لبنان: الانهيار المالي يُطبق على القطاع الصحي

لبنان: الانهيار المالي يُطبق على القطاع الصحي

23 يونيو 2021
جائحة كورونا فاقمت أعباء القطاع الصحي (حسين بيضون)
+ الخط -

تبدلت حياة اللبنانيين في السنتين الأخيرتين بشكل كبير، بعدما أحاطت بهم الأزمات من كلّ جانب، لتتخطى ضيق العيش في ظلّ ظروف العمل الصعبة وعدم القدرة على سحب الودائع المحبوسة من البنوك، لتصل إلى حد عدم القدرة على العلاج في ظل أزمة الأدوية والفساد في القطاع الصحي الذي يفاقم من أوجاع الكثيرين.

وأطبق التردي المالي على كثير من الكيانات الصحية، الأمر الذي انعكس بدوره على الباحثين عن علاج، ما دعا منظمات دولية إلى رفع درجات التحذير من الأوضاع الحالية.

تقول آية مجذوب، باحثة شؤون لبنان والبحرين في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لـ"العربي الجديد" إنّ تحذيرات كثيرة أطلقت من قبل المنظمة والعاملين في القطاع الطبي منذ أواخر عام 2019 حول تداعيات الأزمة المالية وانعكاسها الخطير على القطاع الصحي وبالتالي تهديدها حياة المواطنين.

تشدد مجذوب على أنّ "التحذيرات نبّهت إلى مخاطر النقص الحاد في المستلزمات واللوازم الطبية والأدوية وعلى صعيد الخدمات الطبية وقد تصل إلى وفاة أشخاص داخل المستشفيات التي ستصبح عاجزة بدورها عن الاستجابة بالشكل المطلوب لتقديم الرعاية الطبية العاجلة للمرضى".

آخر الضحايا كانت الطفلة ميلا، التي عانت من مرض السرطان وتوفيت بعدما تدهورت حالتها الصحية ورفضت مستشفيات استقبالها بحجة عدم توفر غرف لديها، عدا عن إشكالات كثيرة بدأت ترتفع وتيرتها في الفترة الماضية نتيجة إجراءات المستشفيات والضمان الاجتماعي و"تقنين" الدخول، وإلزام المريض دفع الفارق المالي الذي يزيد من فاتورته الطبية في ظل انعدام قدرته المالية.

وإلى جانب أزمة الاستيراد وربطاً بإجراءات مصرف لبنان المركزي، تقول مجذوب، إنّ "ما أثر أيضاً في قدرة الاستجابة، هو عدم سداد الحكومة مستحقات المستشفيات سواء العامة والخاصة والتي تتخطى المليار دولار المتراكمة منذ أعوام، بما فيها أيضاً للصناديق الضامنة وتلك الصحية العسكرية، وهو ما يقوض إمكاناتها في تأمين الأموال المطلوبة لشراء الأدوية والمستلزمات أو القيام بأعمال الصيانة وشراء قطع الغيار التي ارتفعت أسعارها كثيراً، وكذلك دفع أجور رواتب الموظفين والعاملين في القطاع".

وتلفت مجذوب إلى انعكاسات تدهور قيمة رواتب الأطباء الذين باتوا عاجزين عن القيام بدورات تدريبية في الخارج، أو نيل دروس تواكب التطوّر الطبي أو تأمين شراء معدات طبية حديثة، ما من شأنه أن يؤثر بالتالي على القطاع الصحي وتقدّمه، عدا عن هجرة الأطباء.

وتشير إلى أنّ "القطاع الصحي في لبنان بات أمام تحديات عدة ومخاطر تضعه على حافة التدهور، لا سيما أنّ جميع الخطوات التي تقوم بها السلطات اللبنانية ومصرف لبنان تصب في دائرة الترقيعات (حلول مؤقتة) في ظل غياب الخطة الشاملة والتشريعات الحكومية واستمرار المصارف اللبنانية بفرض قيود اعتباطية على تحويل الأموال إلى الخارج ولا تسمح للموردين الطبيين بتحويل الدولار الموجود في حساباتهم إلى الشركات المصنعة في الخارج لاستيراد المستلزمات والمعدات الطبية التي هم بحاجة إليها".

وتؤكد مجذوب أنّ الأزمة الراهنة هي نتيجة تقصير فاضح من قبل الحكومات المتعاقبة والوزراء المعنيين في التعامل مع القطاع الصحي وسط اللاعدالة في الحصول على الرعاية الصحية، إذ إنّ لبنان يشتهر بالسياحة الطبية، وقطاعه الخاص هو الأهم في المنطقة فكان يقصده الناس من الخارج، لكن في المقابل ولسخرية القدر، فإنّ معظم الشعب اللبناني لم يكن يملك القدرة على الوصول إلى المستشفيات الخاصة، بينما المستشفيات الحكومية تعاني من الإهمال والاهتراء وغياب الاستثمارات فيها.

من جانبه، يؤكد نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ"العربي الجديد" أنّ المريض بات يتكبد مصاريف إضافية عند دخوله المستشفى هي عبارة عن فروقات أسعار المستلزمات الطبية لأن الوكلاء توقفوا عن تسليمها إلى المستشفيات وفق سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة)، بينما تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء 15 ألف ليرة لبنانية، أما الضمان الاجتماعي فهو مستمر في إعطاء الموافقات الاستشفائية، ولكن يسعى لضبط الدخول إلى المستشفيات وحصرها بالمبرّر والحالات الطارئة.

عمدت مستشفيات كثيرة إلى إقفال مختبراتها نتيجة النقص الحاد في الكواشف المخبرية فيما يستقبل بعضها المرضى فقط ممن لديهم ملف طبي لديها، ويرفضون استقبال مرضى جدد، كما عانت المستشفيات من أزمة بنج (تخدير) وغسيل كلى ونقص في المستلزمات، في حين تعتمد الصيدليات أيضاً التقنين في بيع الدواء وحصره بعلبة واحدة، إذا وُجِد، وهناك صيدليات تمتنع عن إعطاء الدواء لغير زبائنها ومن يحتاج حقاً إليه، خوفاً من تخزينه في المنازل.

كذلك، طاولت الأزمة العسكريين إذ تقلصت خدمات طبية كثيرة، وزادت تعرفة بعض الفحوص، وبات العناصر يدفعون جزءاً من الفوارق الاستشفائية في المستشفيات غير العسكرية التي بدورها تأثرت كثيراً بفعل الأزمة المالية والنقدية وقد خصص اخيراً مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني وشمل الدعم الصحي.

من جهته، يقول رئيس اللقاء الأكاديمي الصحي، إسماعيل سكرية لـ"العربي الجديد" إن "القطاع الصحي مأزومٌ منذ سنين طويلة، وسبق أن حذرنا مراراً من أن الاستمرار في الطريقة الاستهلاكية المعتمدة سيودي بنا إلى الانهيار وهذا ما حدث".

ويقول سكرية "بتنا اليوم أمام انكشاف صحي ولا سيما بعد أزمة فيروس كورونا، وقد بدأت الخلافات والاتهامات المتبادلة بين المؤسسات الضامنة وخصوصاً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمستشفيات الخاصة تطفو على السطح، ووصلنا إلى الخيارات والتحديات الصعبة التي حدّدت الحالات الصحية التي تستوجب دخول المستشفى وتغطيتها عدا عن رفع التعرفة الاستشفائية ودفع المريض الفروقات والمختبرات التي ما عادت تعترف بالتأمين الصحي".

ويشدد على أنّ ذلك كلّه يحصل في ظل غياب الرقابة وتواطؤ الأجهزة التي تجتمع على الفساد، وللأسف أصبحت الحلول صعبة، والوضع الصحي الاستشفائي أمام وضع خطير وسيزداد خطورة، لا سيما بعدما باتت هناك هوّة كبيرة بين قدرات المواطن المالية التي ضعفت كثيراً ومتطلبات الاستشفاء التي ارتفعت تكلفتها.

موقف
التحديثات الحية

بدوره، يقول وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، حمد حسن لـ"العربي الجديد" إنّ "أزمة اليوم هي نتاج تعاطٍ تراكمي يفتقر إلى سياسات واستراتيجيات رسمية، خصوصاً على صعيد المستلزمات، إذ كنا نعاني من نقص حاد في بعض الأماكن مقابل فائض كبير في مستلزمات أخرى فكان لا بد من ضبطها عبر استراتيجية واضحة ومعلنة، تحديداً لناحية تتبع البضاعة من لحظة استيرادها فوصولها إلى لبنان ومن ثم طريقة توزيعها".

ويضيف حسن أنّ "أزمة المستلزمات دخلت طريق الحل، ونحن ننتظر أن ينسحب ذلك على قضية الأدوية بانتظار دعم مصرف لبنان الفواتير التي رفعتها اليه وزارة الصحة والتي سنتصرف على أساسها لمراقبة حركة الأدوية وتتبعها حتى توزيعها على الصيدليات بشكل سريع وعادل، ونأمل من السلطات اللبنانية المالية أن تضع الملف في صلب أولوياتها نظراً لأهميته ودقته وخطورة استمرار الأزمة على صحة المواطنين".

ويشدد مدير العناية الطبية في وزارة الصحة العامة، جوزيف الحلو لـ"العربي الجديد" على أن المطلوب اليوم وبسرعة، تأليف حكومة جديدة باعتبار أن التشنجات السياسية تنعكس دائماً على مختلف القطاعات، وهناك هيئات دولية تريد مساعدة لبنان والقطاع الصحي لكنّها في المقابل تحتاج إلى الأطر الرسمية كطريق أساسي للدعم انطلاقاً من البرنامج الإصلاحي المنتظر.

على هذا الصعيد، نظم موظفو عدد من المستشفيات، آخرهم مستشفى "رفيق الحريري الجامعي" في بيروت، اعتصامات لتصحيح رواتبهم التي فقدت أكثر من 90% من قيمتها بما يتناسب مع الغلاء المعيشي، وحملوا جملة مطالب إلى المعنيين لضمان حقوقهم واستمراريتهم في العمل بعدما طفح الكيل، على حدّ تعبيرهم.

المساهمون