ليبيا تراهن على التحول إلى مركز اتصالات إقليمي بفضل كابلات إيطاليا

ليبيا تراهن على التحول إلى مركز اتصالات إقليمي بفضل كابلات إيطاليا

13 يونيو 2021
إرساء البنى التحتية يعني بالنسبة لليبيا أن تكون محوراً لنقل خدمات الإنترنت (فرانس برس)
+ الخط -

حظيت الزيارة التي أجراها رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، قبل أسبوعين إلى إيطاليا باهتمام بالغ من الحكومة والشركات الإيطالية، بالنظر إلى عملية إعادة إعمار ليبيا التي يسعى مستعمرها القديم لنيل نصيب الأسد فيها.

وكان قطاع الاتصالات من بين أبرز أوجه التعاون التي ناقشها الجانبان خلال زيارة الدبيبة التي رافقه خلالها أيضاً فيصل قرقاب، رئيس الشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات.

ذكر خبير الاتصالات الإيطالي فيديريكو بروتَو، رئيس مجلس إدارة مجموعة "ريتيليت" الإيطالية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن الاتصالات تمثل عنصراً استراتيجياً من أجل تنمية أي دولة، شأنها في ذلك شأن البنى التحتية الأكثر كلاسيكية: الموانئ والمطارات والطرق والسكك الحديدية وخطوط أنابيب النفط والغاز. ومن هذا المنطلق فإن تطوير الاتصالات ضرورة لا سيما لمنطقة حوض البحر المتوسط.

وفي حديث خاص لمجلة "فورميكي" الإيطالية، رأى بروتَو أن التحول الرقمي لأي بلد لا بد أن يمر، أولاً وقبل كل شيء، عبر توفر بنية تحتية لشبكة محكمة ذات قدرات عالية من الألياف البصرية، تُضاف إليها تغطية لاسلكية باستخدام تكنولوجيا الجيل الرابع، وقريباً الجيل الخامس، والأولوية في هذا السياق للمدن والمناطق الصناعية.

ورداً على سؤال حول ماهية الدعم الذي من الممكن أن تقدمه الاتصالات لمنطقة ما كي تربح التحدي نحو المستقبل (في إشارة إلى زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة قبل أسبوعين إلى إيطاليا، والتي برزت خلالها الاتصالات كأحد عناصر تنمية ليبيا والمنطقة بأسرها)، أوضح أنه في ما يتعلق بليبيا، التي يعيش 80% من سكانها في المدن الرئيسية الساحلية (طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي ودرنة وطبرق) فإن الهدف يتركز في جلب الألياف البصرية المنزلية FTTH إلى المساكن ومقار الأجهزة الحكومية والموانئ والمطارات والبنوك والمستشفيات والمدارس والمكاتب ومواقع الإنتاج وكذا المعالم السياحية، مع ربط المدن ذاتها بوصلة فائقة السرعة بالتزامن مع تطوير الشبكات الخلوية من الجيل الرابع والخامس.

وتابع أن هذه القاعدة من البنية التحتية هي الأساس الضروري من أجل التنمية، وتفعيل الخدمات الرقمية لخدمة المواطنين وأجهزة الدولة والأنشطة الإنتاجية في ليبيا التي تمثل، عبر موقعها الاستراتيجي، همزة وصل بين البحر المتوسط وأوروبا ومنطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. ويتركز الإسهام الأساسي للاتصالات، من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا الموقع، في الكابلات البحرية، سواء بين السواحل الليبية والإيطالية أو بين المدن الساحلية الليبية، كبديل للكابلات البرية.

وعلاوة على ما سبق، وعبر حدود ليبيا مع السودان، فإن وجود كابل يمر عبر الصحراء والسودان ذاته من شأنه إتاحة قناة ربط مع البحر الأحمر، ومن ثم الطرق نحو السعودية والإمارات. الشاهد أن التزود بتلك البنى التحتية يعني بالنسبة لليبيا أن تكون محوراً لنقل خدمات الإنترنت الدولي على مسارات تشهد نمواً كبيراً للغاية مع نصيب قليل من الخدمات.

وحول الدور الذي تسعى المجموعة الإيطالية لأدائه في مباراة الربط العالمي الذي تحتل فيه إيطاليا مركزاً محورياً لهذه المنظومة الإقليمية، أوضح بروتَو أن "ريتيليت" تأسست عام 1998 وسُجلت في بورصة ميلانو عام 2000، وتعد الشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات منذ 2008 أحد أكبر شركاء المجموعة من خلال استحواذها على 14.37% من أسهمها.

والواقع أن العلاقات بين مجموعتنا والشركة الليبية على الدوام علاقات راسخة ووثيقة للغاية، على الرغم من الأحداث المأساوية التي مرت بها ليبيا، فالشريك الليبي متابع جيد وداعم دائم لتطوير المجموعة، التي نجحت في غضون 6 سنوات فقط، في رفع قيمة سهمها في البورصة إلى 10 أضعاف.

وقد قررت ريتيليت والشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات، في أعقاب انطلاق عملية عودة الحياة السياسية في البلاد إلى طبيعتها، قررتا الاستثمار في تأسيس شركة برأسمال مشترك مناصفة تحت اسم "ريتيليت ميد"، تلك الشركة سوف تقوم بإمداد مشروعات البنية التحتية الليبية التي تحدثنا عنها سلفاً بجميع إمكانيات وخبرات مجموعتنا من أجل ضمان التنفيذ السريع والفعال.

وشرح أن ريتيليت سوف تزود جميع فروع الشركة الليبية بكل ما تملكه من أدوات (على سبيل المثال نظام المعلومات الجغرافية GIS الذي يستخدم في التخطيط لشبكة ألياف بصرية منزلية)، وسوف تنقل معارفها وخبراتها من خلال دورات تدريبية ومراحل تدريب عملي وتأهيل العاملين في فروع الشركة المختلفة.

وأضاف أن المجموعة الإيطالية تملك أيضاً إمكانيات وخبرات راسخة في تنفيذ الكابلات البحرية، من خلال حصتها في كابل AAE-1 الذي يربط البحر المتوسط بهونغ كونغ. بالتالي، فإن إمكانية إنجاز هذه "القناة" عبر الكابلات البحرية التي تُبنى حالياً بين ليبيا وإيطاليا من شأنها تحويل ليبيا إلى مركز محوري للاتصالات من ونحو أوروبا.

ومن ناحية أخرى، فإن بناء هذه القناة بين أوروبا (إيطاليا) وليبيا يتيح الفرصة لإنشاء مراكز المعلومات على السواحل الأفريقية للبحر المتوسط لخدمة منطقة جنوب الصحراء الكبرى أو دول شمال أفريقيا المتوسطية ذاتها. وفي هذا المقام، يتعين على أوروبا أن تركز جهودها على إنجاز عملية التحول الرقمي لهذه الدول، وعلى رأسها ليبيا، وأن تشجع نقل التكنولوجيا والخبرات والاستثمار هناك، مثلما تفعل في قطاعي الطاقة والبنى التحتية الخاصة بالإسكان والطرق. 

ورأى الخبير الإيطالي أن البحر المتوسط، في ظل المنافسة القائمة بين الصين والولايات المتحدة، يعود الآن وأكثر من أي وقت مضى ليكون عاملاً محورياً مع أوروبا التي تجازف بفقد جانب مهم من ثقلها على المستوى العالمي. وإذا نظرنا إلى البحر المتوسط على أساس أنه "بحيرة"، فإن التعاون بين دول ضفتيه يمثل فرصة عظيمة للنمو. وتلعب دول جنوب أوروبا (ولا سيما إيطاليا)، في هذا السياق، عبر موقعها الجغرافي دوراً أساسياً أكبر بكثير مما يمكن للولايات المتحدة والصين عمله.

وأوضح أن ميناء مرسيليا الفرنسي، في هذا الإطار، قد تحول من أحد الموانئ الرئيسية في البحر المتوسط إلى أحد المراكز التكنولوجية الرئيسية، وذلك بفضل تزويده بالعديد من الكابلات البحرية وإنشاء منظومة بيئية من مراكز المعلومات وإمكانيات جعلته مركز جذب.

ونظراً للنمو الملحوظ لتجارة المعلومات، فإنه يُجرى حالياً إيجاد مساحة لأقطاب بديلة سواء في أوروبا (وخاصة في إيطاليا) أو في الضفة الجنوبية للمتوسط. من المنظور إذا أن يكون لليبيا، في هذا السياق، ميزة تفضيلية جغرافية وسياسية. تلك الفرص من شأنها أن تمنح أوروبا إمكانية أداء دور رئيسي ومحوري في ظل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، على الأقل في منطقة البحر المتوسط.

وعن القيود التي تفرضها الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية عبر الأمن السيبراني، والتي قد تؤدي إلى إحداث فجوة تكنولوجية مع الصين، قال الخبير الإيطالي إنه لا شك في أن القطاعات الحساسة لأي بلد: الدفاع والقطاعات الصناعية الاستراتيجية والنقل والبنى التحتية الحساسة، وعلى وجه أكثر عمومية توفر البيانات الخاصة بالمواطنين والشركات، تلك القطاعات يتعين حفظها ومن ثم فإنه من الضروري مراقبة والتحقق من أن التكنولوجيا المستخدمة تحظى بأقصى درجة من الأمان.

وختم بقوله إن التكنولوجيا المطورة في الصين تحتل من دون شك موقعاً طليعياً، وتتفوق في العديد من الحالات على تلك المطورة في الولايات المتحدة أو في أوروبا، ووضع حواجز في مواجهة تلك التكنولوجيا من الممكن أن يتمخض عن خسارة الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات للتنافسية، ومن ثم إبطاء عملية التحول الرقمي الضرورية التي تنفذها حالياً جميع شركاتنا، لصالح شركات منافسة، صينية على وجه الخصوص. الخلاصة أن هذا النقاش معقد للغاية، ولا يمكن أن يُطرَح من وجهة نظر واحدة.

 

المساهمون