استمع إلى الملخص
- ساهمت عوامل مثل تراجع الدولار عالميًا، وزيادة تدفق الأموال الساخنة، وارتفاع الصادرات غير البترولية، وتحويلات العاملين في الخارج، وزيادة إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية في دعم الجنيه المصري.
- تثار تساؤلات حول عدم تراجع أسعار السلع محليًا واستمرار تراجع الدولار، مع احتمالية تقلبات جديدة بسبب الأحداث الجيوسياسية في المنطقة.
تحوّل تراجع سعر صرف الدولار في مصر في الأسابيع الأخيرة إلى لغز يستعصي على فهم أشخاص يرون أنه لا توجد أسباب منطقية للتراجع في هذا التوقيت بالذات، والأسباب كثيرة. فهناك تراجع في إيرادات قناة السويس، أحد أبرز الموارد الدولارية وفق الأرقام الرسمية، بسبب استمرار المخاطر في منطقة البحر الأحمر وهجوم الحوثي المتواصل على دولة الاحتلال.
وهناك زيادة في الطلب على الدولار في مصر، إما لسداد أعباء الدين الخارجي الضخمة، أو سداد الفجوة التمويلية، وتغطية العجز الكبير في الميزان التجاري، أو سداد مستحقات شركات النفط والغاز العالمية، أو فاتورة الطاقة الضخمة، خاصة وأن الحكومة تُجري مفاوضات مع شركات طاقة وشركات تجارية عالمية لشراء ما بين 40 إلى 60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، لتأمين الاحتياجات الطارئة خلال فترة فصل الصيف.
كما تعتزم الحكومة التوسع في سياسة استيراد الغاز بسبب النقص المحلي الضخم، وتراجع الإنتاج من حقل ظهر، وسياسة الابتزاز التي تمارسها دولة الاحتلال من وقت لأخر، علماً بأن واردات مصر من الغاز قفزت خلال العام الماضي 2024 بنسبة 103.3%، لتصل قيمتها إلى 4.90 مليارات دولار، مقابل 2.41 مليار دولار خلال عام 2023، بزيادة 2.48 مليار دولار، كما استوردت مصر شحنات وقود بقيمة بلغت نحو 15.5 مليار دولار خلال 2024 بزيادة 26% مقابل 12.3 مليار دولار خلال 2023. ومن المتوقع حدوث طفرة في الرقم خلال العام الجاري وهو ما يعني زيادة في الطلب على النقد الأجنبي.
كما يجب الأخذ في الاعتبار عاملاً مهماً آخر، كان من المفروض أن يساهم في زيادة سعر الدولار وليس تراجعه، وهو ما تردد عن وجود خلافات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي أجّلت تمرير المراجعة الخامسة لبرنامج تسهيل الصندوق الممدد، البالغة قيمته ثمانية مليارات دولار، وأن هذا الخلافات لا تزال مستمرة وتدور حول ملفات منها رفع الدعم عن الوقود قبل نهاية العام، ودور الدولة المتنامي في الاقتصاد، والتأجيل المتكرر لطرح شركات تابعة للجيش، وسرعة برنامج الطروحات الحكومية. وهناك خلافات أيضا حول توسيع القاعدة الضريبية ومراجعة الإعفاءات الممنوحة للهيئات العامة والتابعة للجيش. والملاحظ أن الصندوق لم يُعلن بعد عن موعد نهائي لإتمام تلك المراجعة أو صرف الشريحة الجديدة، من القرض، وإن التوقعات كلها مفتوحة.
أضف إلى ذلك عوامل أخرى كان من المتوقع أن تمثل ضغطاً على سوق الصرف الأجنبي في مصر، منها الزيادة المتوقعة في أنشطة فتح الاعتمادات المستندية مع بداية العام المالي الجديد في بداية يوليو المقبل، وزيادة الدين العام وخاصة الخارجي، مع حاجة الدولة المحلة إلى النقد الأجنبي، واستمرار المخاطر الجيوسياسية في المنطقة سواء الناتجة عن حرب غزة أو التوتر بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
في ظل تلك الاعتبارات وغيرها، كان من المتوقع أن يشهد سعر الدولار زيادة مقابل الجنيه، أو على الأقل الاستقرار فوق 50 جنيهاً للدولار للواحد، لكن ما حدث هو تراجعه إلى 49.51 جنيهاً، يوم الأربعاء، مقابل 51.7 جنيهاً في 7 إبريل/ نيسان الماضي. لكن السعر اتخذ منحنى تصاعدي اليوم الخميس حيث ارتفع الدولار بنحو 37 قرشًا في بداية تعاملات البنوك المصرية، ليقترب مرة أخرى من مستويات الـ50 جنيهًا، بعدما وصل إلى حدود 49.50 جنيهًا للبيع أمس.
هناك أسباب عدة وراء تراجع سعر الدولار على مدى الشهرين الماضيين، منها ما هو خارجي مثل تراجع سعر الدولار أمام العملات الرئيسية ومنها اليورو، وذلك على خلفية الاضطرابات التي شهدتها الأسواق الأميركية، عقب إطلاق ترامب أشرس حرب تجارية شهدها التاريخ الحديث ضد كل دول العالم.
هناك سؤالان مطروحان، الأول: إذا كان تراجع الدولار حقيقي، فلماذا لم تتراجع أسعار السلع داخل الأسواق، والثاني هو: هل يواصل سعر الدولار تراجعه في الفترة المقبلة؟
وهنك أسباب داخلية، أبرزها استمرار زيادة تدفق الأموال الساخنة على مصر مع عدم قيام البنك المركزي المصري بإجراء خفض كبير لأسعار الفائدة، رغم الإعلان رسمياً عن حدوث خفض حاد في معدل التضخم، وزيادة تدفقات المصريين والأجانب من الخارج لشراء عقارات وأراضي في مصر.
وهناك أيضاً زيادات في موارد مصر الدولارية من أنشطة رئيسية، فقد كشفت بيانات حديثة حدوث قفزة في الصادرات المصرية غير البترولية بنسبة 27.4% لتسجل 16.7 مليار دولار خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى إبريل 2025 مقابل 13.1 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي بزيادة 3.6 مليارات دولار. كما زادت تحويلات العاملين في الخارج، وبحسب البيانات شهدت الفترة بين يناير 2024 ومارس/ آذار 2025 ارتفاعاً في التحويلات بنسبة 86.6% لتصل إلى نحو 9.4 مليارات دولار، مقابل خمسة مليارات دولار خلال فترة المقارنة. وهناك زيادة في إيرادات قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أيضاً، لعبت أسباب أخرى دوراً في تقوية قيمة الجنيه المصري، منها الحديث الرسمي المكثف عن قرب وصول قرض من الاتحاد الأوروبي بقيمة أربعة مليارات يورو، ووصول الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، وتراجع الدين الخارجي بقيمة ملياري دولار خلال عشرة شهور، وبيع مزيد من أصول الدولة لسداد الدين العام، والحصول على قروض خارجية جديدة سواء من البنك الآسيوي للتنمية أو البنك الأفريقي أو غيره من البنوك الدولية والاقليمية والمستثمرين الدوليين، واقتراض البنك المركزي المصري سيولة مباشرة بالنقد الأجنبي من السوق المحلي عبر طرح أذون خزانة دولارية، وتوسع الدولة المصرية في برامج واتفاقات مبادلة الديون والعملات سواء مع الصين أو ألمانيا وغيرهما.
دعم أيضاً قوةَ الجنيه المصري في أخر شهرين ما كشفه البنك المركزي المصري عن ارتفاع صافي الاحتياطات الدولية حيث زادت إلى 48.526 مليار دولار بنهاية مايو/ أيار 2025 مقابل 48.144 مليار دولار بنهاية إبريل 2025 بزيادة 382 مليون دولار.
في ظل تلك المعطيات وغيرها فإن هناك سؤالين مطروحين، الأول: إذا كان تراجع الدولار حقيقي، فلماذا لم تتراجع أسعار السلع داخل الأسواق، والثاني هو: هل يواصل سعر الدولار تراجعه في الفترة المقبلة، أم أن ما جرى اليوم الخميس من قفزة في سعر الدولار هو بداية طفرة جديدة لا نعرف مستواها، خاصة وأن الأحداث في المنطقة قد تكون مرشحة للتصعيد على خلفية التوتر المتنامي في منطقة الخليج وغزة؟