استمع إلى الملخص
- حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، تمتلك أهمية استراتيجية كبيرة بفضل ثقلها البشري والاقتصادي، وتعتبر مركزاً زراعياً وتجارياً مهماً بفضل موقعها الجغرافي.
- بعد استعادة حلب، أصبحت رمزاً للتطلعات التحررية، حيث بدأت الحكومة المعارضة بتأمين الخدمات وتحقيق الاستقرار، مما يعكس الفرق بين النظام والثوار.
ليست العسكرة مهنتي، لأفتي وأحلل أسباب سقوط حلب سهلة بيد الثوار السوريين، كما يفعل محبو مكافآت التلفزات وهواة الأضواء والشهرة، المنعوتين زوراً، أو جلهم على الأقل، بمحللين عسكريين واستراتيجيين. بيد أن بدهيات بهذا الصدد، يمكن لغير المتخصص بالمعارك والحروب، اكتشافها بسهولة، لعل أهمها فقدان قطعان الأسد هناك، الحد الأدنى من العقيدة القتالية، بدليل هروبهم، حتى قبل أن يدخل الثوار حلب المترامية على مساحة تنوف 190 كيلومتراً مربعاً، بنحو 10% من مساحة سورية.
وفقدان تلك العقيدة مردها، أغلب الظن من أمور ثلاثة. أولها ملاحظتهم وعبر عامين، خرق سيادة وطنهم من العدو الإسرائيلي، من دون حتى شجب النظام للخرف والقصف والتدمير، ما أكد نفعية النظام وإيثاره الحكم على الوطن، إن لم نقل عمالته، وثانيها أنهم يعانون الأمرين، الجوع والعطش بمعنى الكلمة، بواقع أجور لا تكفي الجندي إنفاق أسبوع، ما حولهم مرتزقة "يعفشون" ويبتزون أبناء جلدتهم، ليتحايلوا على مصاريفهم ومطالب أسرهم.
ليأتي العامل الثالث وربما الأهم، أنهم يواجهون أصحاب الأرض والحق، هؤلاء الفاتحين لاستعادة الأرض لأصحابها والبيوت لإعادة المهجرين واللاجئين، من المخيمات ودول الجوار التي لم تترك وزراً، إلا وحملته للاجئين.
لذا، هكذا يبدو، سقطت حلب، عاصمة سورية الاقتصادية وأكبر محافظاتها، خلال سويعات بيد الثوار، لتعيد للثورة المهملة ألقها وتوازنها، وتضيف قيمة، مادية ومعنوية، سياسية واقتصادية ونفسية، إن لما فيها وعليها من حمولات حضارية وبشرية ومالية، أو لما ستشكله خلال التفاوض، على اعتبار الطاولة هي نهاية الحروب مهما استعرت وطالت، وقوة الموقف على الطاولة يستمد من مدى بعد المدافع والسيطرة على الأرض.
قصارى القول: يتفق جلّ من عرف حلب، أو سمع عنها. أنها بيضة قبان سورية التي ترجّح كفة من يسيطر عليها، من دون التنكّر لدور العاصمة دمشق، على اعتبارها الخلاص والوصول إليها ينهي معاناة السوريين الممتدة لعقود قبل الثورة ومآسيهم منذ عام 2011. وخصوصية وأهمية حلب يأتي من دورها التاريخي، بوصفها أقدم، أو من أقدم مدن العالم المأهولة، ولثقلها البشري بوصفها أكبر مدينة سورية بسكان تزيد عن 4.5 ملايين نسمة، خرج منهم ما خرج ورفد السياسة والاقتصاد والفنون، على ساحة الوطن العربي بأكمله.
بيد أن اقتصاد حلب هو ميزتها الأساس التي أوصلتها إلى مسمى "عاصمة سورية الاقتصادية" بعد أن استحوذت على ثلث صناعات البلاد وشغلت ربع اليد العاملة السورية وتعدت مساهمتها، حتى قيام الثورة بربع الناتج القومي البالغ وقتذاك، 60 مليار دولار، جراء ما تنتج وإثر مساهمتها بنصف صادرات سورية.
وربما زراعة حلب مظلومة أمام النهضة الصناعية وعراقة "الإنتاج الحلبي" إن التقليدي، كالنسيج والبلاستيك والجلود والصابون، أو الحديث الذي تعدى الصناعات الدوائية والغذائية ليصل إلى المعدات الصناعية والكهربائية وهياكل السيارات. فحلب مركز سورية الزراعي أيضاً، ففيها ثاني مساحات زراعة القمح والقطن، ومنها أكبر إنتاج الزيتون وزيته وبعض زراعتها التي وسمت باسمها، تبلغ الأسواق العالمية من دون استئذان، كما الفستق الحلبي.
وكل هذا ولم نتكلم عن حلب التجارية والتي درّست فنون التجارة للمدن السورية والجوار بعد أن أسست، منذ عام 1885 أول غرفة تجارة بالمنطقة وثاني أقدم غرفة بالعالم، مستفيدة من هواجس أهليها التجارية وموقعها الجغرافي، ما أوصلها، حتى الإمبراطورية العثمانية، إلى موقع المدينة الثالثة، بعد إسطنبول و القاهرة.
نهاية القول: عادت حلب اليوم قبلة للثوار وعاصمة تطلعاتهم التحررية، بعد "خديعة تسليمها عام 2016" لتبدأ الحكومة المعارضة بتأمين الخدمات، بعد الاستقرار والهدوء والطمأنينة التي يشيد بها سكان المدينة اليوم. من غير أن تسجل أي خرق أو حالة تعديات، على الحقوق العامة أو الملكيات الشخصية، رغم العداوة الفاشلة التي اشتغل عليها نظام الأسد بين المدن ومكونات الشعب ورغم ما في حلب، من محال وقصور وممتلكات.. ليبدو التفريق اليوم لكل ذي لب، واضحاً، بين مرتزقة تسرق، بعد أن تقتل وتهجّر، وبين ثوار يطرقون الأبواب ليوزعوا الخبز ويبددوا الخوف... بمساع مخططة لبناء دولة.