لحوم فاسدة تُغرق الأسواق السورية

لحوم فاسدة تُغرق الأسواق السورية

15 ديسمبر 2022
ضعف الرقابة الحكومية يساهم في انتشار اللحوم الفاسدة (فرانس برس)
+ الخط -

لا تقتصر أزمة المحروقات في العاصمة السورية دمشق على انعدام وسوء الخدمات ووسائل النقل وازدياد ساعات التقنين الكهربائي، إنما تعدتها إلى غذاء السوريين، إذ إنه مع تفاقم النقص الشديد في المحروقات بدأت تنتشر ظاهرة اللحوم الفاسدة في الأسواق، خصوصاً سوق باب سريجة، حيث ظهرت لحوم خالية من أختام المسالخ المعتمدة لدى النظام وبسعر أقل بـ5000 ليرة عن سعر كيلوغرام اللحم المدغوم.
ويشتكي سكان في دمشق من رداءة نوعية اللحوم رغم ارتفاع سعرها وسط رفض بعضهم شراءها، وتأكيد مصادر محلية من سوق باب سريجة أن مصدرها مجهول وربما تكون لحوم إناث الغنم أو حمير.

وتختلف أسعار اللحوم من منطقة إلى أخرى ضمن دمشق وتراوح بين 45 و50 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي يقع فيه أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. وتجاوز سعر الدولار أكثر من 6000 ليرة.
ويبلغ عدد اللحامين (الجزارين) المسجلين بجمعية اللحامين حالياً 700 لحام، بحسب نائب رئيس جمعية اللحامين بدمشق محمد يحيى الخن، ويضاف إليهم "الشقيعة" وعددهم نحو 53 شقيعاً، وهم الوسطاء بين المربين واللحامين ويعتبرون الأساس في تجارة جملة اللحوم، وفقاً لقوله في تصريحات صحافية.
ويؤكد شادي م. (65 عاماً)، وهو لحام منذ أكثر من عشرين سنة في سوق باب سريجة، أن ظاهرة اللحوم الفاسدة وغير المدغومة ومجهولة المصدر منتشرة منذ سنوات، ولكنها زادت في الأيام الأخيرة جراء أزمة الوقود والنقل، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك محال تذبح في الصباح الباكر ضمن السوق ومن ثم تعرض لحومها للبيع دون معرفة إن كان رأس الغنم الذي ذبح ذكراً أو أنثى أو غيرهما.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويروي اللحام أن سوق باب سريجة تحول إلى مذبح ومسلخ في الصباح الباكر في حوالي الساعة الرابعة دون أي رقابة من مسؤولي صحة دمشق، ويقول: "يومياً يذبح في باب سريجة أكثر من 50 رأس من إناث الغنم من قبل اللحامين، ويتم بيعها على أنها لحم عواس".

وعملية الغش في اللحوم "باتت سهلةً في ظل انعدام الرقابة وغشّ بعض اللحامين الذين يملكون أختاما مزورة يدمغون بها لحومهم على أساس أنها قادمة من مسالخ معتمدة لدى حكومة النظام"، كما قال شادي، ويؤكد أن أكثر من نصف لحامي سوق باب سريجة يغشون لحومهم ليس فقط بتبديل أو خلط اللحم إنما يقومون بفرم لحوم منتهية الصلاحية مع جلد الدجاج وغيرها من بقايا لحمة قديمة ويبيعونها على أنها لحم طازج مفروم دون أدنى معايير السلامة الصحية.

ومنذ أيام، رفض أبو عصام (70 عاماً)، شراء لحوم من سوق حي باب سريجة نتيجة رفض اللحام بيعه من اللحوم الموجودة في داخل البراد ومحاولته تصريف المعروض على واجهة محله دون أي دمغة تثبت مصدره وإن كان لحم غنم ذكر أو أنثى أو حتى عجل.
ويقول الرجل السبعيني الذي يسكن في الحي نفسه، لـ"العربي الجديد": "أشتري نصف كيلوغرام بالشهر، ورغم غلائه يكون مغشوشا ورائحته كريهة"، مضيفاً أن ما يحدث في سوق باب سريجة - رغم كونه سوقا رئيسيا لبيع اللحوم - لم يكن يحدث بهذه الطرق الواضحة في الغش علناً.
وهنا، يشير لحام آخر، يدعى خالد (51 عاماً)، إلى أن أغلب حالات الغش تكون من خلال بيع لحم إناث الأغنام على أنه لحم ذكر أو لحم عجل، وذلك عبر الاستفادة من فرق السعر لصالح اللحام.
في المقابل، لا يمكن ضبط آلية ذبح وبيع اللحوم دون وجود رقابة صحية ومسالخ نظامية يمنع الذبح خارجها، كما قال هيثم الصالح، وهو طبيب بيطري يعمل في عيادته الخاصة بريف دمشق، ويقول لـ"العربي الجديد": لا يمكن أن تكون هناك رقابة صحية في ظل انقطاع الكهرباء الطويل، واليوم أزمة المحروقات الشديدة، مشيراً إلى أن أغلب محال اللحمة أضحت تعتمد على قوالب الثلج بدلاً من البرادات.

يشير لحام، يدعى خالد (51 عاماً)، إلى أن أغلب حالات الغش تكون من خلال بيع لحم إناث الأغنام على أنه لحم ذكر أو لحم عجل، وذلك عبر الاستفادة من فرق السعر لصالح اللحام

وعن الغش في اللحوم، يضيف الصالح أن هناك نوعا من الغش خطير صحياً، وهو بيع لحوم أغنام (ذكور وإناث) ميتة قبل ذبحها وخلطها مع لحوم أخرى للتمويه مع إضافة بعض المكونات عليها، ويؤكد أن أغلب اللحوم الفاسدة والمغشوشة تذهب باتجاه المطاعم الكبيرة ومحال المعجنات كونها تطبخ مع منكهات أخرى ولا يمكن كشفها في هذه الحالة.

وفي بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، طالبت جمعية اللحامين محافظة دمشق بالإسراع بإعادة سوق الجملة للحوم الواقع في الزبلطاني للعمل بعد إعادة تأهيله كونه يغطي كل أنواع الذبائح من خراف وعجول وأبقار وفروج وأسماك. وقال حينها نائب رئيس جمعية اللحامين بدمشق محمد يحيى الخن، في تصريحات صحافية، إن "السوق يتكون من 160 محلاً، وقد خرج عن الخدمة منذ بداية الحرب، وكان السوق يعيل أكثر من 800 أسرة".

المساهمون