لماذا تدفع مصر أعلى فائدة في العالم؟

لماذا تدفع مصر أعلى فائدة في العالم؟

05 مايو 2021
ارتفاع مشتريات الأجانب لأدوات الدين المصري
+ الخط -

قرر البنك المركزي المصري يوم الأربعاء الماضي إبقاء سعري عائد الإيداع والاقتراض لليلة واحدة عند مستوياتهما السابقة 8.25% - 9.25%، مشيراً إلى ارتفاع المعدل السنوي للتضخم العام إلى 4.5% في شهر مارس/ آذار الماضي، فيما بدا استمراراً لحالة الترقب التي بدأت قبل ما يقرب من ستة أشهر، حين خفض البنك معدلات الفائدة لآخر مرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وبعد إعلان البنك المركزي قراره، نشرت وكالة بلومبيرغ للأنباء تقريراً أكدت فيه أن الحكومة المصرية تدفع حالياً أعلى معدل فائدة حقيقي في العالم، ويبلغ 3.75 %، متفوقة (اللفظ لا يعكس أي شيء إيجابي) على دول أخرى مثل فيتنام وتركيا وإندونيسيا و46 دولة أخرى رصدتها دراسة أعدتها الوكالة. ويعرف سعر الفائدة الحقيقي بأنه الفارق بين معدل العائد الأساسي على العملة (8.25% على الإيداعات لدى البنك المركزي) ومعدل التضخم في البلاد (4.50%).

ومع تقديري للوكالة وكاتبي التقرير، أرى أن ما نشر لا يعبر إلا عن جزء ضئيل جداً من الوضع الحقيقي، حيث تمت المقارنة بين معدل التضخم والعائد على الإيداعات لدى البنك المركزي، في حين أن حقيقة التكلفة التي تتحمّلها الحكومة المصرية تزيد عن ذلك بكثير، فقط إذا نظرنا إلى ما تدفعه الدولة لمستثمري أذون وسندات الخزانة المصرية، والتي قُدر العائد عليها في مشروع الموازنة المصرية للعام المالي 2021 – 2022 بأكثر من 13%، بينما يتجاوز العائد عليها حالياً هذا المستوى.

لا يعكس ارتفاع العائد الذي تدفعه الدولة على أدوات الدين المصدرة سوى صعوبة إقناع مشتريها بالاستثمار فيها إلا عند هذه المستويات المرتفعة من العائد، حيث يتحدد ذلك العائد من خلال مناقصات يتم طرحها كل أسبوع، وتتم ترسية المبلغ المطروح، أي الذي ترغب الحكومة المصرية في اقتراضه، على أقل عائد يطلبه المستثمرون حتى تتم تغطية المبلغ المطروح.

وفي نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، سجل رصيد محافظ المستثمرين الأجانب في أدوات الدين المصرية بالجنيه المصري مستوى قياسياً جديداً، هو المعادل لمبلغ 28.5 مليار دولار.

وتبدو الحكومة المصرية سعيدة بمعدلات العائد التي تدفعها لمشتري أدوات الدين بالجنيه المصري من الأجانب، وتفترض أنها تضرب عصفورين بحجرٍ واحد، حيث توفر تمويلاً للموازنة المصرية التي تعاني عجزاً مزمناً، وفي نفس الوقت توفر موارد بالعملة الأجنبية، حيث يقوم مستثمرو أدوات الدين الأجانب ببيع دولاراتهم وشراء الجنيه المصري، من أجل شراء الأذون والسندات المقومة بالعملة المحلية.

وبعيداً عن مأساة الاعتماد على الأموال الساخنة فيما تحتاجه الدولة من عملة أجنبية، بسبب العجز الدائم في ميزان المدفوعات، والتي يمكن رؤيتها إذا تصورنا خروج نصف رصيدها الحالي فقط، أي نحو 14 مليار دولار، من دولة لا يتجاوز احتياطي النقد الأجنبي فيها 40 مليار دولار، لا يبدو أن أزمة ارتفاع العائد المدفوع على القروض، كما ارتفاع حجم القروض نفسها، بشقيها المحلي والخارجي، تقل أهمية وخطورة على اقتصاد البلاد والمستقبل الذي ينتظر أبناءنا وأحفادنا.
وفي مشروع موازنة 2021 - 2022 الذي وافقت عليه الحكومة المصرية، وتم عرضه على أعضاء مجلس النواب المصري تمهيداً للتصويت عليه، تخطط الحكومة المصرية لاقتراض مبلغ 1068 مليار جنيه، مقارنة بمبلغ 998 مليار جنيه ظهرت في موازنة العام السابق، يستحوذ بند سداد فوائد القروض منها على 579 مليار جنيه، تمثل ما يقرب من 60% من الإيرادات الضريبية، وتقترب مما يتم إنفاقه على بنود أجور وتعويضات العاملين بالجهاز الإداري للدولة، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وشراء السلع والخدمات، مجتمعة.
وفي حين يظهر في مشروع الموازنة بند العجز الكلي بمبلغ 475 مليار جنيه، يقول وزير المالية في النسخة المرسلة لمجلس النواب حرفياً إن "إجمالي التمويل الذي تحتاجه الموازنة العامة للدولة لا يقف عند حدود العجز الكلي بمشروع الموازنة العامة للدولة، وإنما يمتد الأمر إلى البحث عن مصادر تمويل لتغطية أقساط القروض المحلية والخارجية، والمقدر لها مبلغ 593 مليار جنيه"، ليصل إجمالي المبلغ المطلوب اقتراضه إلى 1068 مليار جنيه.
يمنع ارتفاع بندَي الفوائد المدفوعة على القروض والأقساط الواجب سدادها توجيه المبالغ المطلوبة إلى العديد من أوجه الإنفاق التي تهم المصريين وتؤثر على مستوى معيشتهم وجودتها بصورة كبيرة.

وفي حين تبذل الدولة جهوداً كبيرة لتخفيض عجز الموازنة، لإرضاء صندوق النقد الدولي، الدائن الأكبر لمصر ومهندس ما أطلقوا عليه "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، لا يكون تخفيض العجز إلا على حساب تخفيض المبالغ المخصصة للإنفاق الاجتماعي ودعم الطاقة والغذاء، وهو ما ظهر في تزايد معدلات الفقر في مصر، ورفع أسعار الكهرباء والمياه والخبز على المواطنين.
تقول الحكومة المصرية إنها تعمل على توفير مستويات مقبولة من التعليم والعلاج لكافة المواطنين، وتفرض الاستحقاقات الدستورية توجيه نسب محددة من الإنفاق الحكومي إلى التعليم والصحة، وإلى الاستثمارات التابعة لهما، لتأتي فوائد الديون وأقساطها لتطيح كل تلك الخطط الوردية، وتستحوذ على أغلب ما يتاح للحكومة من أموال، وتترك الفتات الذي لا يمكن الاعتماد عليه لو كنا نرغب حقاً في إصلاح منظومتي الصحة والتعليم في مصر.

  

ولا تقتصر مشاكل دفع الفائدة المرتفعة على أدوات الدين المحلية على تضخم بند الفوائد واضطرارنا للاقتراض حتى نتمكن من سداد ما يستحق من ديون، حيث تساعد الفائدة المرتفعة على اجتذاب الأموال الساخنة، وتطرد الاستثمارات المباشرة، سواء كانت محلية أو أجنبية، لارتفاع تكلفة الاقتراض التي يتحملها أي مشروع يرغب في الاستثمار.

وبينما تتميّز الاستثمارات المباشرة بالبطء في التنقل من مكان لآخر، تتسم الأموال الساخنة بمرونة عالية في التحرك، تمكنها من الهروب مع أي تغيير في بيئة الاستثمار عندنا أو عندهم، الأمر الذي يمثل خطورة كبيرة على استقرار سعر الصرف في مصر، وهو الهم الأكبر في الاقتصاد المصري.

المساهمون