لماذا تتعاظم شهية أسواق الأسهم رغم الحرائق السياسية التي تجتاح العالم؟

20 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 18:06 (توقيت القدس)
المتعاملون في الجلسة الافتتاحية في بورصة نيويورك - 17 سبتمبر 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأسواق المالية تتعامل ببرود مع التوترات الجيوسياسية، حيث ارتفعت الأسهم وانخفضت أسعار النفط، لكن أي تصعيد قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة كما حدث في 2022.
- يركز المستثمرون على العوامل الاقتصادية مثل أرباح الشركات وأسعار الفائدة، وقد عزز خفض الفائدة الثقة في الأسواق، لكن الأزمات الجيوسياسية قد تغير هذا التفاؤل.
- رغم التأثيرات الطويلة الأمد للتوترات الجيوسياسية، يلجأ المستثمرون إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب، مما يعكس عدم وجود قواعد ثابتة في التعامل مع الأزمات.

تقول الحكمة التقليدية إن الاستثمارات لا تزدهر إلى في محيط من الاستقرار السياسي، هذا ما يحدث على الأقل في البلدان التي تتعرض لاضطرابات سياسية أو مالية. لكن مغزى هذه الحكمة لا يتأتى في الحالة الراهنة لأسواق الأسهم العالمية بالنظر إلى ما يعتمل في عالم اليوم من توتر جيوسياسي، واضطرابات تجعله في حالة ربما الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية. فلماذا تتعاظم شهية الأسواق والمستثمرين بينما تشتعل النيران في أنحاء متفرقة من العالم؟

هناك حقيقة لا يستسيغها كثيرون مفادها أن الأسواق المالية والبشر الذين يديرونها يتعاملون ببرود تجاه العالم وشؤونه، تتجلى هذه الحقيقة بوضوح إذا نظرت إلى الوضع الراهن: الأسهم عند مستويات قياسية بعد ارتفاع أضاف 16 تريليون دولار إلى قيمتها السوقية عالميا هذا العام، أسعار النفط تقترب من أدنى مستوياتها في أربع سنوات، والمخاطرة منتشرة في كل شيء من العملات المشفّرة إلى أسهم "الميم". أما التقلبات المتوقعة في سوق الأسهم الأميركية فتقترب من أدنى مستوياتها منذ عام.

كل هذا يحدث في الوقت الذي أرسلت فيه روسيا طائرات مسيّرة إلى أجواء دول في حلف الناتو

، وتواصل إسرائيل هجومها البري على غزة، فيما تترنح حكومة اليابان كما هو الحال مع حكومة فرنسا الجديدة. أوكرانيا ما زالت تحت الحصار. الصين تواصل النظر نحو السيطرة على المياه حول تايوان. والرئيس دونالد ترامب يقود حربا تجارية غير تقليدية مع الأصدقاء والخصوم على حد سواء.

ورغم أن المخاطر الجيوسياسية تتزايد بلا شك حول العالم، إلا أن قواعد اللعبة للمستثمرين تبقى كما هي: راقب التطورات السياسية من كثب، لكن لا تقلق إلا إذا أثرت السياسة والكوارث الإنسانية على التوقعات الاقتصادية أو أسعار الأصول مثل النفط.

في تقرير أعدته وكالة بلومبيرغ حول هذه القضية، تقول هيلين جويل، كبيرة مسؤولي الاستثمار في الأسهم الأساسية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة بلاك روك: "نحن نركز كثيرا على المخاطر الجيوسياسية، لكن كونك مستثمرا يجب أن تنظر في كيفية قياسها. التأثير يكون على المستهلكين والعملات، لأنها هي ما يؤثر على أرباح الشركات، وهي أمور يصعب وضع نموذج ثابت لها بدقة."


ارتفاع الأسهم وبيتكوين وانخفاض النفط

لكن الرهان على النمو الاقتصادي وخفض أسعار الفائدة حفّز موجات من المخاطرة. فأرباح الشركات بقيت قوية فعلا هذا العام، فيما يواصل الاقتصاد الأميركي تجنب الركود. كما أن خفض الفائدة من جانب الاحتياط الفيدرالي هذا الأسبوع عزز الثقة بمزيد من المكاسب حتى نهاية العام.

لكن أي تصعيد في تلك البؤر الساخنة، أو أخرى غير مرصودة حاليا، قد ينسف ذلك التفاؤل على الفور إذا ارتفعت أسعار النفط فجأة أو انهارت السندات السيادية لدولة كبرى.

هذا ما حدث في 2022، عندما شنّت روسيا غزوها الكامل لأوكرانيا فارتفعت أسعار النفط الخام. كما أن اهتزاز استقرار الحكومات في اقتصادات كبيرة مثل اليابان وفرنسا يجعل أسواق سنداتها عرضة للضغط، وهو ما قد تكون له عواقب سلبية على مؤشرات الأسهم العالمية.

وتنقل بلومبيرغ عن غيوم جيسون، المحلل الاستراتيجي في غولدمان ساكس، قوله: "لم يؤثر الكثير من المخاطر الجيوسياسية في حركة الأسهم. السوق الأميركية نادرا ما كانت بهذه الكلفة، وحتى أوروبا ليست رخيصة على الإطلاق."

صدمة السياسات

سياسات ترامب الاندفاعية منحت بالفعل لمحة عن حجم الضرر المحتمل. فقد هبط مؤشر S&P 500 بما يقارب 20% هذا العام من القمة إلى القاع، بعدما هدد الرئيس بفرض أعلى تعرفات جمركية منذ قرن في إبريل/نيسان الماضي، وجرى التشكيك في وضع الدولار عملةَ احتياط عالمية، وأدى الهروب من سندات الخزانة إلى جدل حول نهاية "التفرد الأميركي".

ومع ذلك، غالبا ما يكون التشاؤم قصير الأجل، حيث يراهن المستثمرون على أن الحكومات والبنوك المركزية ستقف مستعدة لحماية الاقتصاد والأسواق من ركود طويل. ويضيف جيسون: "إذا ارتفع مستوى عدم اليقين، تتغير صيغة المتابعة من الأخبار السيئة يمكن أن تكون أخبارا جيدة، إلى الأخبار السيئة هي أخبار سيئة بالفعل، فليس هناك مجال كبير لخيبة الأمل".

نظرة أوسع

أما فيكتور شفيتس، وهو استراتيجي عالمي في مجموعة ماكواري، فيرى أن "مستثمري الأسهم لا يكترثون بالأوضاع الجيوسياسية، فمنذ حرب فيتنام، لم يكن لها تأثير يُذكر".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

لكن النظر إلى أداء السوق بعدسة أوسع يظهر أن الاضطرابات الجيوسياسية قد يكون لها أحيانا تأثير أطول أمدا، ففي فرنسا مثلا، تراجع مؤشر كاك 40 مقارنة بالمؤشرات الأوروبية والأميركية منذ أن دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى انتخابات مبكرة في يونيو/حزيران 2024، ما فوت على السوق الفرنسية موجة صعود عالمية مدفوعة بالرهانات على الذكاء الاصطناعي والنمو الاقتصادي المتماسك.

وفي بريطانيا، تراجع مؤشر فاينانشال تايمز 100 عن المؤشرات العالمية منذ استفتاء بريكست عام 2016.

كما أظهر استطلاع لبنك أوف أميركا أن تقييم المخاطر الجيوسياسية لدى مديري الصناديق ارتفع إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.

لكن حتى في هذه الحالات، تحول المستثمرون إلى الملاذات الآمنة أو إلى الأسهم التي ترتبط أسعارها بالتوتر السياسي، مثل ما حدث مع شركات الدفاع الأوروبية التي ارتفعت أسعارها أكثر من 100% هذا العام، وكما حدث مع الاحتماء بالذهب وهو الملاذ التقليدي الذي تسجل أسعاره مستويات قياسية في الوقت الراهن.

رغم ذلك، لا توجد قواعد ثابتة في المطلق، كما يقول تيم موراي خبير الأسواق في مجموعة تي روي برايس: "إذا أصبحت الاضطرابات تهديدا للنشاط الاقتصادي، فهناك مجال كبير لهبوط الأسهم، لأن تقييماتها حاليا تفوق المتوسطات التاريخية. أي صدمة سلبية كبيرة، سواء كانت سياسية أو غير ذلك، قد تؤدي إلى عمليات بيع أكبر بكثير من المعتاد بالنظر إلى التقييمات الحالية."

المساهمون