لماذا تتصدّر الدول العربية مؤشر الفساد العالمي كل عام؟

19 فبراير 2025
استشراء الفساد يزيد انعدام الثقة بين الحكومات والمواطنين (أرشيف/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2025 يبرز تراجع الدول العربية، باستثناء دول الخليج، في مكافحة الفساد، حيث تتصدر قائمة الدول الأكثر فسادًا. دول الخليج شهدت تحسنًا ملحوظًا في مؤشر مدركات الفساد، مع تقدم الإمارات وقطر والسعودية.

- الفساد يعيق التقدم ويعمق الظلم الاجتماعي في الدول العربية، مما يؤدي إلى انعدام الثقة بين الحكومات والمواطنين وزيادة عدم الاستقرار السياسي. الفساد يشكل تهديدًا عالميًا يعرقل التنمية ويقوض الديمقراطية وحقوق الإنسان.

- تقارير المنظمة تشير إلى أن الفساد السياسي يقوض جهود مكافحة الفساد في العالم العربي، حيث تعاني معظم الدول من مشاكل فساد خطيرة. الحروب والصراعات تزيد من مخاطر الفساد بسبب النفقات الدفاعية المتزايدة.

في كل عام تصدر فيه منظمة الشفافية الدولية "Transparency International" تصنيفها العالمي عن الفساد في العالم، تتصدر الدول العربية بمؤشر مدركات فساد عالية، تجعلها في ذيل الدول الـ180 التي يتضمنها التقرير. وتقول المنظمة إنه "عادة ما تشهد الدول الديمقراطية فسادًا أقل من الأنظمة الهجينة أو الاستبدادية، حيث يبلغ متوسط درجات الديمقراطيات الكاملة 73 (من 100) على مؤشر مدركات الفساد، بينما يبلغ متوسط درجات الأنظمة الاستبدادية 29 فقط من 100. 

ووفقا لمؤشر العام 2025 فقد تقلص الفساد في دول الخليج، بينما استمر بالتغلغل في باقي الدول العربية، التي تراجعت قدرتها على محاربة الفساد. وجاءت دول الخليج في المراكز الأولى بمؤشر التحسن في مدركات الفساد، الذي يقيس النسبة من صفر إلى 100 درجة، حيث تراوحت نتائجها بين 68 درجة من 100 للإمارات، تليها قطر والسعودية معا (59 درجة)، ثم عمان (55)، فالبحرين (53)، ثم الكويت (46).

وكان ملفتا تراجع دول مثل مصر (30 درجة فقط من 100)، لتقبع في المركز 130 عالميا من بين 180 دولة، وتونس التي تراجعت للمركز 92 بدرجة 39 من 100. وجاءت الصومال وسورية (قبل سقوط نظام الأسد) واليمن وليبيا والسودان في المراكز الخمسة الأخيرة بين الدول العربية. 

الفساد يولد الاستبداد

ركز تقرير 2025، الذي يعالج مدركات فساد 2024، على فضح العلاقة بين الفساد والاستبداد، حيث أكد أن "الحكومات الاستبدادية الراسخة" تضع قبضتها القوية على أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية، وتمارس هذه الأنظمة الفساد سراً ولكنها تفتح فرصاً للفساد في جميع أنحاء الحياة العامة، بما فيها السلع والخدمات الأساسية. 

وقالت كندة حتر، المستشارة الإقليمية لمنظمة الشفافية الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن جميع دول المنطقة العربية يعيق الفساد المتفشي فيها التقدم، كما يؤدي إلى تعميق الظلم الاجتماعي والهيكلي، وأكدت أنه لا توجد نية لدى أنظمة الدول العربية وتفتقر إلى الالتزام المستمر بتدابير مكافحة الفساد، ما يؤدي إلى زيادة انعدام الثقة بين الحكومات والمواطنين، ومن ثم تأجيج عدم الاستقرار السياسي، وتعزيز عدم المساواة، وتصعيد الصراعات، وفق بيان أصدرته. 

وحول تقرير 2025، يقول فرانسوا فاليريان، رئيس منظمة الشفافية الدولية، إن الفساد يشكل تهديداً عالمياً متطوراً لا يقتصر على تقويض التنمية فحسب، بل إنه يشكل سبباً رئيسياً في تراجع الديمقراطية وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان، وأوضح أن الاتجاهات الخطيرة التي كشف عنها مؤشر مدركات الفساد لهذا العام سلطت الضوء على الحاجة إلى المضي قدماً باتخاذ إجراءات ملموسة الآن لمعالجة الفساد العالمي، لأنه أمر بالغ الأهمية لمقاومة الاستبداد وضمان عالم سلمي وحر ومستدام. 

مؤشرات الفساد في الدول العربية

وفي تقريرها العام الماضي (2024)، حول مؤشرات الفساد في العالم العربي والشرق الأوسط، أوضحت الشفافية الدولية أن الفساد وإساءة استغلال السلطة لا يزالان يغرقان العالم العربي ويعرقلان تقدمه، وأكدت أن الفساد "يقوض" التقدم في مجال الحقوق والحوكمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما أن فقدان زخم جهود مكافحة الفساد يقلل ثقة الجمهور في الأنظمة. 

وأظهر مؤشر مدركات الفساد للعام 2023 أن تعهدات البلدان بمكافحة الفساد غالباً ما تتخلى عنها الحكومات، وهو ما يعرض في نهاية المطاف الحقوق الأساسية، مثل الصحة والتعليم وحتى الحق في الحياة للخطر، حيث تم إدراج سبع دول عربية في المراكز العشرة الأولى في مؤشر مدركات الفساد، حيث يعيش 80% من هذه البلدان في صراعات وتشهد عدم استقرار اجتماعي وسياسي. 

وسجلت مصر أدنى درجاتها في مؤشر 2023 وجاءت في المرتبة 108 من 180 دولة، وقال التقرير إن مؤشرات الفساد في مصر أصبحت متدنية منذ عام 2012. وأشار التقرير إلى أن درجة مصر تتذبذب حول 35 درجة لأكثر من عقد من الزمن، ولا تزال من بين الدول ذات الدرجات الأدنى في العالم في مؤشر سيادة القانون. 

وأرجع السبب إلى "هيمنة الجيش على عملية صنع القرار السياسي وتقويض القطاع الخاص بشكل كبير والمساهمة في الأزمة الاقتصادية"، إضافة إلى "الإنفاق المكثف على البنية التحتية، الذي يفتقر إلى الشفافية وإلى استراتيجية اقتصادية قوية، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الدين الوطني". وأشار التقرير إلى دور مصر ضمنا في الظلم الذي تتعرض له غزة، حيث أشار إلى "ممارسات فاسدة (على معبر رفح) مثل المطالبة بـ"إتاوات" على الحدود لأولئك الذين يهربون (الفلسطينيين) من الحرب". 

في تقريري 2023 و2024، أكدت منظمة الشفافية الدولية فشل معظم الدول العربية في تحسين مواقعها على مؤشر مدركات الفساد على مدى أكثر من عقد من الزمن. وأدرجت المنظمة سبع دول عربية ضمن الدول التي سجلت أدنى عشر درجات لمؤشر مدركات الفساد وقالت إن 80% من البلدان العربية تعيش في صراعات وتعاني من عدم الاستقرار على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. 

وعزت المنظمة هذه النتائج إلى ارتفاع مستويات الفساد السياسي الذي يُقوّض جهود مكافحة الفساد في مختلف أنحاء المنطقة، لافتة إلى أنه "رغم تعهدات البلدان العربية بمكافحة الفساد، غالباً ما تتخلى الحكومات عن الالتزام بها، كما أن الإدارات الجديدة كثيراً ما تتجاهل المبادرات، ما يؤدي إلى فقدان الزخم". 

ووفقاً للمؤشر، سجّل أكثر من ثلثي الدول العربية أقل من 50 من أصل 100 درجة، وهو ما يشير إلى أنها تعاني من مشاكل فساد خطيرة، إذ إن المتوسط العالمي عالق عند مستوى 43 فقط، في حين أن الغالبية العظمى من الدول لم تحقق أي تقدم أو تراجعت في العقد الماضي، إضافة إلى ذلك، تراجعت 23 دولة إلى أدنى درجاتها. ويشير تقرير المنظمة إلى أن الحروب والصراعات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحول دون تطوير نظم للنزاهة وسياسات وآليات فعالة لمكافحة الفساد، وتشكّل زيادة الدول العربية نفقاتها الدفاعية استجابة للعديد من الصراعات مخاطر كبيرة للفساد. 

هدم الربيع العربي

وفي تقريرها عام 2022، قالت منظمة الشفافية الدولية إن الفساد لم "يحافظ على استقراره" في دول العالم فقط، بل طاول أوضاع حقوق الإنسان في العالم وخصوصا الدول العربية، وربطه بانهيار الربيع العربي. وأكدت المنظمة أنه "بعد ما يقرب من عقد من احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، لا يزال الفساد السياسي يعيق مكافحة الفساد والتقدم نحو الديمقراطية". 

وحذرت المنظمة في تحليلها لـ"مؤشرات الفساد" لعام 2021، من الآثار السلبية لعدم محاربة هذه الظاهرة على أوضاع حقوق الإنسان في العالم، وذكرت أنه "في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك فساد منهجي يهدد الديمقراطية وحقوق الإنسان"، كما "تستمر مصالح قلة قوية في الهيمنة على المجالين السياسي والخاص، وتعيق القيود المفروضة على الحريات المدنية والسياسية أي تقدم ملموس". 

على الرغم مما عاشته مصر في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك من فساد قاد إلى ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، سجلت مصر المركز 70 بمؤشرات الفساد عام 2006، والمركز 98 عام 2009، إلا أنها تتذيل مؤشرات الشفافية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي حاليا. وتقول منظمة الشفافية إن التراجع المستمر في ترتيب مصر سببه الفساد السياسي والاقتصادي وتغول المؤسسة العسكرية في الاقتصاد وعدم خضوع أنشطتها الاقتصادية والتجارية والعقارية لرقابة مدنية. 

على ما يستند المؤشر؟

ومنذ عام 1995 تصدر منظمة الشفافية الدولية "مؤشر مدركات الفساد" سنويا، ويصنف مؤشر عام 2025 (الذي يرصد نتائج 2024) درجات ومراتب 180 دولة استنادا إلى مدى فساد القطاع العام في البلد، بحسب إدراك الخبراء والمسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال. ويقيس المؤشر الفساد في القطاع العام، ويشمل: الرشوة، واستخدام الأموال العامة لأغراض غير مشروعة، واستغلال المسؤولين للمناصب العامة لتحقيق منافع خاصة، والواسطة والمحسوبية، والفساد السياسي والذي تؤثر فيه المصالح الخاصة على عملية صنع القرار في الدولة. 

وتغطي بيانات مصادر المؤشر على جوانب الفساد الإداري والسياسي في الدول التي شملها المؤشر والذي ينطوي تحديدا على فساد المسؤولين وموظفي الخدمة العامة وفساد السياسيين، وقدرة الحكومات على الحد من الفساد وفرض آليات فعالة لتعزيز النزاهة في القطاع العام، وهو بمثابة تحذير من إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة، وهي مشكلات مستمرة في تخريب المجتمعات في شتى أنحاء العالم. ويستخدم المؤشر بيانات من 13 مصدرا خارجيا بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وشركات المخاطر والاستثمارات الخاصة ومراكز الأبحاث وغيرها، وتعكس النتائج آراء الخبراء ورجال الأعمال.

المساهمون