أن رفع الأجور قد يزيد التضخم، مما يعيق برنامج الحكومة، مع استمرار مراقبة التضخم وسعر الصرف وتوقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي.

تحول الغلاء في تركيا إلى مادة خصبة للمعارضة لتوجيه انتقادات حادة إلى الحكومة وتحقيق مكاسب في الشارع، لا سيما مع مطالبها برفع الحد الأدنى للأجور مجدداً، بعد تراجع سعر صرف العملة إلى نحو 39.1 ليرة مقابل الدولار وزيادة تكاليف المعيشة، ما تسبب في التهام زيادة الأجور التي أُقرّت مطلع العام الجاري. في المقابل، ترى الحكومة أن زيادة الأجور، مرة ثانية عام 2025، كما العامين الماضيين، ستعيق تنفيذ برنامج التطوير الاقتصادي وتؤخر الهدف المعلن بكسر حدة التضخم الذي بدأ بالتراجع منذ ثلاثة أشهر.

وقال أوزغور أوزال، رئيس أكبر الأحزاب التركية المعارضة "الشعب الجمهوري"، إن الحزب سيبدأ سلسلة اجتماعات مع ممثلي النقابات والجمعيات العمالية وجمعيات رجال الأعمال، بهدف دراسة النسبة الأنسب لرفع الحد الأدنى للأجور خلال شهر يوليو/تموز المقبل. وأضاف أوزال في تصريحات صحافية أخيراً: "سنستمع لكل الأطراف، وسنحدد النسبة التي تستجيب لتطلعات العمال وتتناسب مع واقع الاقتصاد، وسنضغط على الحكومة لإجبارها على تنفيذ هذه الزيادة.. وسنحصل عليها"، مشيرا إلى أن تحسين معيشة المواطنين ومواجهة التآكل الحاصل في القدرة الشرائية من أولويات المرحلة المقبلة. واعتبر أن الحد الأدنى الحالي لا يلبي الحاجات الأساسية للمواطنين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم المتواصل.

وكانت تركيا قد رفعت، مطلع العام الجاري، الحد الأدنى للأجور بنسبة 30% ليصل إلى 22 ألفاً و104 ليرات، بينما كان اتحاد العمال قد طالب بوصول هذا الحد إلى نحو 29 ألفاً و583 ليرة.

واعتبر وزير العمل والضمان الاجتماعي في تركيا وداد إشيكهان أن رفع الحد الأدنى للأجور، مرة واحدة العام الجاري، كاف "لأننا نتوقع انخفاضاً في التضخم"، لافتاً، خلال تصريحات رداً على المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور مرة ثانية عام 2025، إلى أنه "إذا اقتضت الحاجة، فقد يُحدَّث الأجر في يوليو/تموز المقبل". وأضاف أن الحكومة تهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، مؤكدًا أن عام 2025 سيكون عام تحسن اقتصادي.

وكشف الوزير التركي عن إطلاق "استراتيجية التوظيف" التي تضم 88 بنداً وتستهدف تعزيز التوظيف في الدولة. وأوضح أن الاستراتيجية تركز على التحول الرقمي والأخضر، بالإضافة إلى تحسين التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل.

ويرى الخبير الاقتصادي التركي باكير أتاجان أن مطالب المعارضة التركية، "حزب الشعب تحديداً"، يهدف إلى مكاسب سياسية والتفاف الشارع حوله، خاصة بعد "اتهام رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، أبرز مرشحي الحزب للرئاسة، بالفساد"، معتبراً أن تحسين المعيشة هدف الحكومة المستمر، لأن زيادة القدرة الشرائية، فضلاً عن الواجب لرفاهية الأتراك، هي هدف تنموي يزيد حركة الأسواق ويبعدها عن الجمود وملامح الركود التي ظهرت أخيراً.

ويقول أتاجان لـ"العربي الجديد" إن البرنامج الاقتصادي الحكومي يركز على تخفيض نسبة التضخم ليتحسن الواقع المعيشي من دون ضخ أموال في السوق، لأن الاستمرار بحل رفع الأجور يزيد التضخم بدل أن يكسر حدته، مشيراً إلى إجراءات نقدية ومالية صدرت وستصدر بهدف تحسين سعر الصرف، مثل رفع سعر الفائدة، وأن الحكومة تضع أهدافاً محددة، منها زيادة استيعاب طلاب العمل للتخفيض المستمر للبطالة، إلى جانب تخفيض نسبة التضخم وتحسين سعر الليرة والمعيشة.

ويحذر الخبير الاقتصادي التركي من زيادة جديدة للأجور مطلع يوليو/تموز المقبل، لأنها ستكون، برأيه، ذات آثار سلبية بسبب زيادة معروض العملة التركية في الأسواق، ما يؤثر على سعر الصرف ويعيق برنامج الحكومة، وسيستغل التجار الزيادة فيرفعون الأسعار ويفقد العمال أثر الزيادة بعد مدة، في حين أن اللجوء إلى طرق أخرى سيكون أكثر فائدة للعامل والدولة ومؤشرات الاقتصاد، منها دعم المنتجين وخاصة في القطاع الزراعي أو تخفيف الأعباء سواء ضريبية أو أسعار الطاقة والمياه، مشيراً إلى أن التضخم هو التحدي الأكبر للاقتصاد التركي في هذه المرحلة.

وفي حين لم يصدر معهد الإحصاء التركي نسبة التضخم لشهر مايو/ أيار، أصدر البنك المركزي التركي "توقعات التضخم القطاعي" للشهر الجاري، مشيراً إلى انخفاض توقعات التضخم السنوية للأشهر الـ12 المقبلة بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 25.1% بالنسبة للمشاركين في السوق، وبنحو 0.7 نقطة مئوية إلى 41% بالنسبة للقطاع الحقيقي، وبنحو 0.6 نقطة مئوية إلى 59.9% بالنسبة للأسر. ويتوقع أتاجان أن تبدأ لجنة السياسات النقدية في المصرف المركزي تخفيض سعر الفائدة، لافتاً إلى أن الأجور متوافقة مع نسبة التضخم، وبما أن الأجور تتناسب مع التضخم للعام الجاري، فهذا يجعل مهمة البنك المركزي أسهل لخفض أسعار الفائدة.

وكان معهد الإحصاء التركي قد كشف، الشهر الماضي، عن معدل التضخم لشهر إبريل/نيسان البالغ 37.86%، وهو الأدنى في 40 شهراً. وبنظرة إلى نسبة التضخم خلال الشهرين الماضيين، يلاحظ استمرار التراجع عن شهر مارس/آذار الذي سجل 38.1% وخلال فبراير/شباط الذي وصل إلى 39.05% وهو ما يعزوه مراقبون إلى عودة تركيا إلى رفع أسعار الفائدة المصرفية.

لكن الخبير الاقتصادي التركي أوزجان أويصال يرى أن "ارتفاع التضخم ومستوى الأسعار ليسا مشكلة المواطن التركي، بل إن تحسين معيشته واجب على الحكومة التي لم تضبط التضخم أو تفي بوعد كسر الأسعار، وفق ما وعدت خلال البرنامج الاقتصادي، لذا، لا بد من رفع الحد الأدنى للأجور بما يوازي نسبة التضخم على الأقل". ووفق بيانات اتحاد الصناعات التركية الشهر الماضي، فإن تكلفة المعيشة الشهرية للعامل الواحد ارتفعت إلى 30 ألفاً و617 ليرة تركية، وهو ما يفوق بكثير الحد الأدنى للأجور الصافي البالغ 22 ألفاً و104 ليرة، ما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للعمال وأسرهم.

ويرى أويصال أن الحكومة التركية تذهب إلى طرق كلاسيكية لكسر نسبة التضخم، إذ إن استمرار رفع سعر الفائدة، برأيه، يعيق النمو ويؤثر على حركة الأموال وتوظيفها في القطاعات الاقتصادية، متوقعاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن تنجح حملة حزب "الشعب الجمهوري"، التي أعلنتها مطلع هذا الأسبوع وتلزم الحكومة وأرباب العمل على رفع الحد الأدنى للأجور للمرة الثانية هذا العام.

وتعتمد الحكومة التركية على رفع سعر الفائدة لتقليل معروض العملة في السوق، وبالتالي التوازن بهدف تحسين سعر الصرف وكسر حدة التضخم، إذ أعلنت لجنة السياسات النقدية في المصرف المركزي، الشهر الماضي، رفع سعر الفائدة من 42.5% إلى 46%، متعهدة باستمرار مراقبة سعر الصرف ونسبة التضخم ليكونا مؤشر قرار سعر الفائدة لجلسة اللجنة المقبلة في 19 يونيو/حزيران.

وتبقي عين السلطات التركية على نسبة النمو المتراجعة، وعودتها إلى ما كانت عليه عام 2021 وقت وصلت إلى 5%، قبل أن تتراجع عام 2023 إلى نحو 4.5%، وإلى نسبة 3.2% العام الماضي، وتزيد التوقعات بالتراجع العام الجاري، ما يهدد آمال الحكومة وتوقعاتها التي طرحتها خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي العام الماضي.

وكانت المفوضية الأوروبية قد توقعت في تقريرها "التوقعات الاقتصادية لربيع 2025" أن يشهد الاقتصاد التركي تباطؤاً في النمو خلال عام 2025، في ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي وتقلبات الأسواق المالية، رغم إجراءات الاستقرار الاقتصادي التي تبنتها أنقرة، بينما توقعت تعافياً في 2026.

ويقول تقرير المفوضية إن معدل النمو، الذي بلغ 3.2% في عام 2024، سيتراجع إلى 2.8% في عام 2025، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 3.5% في 2026. ويُعزى هذا التباطؤ إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، ما أدى إلى تراجع الاستثمار الخاص، إضافة إلى توقعات بتباطؤ تكوين رأس المال الثابت مع نهاية مرحلة إعادة الإعمار بعد زلزال 2023.

المساهمون