مأرب الجاذبة للمال والنازحين تتحول إلى أرض طاردة بسبب المعارك

الحرب على الملاذ الآمن ... مأرب الجاذبة للمال والنازحين تتحول إلى أرض طاردة

14 مارس 2021
أطفال يمنيون في مخيم للنازحين على مشارف مأرب (فرانس برس)
+ الخط -

تعاني كتلة عمالية كبيرة في مأرب ومختلف المناطق اليمنية من تسرّب مطّرد إلى رصيف البطالة، بسبب المعارك الدائرة في المحافظة بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية منذ منتصف فبراير/ شباط الماضي.

وأدت المعارك إلى إصابة قطاع الأعمال بالشلل التام وتعطيل مختلف القطاعات الاقتصادية وخطوط النقل، في ظل ارتباط واسع للمصالح بين مأرب وبقية المحافظات اليمنية، لدورها الفاعل في تغطية جزء من احتياجات المناطق الأخرى، وخصوصاً من غاز الطهو والمشتقات النفطية والمنتجات الزراعية.

الأضرار تركزت في كتلة عمالية كبيرة، بالأخص العاملة بالأجر اليومي في قطاع العقارات والبناء والتشييد، إذ تستوعب مأرب عدداً كبيراً من العمال من مختلف مناطق البلاد، لأنها كانت تشهد حركة واسعة في العقارات والإسكان.

ومأرب منطقة صحراوية غنية بالنفط، وتبعد نحو 120 كيلومتراً شرق العاصمة صنعاء، وكانت موطناً لنحو 400 ألف شخص قبل الحرب، لكن بسبب المعارك الدائرة في مناطق يمنية عدة منذ 2015، قفز عدد سكانها وفق بيانات محلية إلى حوالى 2.7 مليون نسمة بسبب حركة النزوح الواسعة إليها، إذ كان يُنظر إلى المحافظة على أنها ملاذ آمن لأولئك الفارين من القتال في أماكن أخرى من البلاد.

من هؤلاء طارق شمسان، عامل بناء قادم من منطقة الوازعية الساحلية في تعز منذ نحو ثلاثة أعوام، وذاق وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، الأمرَّين في الوصول إلى مأرب وبدء رحلات شاقة يومية لإيجاد فرصة عمل في مجال يكتظ بآلاف العمال بأجر يومي جاؤوا من مختلف مناطق البلاد، إذ تصل أجرة العمل اليومية التي يحصل عليها إلى نحو 5 آلاف ريال (5.5 دولارات).

يقول شمسان إن المبلغ الذي يحصل عليه زهيد للغاية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في مأرب بصورة قياسية، إلى جانب عملهم الذي لا يتوافر إلا مرات محدودة في الشهر متى ما توافر طالبو عمال بالأجر اليومي، أو إذا احتاج مقاول في مجال البناء والتشييد لعمالة بالأجر اليومي لتشطيب مبنى معيَّن تمّ الانتهاء من بنائه.

لكن حتى هذه الفرص الموسمية أصبحت مهددة بالخطر، بسبب تأثر قطاع الأعمال والبناء بالمعارك الدائرة وتوقف المشاريع والبناء، حيث تردد تجار ومواطنون كانوا يستعدون لبدء مشاريعهم أو بناء مساكنهم الخاصة في الإقدام عليها نتيجة الأوضاع الراهنة وما ألحقته المعارك الدائرة من أضرار بالغة شملت مختلف المجالات المالية والمصرفية والتجارية والاستثمارية.

وقد تعرضت مأرب لهجمات متقطعة من قوات الحوثيين على مدار العام الماضي، فيما تجددت الهجمات العنيفة الشهر الماضي لتتحول تلك المنطقة إلى أحد أشد المناطق عنفاً وضراوة في الحرب المستمرة منذ سبع سنوات.

ويؤكد أصيل عبد الواسع، وهو عامل كهربائي نزح إلى مأرب في 2017 قادماً من محافظة إب (وسط اليمن) بعد أن توقف صرف راتبه كموظف في القطاع العام، أن هناك انخفاضاً كبيراً في فرص العمل بسبب الظروف الحالية، رغم أنه يعمل مع شركة مقاولات في مجال العقارات.

ويقول عبد الواسع لـ"العربي الجديد"، إن الشركة التي يعمل معها اضطرت منذ المعارك السابقة التي دارت نهاية العام الماضي قبل أن تتجدد منذ نحو شهر إلى تقليص أعمالها ومشاريعها، وهو ما انعكس على العمال الذين واجهوا موجة تسريح على فترات متقطعة، وتحول كثير منهم إلى رصيف البطالة، والبعض إلى العمل بالأجر اليومي.

المقاول وهيب العامري يوضح في هذا الجانب أن قطاع المقاولات والأعمال عامةً يواجه مشاكل عدة تهدده بالتوقف والإفلاس، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن السيولة المالية تأتي في مقدمة هذه المشاكل والصعوبات، إضافة إلى الاختناقات الحاصلة في التنقل وارتفاع أسعار وتكاليف مواد البناء بشكل كبير.

وأدّت الحرب في مأرب إلى اختناق تجاري واسع مع توقف جزئي لشاحنات نقل غاز الطهو المنزلي وتكدس عشرات الشاحنات على طول خطوط النقل، وخصوصاً في المنافذ الشرقية من المحافظة، كما أبلغ بذلك "العربي الجديد" سائقو شاحنات ومسؤولون ومكاتب عاملة في مجال النقل واضطرار بعضها إلى استخدام طرق بديلة فرعية وعرة محفوفة بالمخاطر، الأمر الذي خلق أزمة واسعة في الحركة التجارية والنقل في المحافظة ومناطق يمنية أخرى.

كذلك سبّبت المعارك تأزيم الأوضاع المعيشية مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بصورة مضاعفة تقدرها مصادر تجارية بأكثر من 400% لمعظم السلع الغذائية ومواد البناء، وهو ما يهدد بتفاقم مستويات الفقر والبطالة وتوسع رقعة الجوع في عموم المناطق اليمنية، نظراً لاعتماد عدد كبير من الأسر والعوائل في مختلف المحافظات على المعونات الشهرية التي يرسلها إليهم عدد كبير من الأيدي العاملة والنازحين الذين تحولوا إلى عمال بعد لجوئهم إلى مأرب منذ 2015.

ويقول عمر محمود، عضو الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية في اليمن لـ"العربي الجديد"، إن القطاع الخاص التجاري يعاني بشكل بالغ بسبب المعارك، مشيراً إلى الأضرار التي تطاول نقل وتوزيع السلع والبضائع والمشتقات النفطية.

ويلفت محمود إلى أن القطاع التجاري في اليمن، وخصوصاً العامل في مجال الاستيراد والتصدير، أنهكته عملية البحث عن طرق بديلة بسبب المعارك والمواجهات المسلحة وتعدد السلطات منذ اندلاع الحرب قبل نحو سبع سنوات، إذ تركزت الاضطرابات والمواجهات في مناطق مهمة في النقل التجاري بين منافذ الاستيراد، ومنها منفذ الشحن في محافظة المهرة جنوب شرقيّ اليمن.

وتقدّر الأمم المتحدة نسبة السكان الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم في اليمن بسبب الحرب بنحو 16% من إجمالي السكان، أي حوالى 5 ملايين شخص منذ عام 2015، فيما يعيش قرابة 74% من الأسر النازحة في بيوت مؤجرة خارج المواقع السكانية المضيفة.

ويوجد في مأرب حوالى 138 مخيماً للنازحين، ولكنها لا تحظى بالخدمات الإنسانية والضرورية في حده الأدنى، وفق جمعيات ومنظمات إغاثية. ومأرب هي المعقل الشمالي الوحيد للحكومة اليمنية، وفي حال سقوطها في قبضة الحوثيين، سيضعف موقف الحكومة التفاوضي ويعرقل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.

وكانت منظمات أممية قد اطلقت أخيراً تحذيرات من تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات وتفاقم معدلات الجوع بصورة كارثية تطاول جميع المناطق اليمنية.

وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

ويعيش الاقتصاد انهياراً غير مسبوق، حيث تعصف بالبلاد أزمة وقود مستمرة تلقي بظلال سلبية على مختلف القطاعات، كذلك تشهد العملة انهياراً متتالياً، وذلك بعد أن اقترب الدولار الأميركي من 900 ريال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مقابل نحو 603 ريالات في مناطق الحوثيين.

المساهمون