ليل غزة الموحش... الاحتلال يمنع بدائل الكهرباء

17 فبراير 2025
يعيشون وسط ظلام دامس، 13 فبراير 2025 (أنس زياد فتيحة/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقم أزمة الكهرباء في غزة بسبب الحرب والحصار أدى إلى انقطاع تام للكهرباء وتدمير البنية التحتية، مما تسبب في نقص حاد في البدائل مثل الوقود والمولدات وألواح الطاقة الشمسية، وارتفاع أسعارها بشكل كبير، مع خسائر أولية تقدر بـ 450 مليون دولار.

- الاعتماد على الطاقة البديلة محدود بسبب القيود على استيراد المعدات، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول عليها، مما زاد من تعقيد الحياة اليومية في ظل انقطاع الكهرباء.

- الإغلاق التام للمعابر أدى إلى ظهور سوق سوداء بأسعار مرتفعة للبدائل، مع قيود إسرائيلية تعيق استيراد المعدات الضرورية، مما يتطلب جهودًا محلية ودولية لتوفير المعدات بأسعار مناسبة.

 

تتعاظم أزمة الكهرباء رغم وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ نحو شهر، حيث لا يزال المواطن الفلسطيني يعاني من ضعف حاد في الخدمات، ومنها انقطاع تام للتيار الكهربائي وقلة البدائل الخاصة بتوفير الطاقة البديلة، ما يفاقم من تحديات الحياة اليومية للمواطنين المرهقين من حرب إبادة استمرت نحو 15 شهراً.

ولم تكن أزمة الكهرباء وليدة العدوان الإسرائيلي، بل سبقته بسنوات من الحصار والصراعات، تضررت إثرها شبكات توزيع الكهرباء ومحطة التوليد الوحيدة كثيراً، لتصل إلى الفلسطينيين ساعات محددة خلال اليوم، لكنهم اليوم بلا أي ساعة كهرباء واحدة.

ومع انطلاق شرارة الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قُطعَت كل خطوط الكهرباء الإسرائيلية، ودُمِّرَت البنية التحتية الكهربائية ليغرق القطاع من حينها في ظلام دامس، وسط انعدام حتى الحلول المؤقتة والبديلة.
ويعود تعقيد الأزمة المعيشية إلى إغلاق الاحتلال المعابر كافة، ومنع دخول الوقود والمولدات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والأسلاك وألواح الليدات (إضاءة صغيرة تستخدم بكثرة في غزة)، بهدف منع إيجاد البدائل الآنية، التي اختفت من الأسواق، فيما تُباع الكميات الشحيحة والمحدودة بأسعار فلكية، تصل إلى أكثر من عشرة أضعاف ثمنها.

دمار واسع لشبكات الكهرباء

وفقاً لشركة توزيع الكهرباء في غزة (شبه حكومية)، فإن الخسائر الأولية في المناطق التي تمكنت الطواقم من الوصول إليها بلغت 450 مليون دولار، في ظل دمار تجاوزت نسبته 80%.

موقف
التحديثات الحية

وفي وقت سابق، قال مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء في غزة محمد ثابت لـ"العربي الجديد" إنّ 90% من مخازن شركة توزيع الكهرباء دُمِّرَت بشكل كامل وجزئي على امتداد فترات الحرب، بالإضافة إلى تدمير 70% من مباني الشركة ومرافقها كلياً وجزئياً خلال فترة الحرب الإسرائيلية على القطاع.

ولم تشهد أزمة الكهرباء أو الطاقة البديلة أي حلحلة رغم اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يتطلب إصلاح البنية التحتية والأعمدة والمحولات والمولدات موارد فنية ومادية كبيرة، ما يجعل استعادة الخدمة بشكل كامل أمراً بعيد المنال على المدى القريب، خصوصاً في ظل تعنت الاحتلال في إدخال الموارد الخاصة بتخفيف حدة الأزمة.
وكان ينظر إلى الطاقة الشمسية وبطاريات التخزين على أنها حلول مهمة لمواجهة الانقطاع التام للكهرباء، خصوصاً في ظل وفرة أشعة الشمس في كثير من أيام السنة باستثناء بعض أيام الشتاء، لكن واقع الأسواق يشير إلى نقص حاد في هذه المعدات بفعل القيود المفروضة على وصول المعدات اللازمة لتوليد الطاقة المتجددة.
وتصل تكلفة المعدات نادرة الوجود إلى أثمان باهظة نتيجة للتضخم وندرة الموارد، ما يحول دون تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة، سواء على مستوى الأسر أو نقاط الشحن الصغيرة، الأمر الذي بات يخلق إشكالية كبيرة في شحن الهواتف والبطاريات الخاصة بالإنارة، كذلك يؤثر عدم القدرة على تشغيل مولدات الطاقة في رفع المياه، ما يزيد من عمق الأزمة.

عودة إلى استخدام الشمع

يوضح الفلسطيني عماد لولو أنه بات يشعر بإرهاق شديد جراء البحث المتواصل عن نقاط لشحن هاتفه وبطارية الإضاءة، جراء الانقطاع التام في الكهرباء والعطل الذي أصاب المولد الكهربائي الصغير الذي يمتلكه بفعل الاستخدام المتواصل.

ويبين لولو لـ "العربي الجديد" أن الاعتماد الكامل على ألواح الطاقة الشمسية والمولدات الكهربائية تسبب بالكثير من الأعطال، وتوقف العديد من نقاط الشحن عن العمل، خاصة في ظل عدم قدرتها على الصيانة أو التجديد بسبب غلاء الأسعار.

ويشير إلى أن كل تلك الأسباب تسببت في عدم قدرته على الشحن في محيط سكنه، والاضطرار إلى البحث طويلا عن مكان للشحن، ويقول: "تتفاقم حدة الأزمة مع غياب الشمس، حيث تتوقف النقاط قليلة العدد عن العمل".
أما الفلسطينية سهير أبو ناجي، فقد عادت إلى استخدام الشمع على الرغم من خطورته لتضيء ليل أطفالها، وذلك بعد تعطل البطارية الصغيرة التي كانت تمتلكها بسبب الاستخدام المتواصل منذ بداية الحرب دون القدرة على تجديدها.

وتوضح أبو ناجي لـ "العربي الجديد" أنها حاولت شراء مصباح إضاءة يعمل على الشحن، لكنها لم تجد سوى أصناف ضعيفة الجودة وبأسعار مرتفعة للغاية، الأمر الذي دفعها للإنارة عبر هاتفها، أو عبر الشموع خلال المنخفضات الجوية لعدم قدرتها على شحن الهاتف.
وتبين أبو ناجي أن انقطاع الكهرباء وانعدام البدائل أو غلاء أسعارها بشكل غير مسبوق نتيجة قلة العرض وكثرة الطلب بات يزيد من معاناتها اليومية، "هذا الأمر يزيد من ظلمة ووحشة ليالينا، ويشعرنا بالبرد الحقيقي، ويزيد من تعقيد حياتنا اليومية".

سوق سوداء للبدائل في غزة


في الإطار، يبين فني تركيب وصيانة أنظمة الطاقة البديلة سعيد السوسي أن الإغلاق التام للمعابر بات يحول دون توفير البطاريات والأسلاك وألواح الطاقة الشمسية ولوازمها، على الرغم من الحاجة الماسة إليها في ظل انقطاع الكهرباء. ويوضح السوسي لـ "العربي الجديد" أن قطاع الطاقة البديلة كان ناشئاً في غزة، كبديل عن الانقطاع المتكرر للكهرباء لساعات طويلة يوميا، إلا أنه تحول خلال الحرب لمصدر أساسي للطاقة، ما تسبب بإنهاك الألواح والأسلاك والبطاريات والمولدات، وسط انعدام البدائل وقطع الغيار الخاصة بإصلاح الأعطال.
ويلفت إلى الكميات الشحيحة المتوفرة في السوق السوداء بأسعار خرافية، تخطى فيها سعر اللوح الشمسي المتوسط حاجز الألف دولار، كذلك تضاعفت أسعار البطاريات والأسلاك ومختلف اللوازم المتعلقة بالطاقة البديلة، وهو أمر فاق قدرة المواطنين في ظل قدراتهم الاقتصادية المحدودة.
ويبين السوسي أن العقبة الأساسية أمام إنعاش الطاقة البديلة الكفيلة بالتخفيف من أزمة الكهرباء تتعلق بدخول المعدات والأدوات اللازمة بأسعار معقولة، حيث يزيد ارتفاع الأسعار وعدم توافر البدائل من تعقيد الأزمة.

قيود مشددة على استيراد المعدات

بدوره، يقول المتخصص في الطاقة المتجددة بسام حجيلة، وهو صاحب محل لبيع أنظمة الطاقة البديلة "سابقاً" إن هذا القطاع يواجه تحديات متعددة، أبرزها القيود المشددة على استيراد المعدات الضرورية مثل الألواح الشمسية والبطاريات، ما يعني تأخير تنفيذ المشاريع وزيادة تكاليفها.

ويبين حجيلة لـ "العربي الجديد" أن القيود الإسرائيلية تقف عائقاً أمام تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية التي من شأنها التقليل من أزمة الانقطاع التام للكهرباء، "فعدم توافر المعدات بأسعار مناسبة يؤدي إلى عدم القدرة على إتاحة البدائل البسيطة والتخفيف عن المواطنين".
ويأمل حجيلة أن تتكاتف جهود الجهات المحلية والدولية لتوفير المعدات الخاصة بالطاقة الشمسية بأسعار مناسبة، تمكن المواطنين من شرائها، أو على الأقل تتيح تشغيل نقاط الشحن الميدانية.

ويواجه القطاع الكهربائي تحديات اقتصادية جوهرية، إذ إن نقص الدعم المؤسساتي والدولي يصعّب من عملية تجديد الشبكات وتركيب أنظمة الطاقة البديلة، كذلك إن ارتفاع الأسعار في سوق المواد الكهربائية يضع عبئاً إضافياً على المشاريع الصغيرة التي كانت تأمل توفير حلول للطاقة المتجددة.
من جانبه، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن جهوداً مكثفة تُبذل في مختلف أنحاء غزة لاستعادة الخدمات الأساسية، رغم حجم الدمار الكبير واستمرار القيود المفروضة على إدخال المعدات اللازمة.
وحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، تعيش غزة حالة دمار غير مسبوقة بسبب الحرب، حيث إن إزالة ما يقدر بنحو ما بين 40 و50 مليون طن من الحطام والركام الناتج من الصراع وإعادة الخدمات إلى طبيعتها ستستغرق سنوات.

المساهمون