أزمة لبنان الاقتصادية تعزز تحويلات المغتربين إلى أسرهم

أزمة لبنان الاقتصادية تعزز تحويلات المغتربين إلى أسرهم

03 سبتمبر 2021
قفزة في تحويلات العاملين في الخارج (حسين بيضون)
+ الخط -

ارتفعت تحويلات العاملين في الخارج إلى لبنان عبر شركات التحويل بشكلٍ غير مسبوقٍ، في ظلّ الانهيار التاريخي لليرة التي تهاوت أمام الدولار المتفلّت في السوق الموازية، عدا عن القيود المصرفية على السحوبات بالعملة الصعبة.

يفنّد رئيس مجلس إدارة "OMT"، الشركة الرائدة في تحويل الأموال، توفيق معوض، مسار التحويلات المالية الواردة من الخارج إلى لبنان التي زادت بنسبة خمسين في المائة في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 بالمقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2020.

بداية، يلفت معوض، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن إجمالي قيمة التحويلات الواردة من الخارج عبر "OMT" تراوحت عام 2021 بين 100 و120 مليون دولار شهرياً.

وتبعاً لأرقام "OMT"، تلقى في النصف الأول من عام 2021 حوالي 220 ألف مستفيد شهرياً التحويلات الواردة من الخارج بالدولار الأميركي النقدي، أي ما يُعرَف بـ"الفرش"، وذلك عبر شبكة الشركة، بينما سجلت الشريحة الأدنى من التحويلات التي تصل إلى 50 دولاراً أميركياً للفرد نسبة زيادة 200 في المائة من حيث العدد والقيمة في النصف الأول من عام 2021 بالمقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية.

وفي النصف الأول من عام 2021 كانت سبعون في المائة من التحويلات بقيمة أقل من 500 دولار مع ارتفاع التحويلات في هذه الشريحة بنسبة 56 في المائة وذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020.

يقول معوض إن "التحويلات وصلت من حوالي 156 دولة، على رأسها أستراليا والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج وكندا وألمانيا، وتوزعت 81 في المائة منها على 12 من أصل 26 قضاء، بيروت، بعبدا، طرابلس، المتن، صيدا، عاليه، صور، المنية، الضنية، الشوف، زحلة، كسروان".

ورداً على الأخبار المتداولة حول قيود قد تطاول التحويلات المالية الواردة من الخارج، منها يكون بتسليم نصف المبلغ بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يحدده مصرف لبنان والنصف الآخر بالدولار، يؤكد معوض بعد اجتماع عقد مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة، قبل أيامٍ، أن أي تعميم لم يصدر بعد من هذا القبيل.
من جهته، يشير الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدد اللبنانيين في الخارج هو 1.3 مليون، ويتوزعون على الشكل التالي، السعودية 200 ألف، الإمارات 80 ألفاً، قطر 50 ألفاً، الكويت 35 ألفاً، العراق 10 آلاف، فرنسا 80 ألفاً، بريطانيا 70 ألفاً، أستراليا 220 ألفاً، كندا 200 ألف، أميركا 230 ألفاً، وحوالي 110 آلاف في أفريقيا.

بدوره، يلفت الصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي خالد أبو شقرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ لبنان كان مصنفاً ثالثاً عالمياً من حيث الدول التي تستقطب تحويلات المغتربين نسبةً أيضاً إلى حجم السكان ومقارنة مع حجم الناتج المحلي، والثاني عربياً بعد مصر، ومن المتوقع أن تصل القيمة هذه السنة إلى 7 مليارات دولار.

ويؤكد أبو شقرا أن التحويلات اليوم باتت أهم بكثير من الماضي نظراً للأزمة الاقتصادية وتراجع الناتج الإجمالي المحلي، حيث إن 7 مليارات دولار كانت تتزامن مع ناتج يقدّر بـ55 مليار دولار وهو ما كان يعتبر أمراً عادياً، أما اليوم ومع انخفاض الناتج بأحسن الأحوال إلى 33 مليار دولار تقريباً و18.7 ملياراً بأسوأ الأحوال، وفق أرقام الجهات الدولية ومنها البنك الدولي، فيظهر لنا أن التحويلات باتت تشكل أربعين في المائة من الناتج المحلي، ومن هنا أهميتها الكبرى، خصوصاً أنها تدفع نقداً بالدولار.

وتوقف أبو شقرا عند نقطة مهمة جداً مرتبطة بزيادة نسبة التحويلات التي تصل إلى 50 دولاراً هذا العام بنسبة 200 في المائة، ما يدل على "أن هناك مغتربين أصبحوا يحوّلون الأموال لعائلاتهم في لبنان ولو بجزءٍ بسيط بينما كانوا يعجزون عن ذلك في السابق ربطاً بظروفهم الاقتصادية، باعتبار أن مبلغ 50 دولاراً أصبح يشكل فرقاً كبيراً اليوم لما يساويه (مليون ليرة تقريباً) تبعاً لسعر الصرف في السوق الموازية، وهو ما يتخطى أيضاً الحد الأدنى للأجور وقيمته 675 ألف ليرة".

ويشدد أبو شقرا على أن "تحويلات المغتربين لذويهم في لبنان هي بمثابة أوكسجين تتنفس من خلاله العائلات، خصوصاً تلك التي تجد صعوبة في الوصول إلى مصادر الغذاء والحاجات الحياتية الأساسية".

من ناحية أخرى، يعتبر أبو شقرا أن لبنان لن يكون من ضمن الدول التي قد تشهد تباطؤا في تحويلات المغتربين، لثلاثة أسباب رئيسية: أولاً، "إعادة فتح الاقتصادات العالمية وزيادة الطلب في أسواق العمل التي شهدت تراجعاً في ظلّ جائحة كورونا، وبالتالي فإن قسماً كبيراً من المغتربين سيستأنف نشاطه، وهو ما يزيد من حجم التحويلات"، حسب أبو شقرا. ثانياً، "هجرة أصحاب الاختصاص من لبنان إلى الخارج ستساهم بدورها في زيادة التحويلات"، كما يقول.

ويضيف: "أما السبب الثالث، فهو مرتبط بانهيار القدرة الشرائية عند المواطنين، ما سيجعل التحويلات تحدث فرقاً مهما بلغت قيمتها حتى لو 50 دولاراً فقط بدلاً من مئة على سبيل المثال".

وعلى صعيد ما يُحكى عن إمكانية فرض قيود على التحويلات، قال أبو شقرا إن التحويلات المالية عبر الشركات مرّت بعدة مراحلٍ منذ عام 2019، أبرزها عندما قرّر مصرف لبنان في إبريل/ نيسان 2020 تسليم المبالغ بالليرة وليس بالدولار وفق سعر 3900، وفي تلك الفترة كان سعر الصرف لا يتخطى 4 آلاف، وذلك بذريعة دعم السلة الغذائية، عندها تراجعت التحويلات من 120 مليون دولار إلى 20 مليوناً شهرياً مع تماهي سعر الصرف الذي تبعاً لمساره اضطرّ البنك المركزي إلى العودة عن قراره وإعادة تسليمها بالدولار النقدي.

أما الحديث عن إمكانية دفعها بالليرة اللبنانية أو بجزء منها تبعاً لسعر منصة مصرف لبنان، أي بمعدل 16500 ليرة، فهي ليست مستبعدة، كما يقول أبو شقرا، الذي يرى أن مصرف لبنان يحاول تقريب سعر المنصة إلى سعر السوق الموازية وعندها يمكن أن يأخذ جزءاً من التحويلات الخارجية بالدولار بحجة أن مستلميها سيصرفونها في السوق السوداء بالمبلغ نفسه بطريقة تعزز المضاربة.

ويعتبر أبو شقرا أنه "لا دخان بلا نار، وما يرمى في الإعلام على صعيد الدولار النقدي وعلى صعد مختلفة ما هو إلا محاولة جسّ نبض من جانب البنك المركزي، لكنه يقابل بهجمة شعبية رافضة لأي إجراءات بوضع اليد على العملة الصعبة".

المساهمون