ليبيا تخسر 5 مليارات دولار سنوياً من تجارة النفط غير المشروعة... معظمها يذهب إلى عائلة حفتر

24 مارس 2025
خليفة حفتر وابنه الصديق في مدينة بنغازي الليبية، 20 فبراير 2025 (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تهريب النفط الليبي يسبب خسائر مالية كبيرة تقدر بخمسة مليارات دولار سنوياً، مما يحرم الميزانية الوطنية من موارد هامة ويعزز نفوذ المليشيات المسلحة.
- شركة "أركينو أويل"، التابعة لعائلة حفتر، تلعب دوراً رئيسياً في تهريب النفط عبر نظام مقايضة مثير للجدل، مما يضعف احتكار المؤسسة الوطنية للنفط على الصادرات.
- الانقسامات السياسية بين الحكومتين المتنافستين تعرقل جهود تنظيم قطاع النفط، والحل يتطلب مصالحة سياسية وتوحيد السياسة النفطية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

رغم أنها رابع أكبر عضو في منظمة أوبك من حيث الاحتياطيات النفطية، إلّا أن ليبيا لا تستفيد من نفطها على الوجه الأمثل بسبب تهريب الوقود المدعوم إلى خارج ليبيا وبيعه في الخارج عبر عائلة الجنرال الليبي المنشق الذي يحكم شرق ليبيا، ويعرقل توحيد البلاد ما يبقيها منقسمة. فقد سبق أن كشف تقرير استقصائي لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في الـ20 مارس/آذار 2025، تفاصيل تجارة النفط غير المشروعة، ومن يقف وراءها، مؤكداً وقوف حفتر وأبناءه وراء تهريب النفط الليبي عبر شركة خاصة يسيطرون عليها، تنهب جزءاً من نفط ليبيا وتصدره، بعيداً عن "المؤسسة الوطنية للنفط"، وهي شركة النفط الحكومية في البلاد، والجهة الوحيدة المُصرح لها بالتصدير.

الشركة المشبوهة التي تقوم بتهريب نفط ليبيا عبر استبدال نفط مهرب بآخر مكرّر، تُدعى "أركينو أويل" وهي أول شركة ليبية خاصة، وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة أن الشركة، التي صدرت نفطاً خاماً بقيمة 483 مليون دولار هذا العام، تخضع "لسيطرة غير مباشرة" من صدام حفتر، نجل الجنرال خليفة حفتر، ويقع المقر الرئيسي لشركة "أركينو" في مدينة بنغازي الساحلية في شرق ليبيا، التي تخضع لسيطرة حفتر، بحسب موقع الشركة على الإنترنت.

ووفقاً لتقرير أعده خبراء الأمم المتحدة، في فبراير/شباط الماضي، يجري التهريب عبر سفن مشبوهة من خلال نظام مقايضة مثير للجدل، تقوم بموجبه ليبيا، التي تفتقر إلى القدرة على تكرير الوقود، بمبادلة إنتاجها من النفط الخام بالوقود المكرر، بدلاً من دفع ثمنه نقداً، ويدخل الفارق في جيوب عائلة حفتر، إذ يُباع الوقود محلياً بأسعار مدعومة بشدة، ويشير تقرير "فايننشال تايمز" المستند إلى وثائق من الأمم المتحدة، أن هذا الوقود المستورد الرخيص يُهرب إلى الخارج "ليُباع بأسعار السوق السوداء أو بأسعار السوق بوثائق مزورة"، وينتج عن ذلك أرباحٌ كبيرة تذهب إلى الفصائل المسلحة خاصة مليشيا خليفة حفتر.

ويستغل المهربون هذا النظام بتحويل المنتجات المكررة إلى السوق السوداء الدولية، محققين أرباحاً طائلة، إذ تسمح حكومة شرق ليبيا التابعة لحفتر، التي تسيطر على معظم البنية التحتية النفطية الليبية، لشركات خاصة مثل أركينو للنفط بالعمل باستقلالية عن المؤسسة الوطنية للنفط.

مليارات عبر الإمارات إلى حفتر

وعادة ما تجري مدفوعات شحنات النفط الخام التي تشتريها المؤسسة الوطنية للنفط بالدولار إلى حساب مصرف ليبيا المركزي في البنك الليبي الخارجي في نيويورك، قبل تحويلها إلى حساب حكومة طرابلس لدى البنك المركزي، لكن وثائق الشحن أظهرت أنه طُلب تحويل مدفوعات شحنات أركينو إلى حسابات في بنك الإمارات دبي الوطني، المرتبط بحكومة دبي، وبنك التجارة والاستثمار في جنيف، وهي حسابات يرجح أنها لأسرة حفتر. ووفقاً لتقارير أجنبية، صدرت أركينو نفطاً بقيمة تزيد عن 600 مليون دولار عامي 2023 و2024، متجاوزة القنوات الرسمية في طرابلس، ما يعكس نفوذ حفتر المتزايد على قطاع النفط الليبي.

وتمنح السيطرة العسكرية على حقول النفط الرئيسية ومحطات التصدير لحفتر نفوذاً على عائدات النفط، ما يسمح له بتمويل ما يسمى بالجيش الوطني الليبي (LNA) وتعزيز سلطته السياسية، وهو جيش تابع لحفتر. وسبق أن اتهمت حكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس، حكومة حفتر الشرقية بتقويض الوحدة الوطنية من خلال صادراتها النفطية المستقلة، إلا أن حكومة الدبيبة واجهت انتقادات مماثلة لفشلها في إصلاح تسعير الوقود وإغلاق طرق التهريب عبر الموانئ الغربية.

وقد أشار موقع "أفريكا إنتليجنس" 19 مارس/آذار الجاري، إلى أن شركة "أركينو" للنفط التي تتولي تهريب نفط ليبيا غير الشرعي، تضمّ في إدارتها أشخاصاً مقربين من رئيس الوزراء الدبيبة بالإضافة إلى أفراد من عشيرة حفتر.
أوضح أن شركة أركينو للنفط حققت نجاحاً باهراً في سوق تهريب النفط الليبي، وأنها تخفي هوية مؤسسيها ومساهميها، لكن "لجنة خبراء" عينتها الأمم المتحدة، أظهرت خضوع هذه الشركة المحلية الناشئة لسيطرة غير مباشرة من عائلة حفتر.

وأكد تقرير لوكالة رويترز في 17 فبراير الماضي، نقلاً عن سجلات شحن وخبراء من الأمم المتحدة، بأن هذه الشركة "مرتبطة بالفصيل القوي الذي يسيطر على شرق ليبيا"، وأنها صدرت نفطاً بقيمة 600 مليون دولار على الأقل منذ مايو 2024، مما يمثل نهاية لاحتكار المؤسسة الوطنية للنفط على الصادرات. وهو ما يعني أن الشحنات التي صدرتها شركة أركينو للنفط، ذهب عائدها بعيداً عن مصرف ليبيا المركزي. وارتبطت شركة أركينو لأول مرة بصادرات النفط عندما حصلت على ملكية شحنة في مايو/أيار من شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو)، وهي شركة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط، وفقاً لرسالة مؤرخة في 11 يوليو/تموز 2024.

ومنذ ذلك الحين، صدرت شركة أركينو سبع شحنات نفطية أخرى، ليصل إجمالي صادراتها بين مايو وديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 7.6 ملايين برميل، وفقاً لسجلات الشحن، بقيمة تبلغ حوالى 600 مليون دولار، وفقاً لمتوسط أسعار خام برنت الشهري. ولا تزال المؤسسة الوطنية للنفط، التي تعمل منذ فترة طويلة باستقلالية وتحافظ على الحياد السياسي في البلد المضطرب، تمثل الجزء الأكبر من الصادرات الليبية، وشحنت الشركة نحو 264 مليون برميل من النفط بقيمة تقترب من 21 مليار دولار خلال نفس الفترة التي تغطي شحنات أركينو الثماني، استناداً إلى بيانات كبلر وحسابات رويترز.

خسارة ليبيا 5 مليارات دولار سنوياً

ووفقاً للبنك الدولي، تخسر ليبيا أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً بسبب تهريب الوقود ومبيعات النفط غير المنظمة، وتحرم هذه الخسائر الميزانية الوطنية من إيرادات أساسية تُمول البنية التحتية والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، وبالمقابل تذهب معظم هذه الأموال لأيدي المليشيات خاصة جيش حفتر، ويعكس دعم حفتر لشركة "أركينو" للنفط خطوة استراتيجية لتقويض هيمنة طرابلس على قطاع النفط وتعزيز نفوذه السياسي في المفاوضات المستقبلية، ويُظهر صعود شركات النفط الخاصة وفشل إصلاح دعم الوقود كيف أصبحت ثروة ليبيا النفطية سلاحاً في الصراع على الهيمنة السياسية. 

وقد سعت حكومة الدبيبة إلى تشديد سيطرتها على المؤسسة الوطنية للنفط والحد من صادرات النفط المستقلة، إلا أنّ الانقسامات السياسية الداخلية أضعفت هذه الجهود، وفي ديسمبر 2024، وافقت حكومة حفتر المتمركزة في شرق البلاد على مقترح بإنهاء دعم الوقود، في خطوة تهدف إلى الحد من حوافز التهريب، إلّا أن التنفيذ لا يزال غير مؤكد بسبب الانقسام السياسي ومعارضة المليشيات المحلية المستفيدة من الوضع الراهن، وفي طرابلس، تواجه حكومة الدبيبة تحديات مماثلة، إذ يجعل الضغط السياسي المحلي إصلاح دعم الوقود محفوفاً بالمخاطر السياسية.

ويتطلب حلّ تجارة النفط غير المشروعة في ليبيا مصالحة سياسية بين الحكومتَين الشرقية والغربية المتنافستين، فبدون سياسة نفطية وطنية موحدة وسلطة مركزية لتنظيم إنتاج النفط وتصديره، ستستمر شبكات التهريب في الازدهار. وبحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 10 أغسطس/آب 2022، يمكن اعتبار عائلة خليفة حفتر بمثابة عائلة تجارية عسكرية، ويخدم اثنان على الأقل من أبنائه، هما صدام وخالد، ضباطاً في جيشه الذي شكله في شرق ليبيا، أما نجله صدام فهو بجانب كونه ذراعاً عسكرية لأبيه فهو أشبه بمبعوث دبلوماسي لوالده خصوصاً في الرحلات المتجهة إلى الإمارات وإسرائيل، بحسب تصريحات مصدر مطلع للموقع البريطاني.

ويعمل ابنه الرابع "بلقاسم" مستشاراً سياسياً كبيراً لوالده، وابنه الخامس، المليونير "عقبة خليفة حفتر"، رجل مال وأعمال، فهو صاحب "مجموعة الأخوة الشرقيين المحدودة" (Eastern Brothers Group, LLC)، تأسست عام 2014 في أميركا. ويتردد أن هناك صراعاً بدأ يعبر عن نفسه بين صدام وشقيقه بلقاسم، فيما يتعلق بعملية صنع القرار والاتفاق النفطي، إذ يقوم خليفة حفتر بتفويض القضايا إليهما على نحوٍ متزايد، بحسب تحليل الصحافي والباحث الليبي خليل الحاسي في "معهد واشنطن".

المساهمون