كيف تستفيد الهند من الحرب التجارية ورسوم ترامب؟

19 ابريل 2025
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع ترامب، واشنطن 25 فبراير 2020 (باركاش سنغا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتيح للهند فرصاً لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز صادراتها في قطاعات مثل المنسوجات والإلكترونيات والأدوية، مع سعي الشركات لتنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين.

- الهند تسعى لتعزيز قدراتها التصديرية عبر اتفاقيات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة وبرامج حوافز لتعزيز التصنيع المحلي، مما يقلل الاعتماد على الواردات الصينية ويعزز مكانتها كمركز تصنيع عالمي.

- تواجه الهند تحديات مثل البنية التحتية غير المجهزة ونقص العمالة الماهرة، مع مخاوف من إغراق السلع الصينية، لكنها تسعى للانفتاح على الشركات الغربية وبناء سلسلة قيمة كاملة داخل البلاد.

خلقت الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين مشهداً اقتصادياً معقداً في العالم وطرحت تحديات وفرصاً للدول والشركات في آن واحد، ولا سيما في الهند والصين. ومع تصاعد الرسوم الجمركية التي وصلت الآن إلى 145% على البضائع الصينية الداخلة إلى الولايات المتحدة، تجد الهند نفسها في وضع فريد للاستفادة من هذه التطورات. 

وحتى الآن دفعت الحرب التجارية العديد من الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في اعتمادها على الصين في التصنيع. ويفتح هذا التحوّل آفاقاً جديدة أمام الهند لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تسعى الشركات لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين إلى الهند. 

ويرى محللون أنّ مع فرض رسوم جمركية باهظة على المنتجات الصينية، يمكن للمصدرين الهنود اكتساب ميزة تنافسية في العديد من القطاعات، بما في ذلك المنسوجات والإلكترونيات والأدوية. وأظهرت صادرات المنسوجات الهندية إلى الولايات المتحدة بالفعل علامات نمو، حيث زادت بنسبة 8% في عام 2023. وتسعى الولايات المتحدة بنشاط لإيجاد بدائل للواردات الصينية، ما يعزز مكانة المنتجات الهندية في السوق الأميركية.

وعلى صعيد اتفاقيات التجارة الاستراتيجية، تتفاوض الهند حالياً على اتفاقيات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، ما قد يعزز قدراتها التصديرية. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى خفض الرسوم الجمركية وتسهيل العلاقات التجارية، ما يسمح للشركات الهندية باختراق أسواق كانت تهيمن عليها سابقاً السلع الصينية.

وعلى صعيد نمو التصنيع من خلال برامج الحوافز المرتبطة بالإنتاج، أطلقت الحكومة الهندية برامج الحوافز المرتبطة بالإنتاج (PLI) بهدف تعزيز التصنيع المحلي في مختلف القطاعات. كذلك صُممت هذه المبادرات لتحفيز الشركات على إنتاج السلع محلياً بدلاً من الاعتماد على الواردات من الصين، ما يعزز قدرات التصنيع الهندية.

تحديات أمام الهند

وفي حين أنّ هناك فرصاً كبيرة ناشئة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تواجه الهند العديد من التحديات، من بينها البنية التحتية والعقبات البيروقراطية:

  • أولاً، البنية التحتية الحالية في الهند ليست مجهزة تجهيزاً كاملاً للتعامل مع التدفق المفاجئ لأنشطة التصنيع الأميركية المتوقع هجرتها من الصين.
  • وثانياً، نقص المهارات، إذ لا يزال نقص العمالة الماهرة يشكّل عائقاً رئيسياً أمام الهند في سعيها لتوسيع قاعدتها الصناعية.
  • وثالثاً، خطر التحول إلى بؤرة إغراق، حيث هناك مخاوف من أن الصين، في ظل مواجهتها رسوماً جمركية أعلى في الولايات المتحدة، قد تعيد توجيه فائض السلع إلى أسواق أخرى مثل الهند بأسعار مدعومة. وقد يؤدي ذلك إلى تقويض الصناعات المحلية إذا لم تجرِ إدارته بشكل صحيح.
  • ورابعاً المخاطر الجيوسياسية، إذ قد يؤدي التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة أو الصين إلى تداعيات دبلوماسية مع الدولة الأخرى.

وتقول صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، في تحليل، اليوم السبت، إنه عندما بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أولى حربه التجارية على الصين عام 2018، كانت شركة تُدعى زيتويرك قد بدأت للتو في ربط العملاء العالميين بالموردين الهنود لمنتجات مثل الصفائح المعدنية وقطع الغيار الدقيقة. واليوم، تمتلك الشركة شبكة تضم أكثر من 10 آلاف مورد وسبعة مصانع إلكترونية تابعة لها. وقد افتُتح أحدث مصنع لها، الذي يُنتج قطع غيار الغسالات والأجهزة المنزلية الأخرى، في مارس/ آذار الماضي.

وقال رئيس قسم الإلكترونيات في "زيتويرك" جوش فولغر، لـ"وول ستريت جورنال"، إنّ الحرب التجارية الأولى ساعدت الهند على النهوض، وإنّ حرب ترامب الثانية قد تُحدث تحولاً جذرياً في الهند، متسائلاً: "هل هذه هي لحظة الهند؟"، ليجيب بـ"نعم". ومع عزل معظم المصدرين الصينيين عن المستهلكين في أميركا بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة، تبحث الشركات عن أماكن بديلة للإنتاج والتصدير إلى الولايات المتحدة، ما يُمثل فرصة ذهبية للهند. ولكن، هذا لا يعني أنّ الهند ستكسب بسهولة، فالدولة الأكثر سكاناً في العالم لطالما تخلفت ليس فقط عن الصين، بل أيضاً عن الدول الأصغر ذات الحكومات الأكثر مرونة. كذلك، إن عدد الأشخاص العاملين في الزراعة بالهند يفوق عدد العاملين في التصنيع.

وتقول شركات التكنولوجيا فائقة العالمية وتجار التجزئة، إنّ الهند مكان صعب لممارسة الأعمال التجارية مقارنةً بالصين أو فيتنام، وذلك بسبب البيروقراطية الحكومية، وجماعات العمال المتذمرة، والنهج العقابي في كثير من الأحيان في ما يتعلق بالامتثال والضرائب. وتُصدر فيتنام، التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، سلعاً إلى الولايات المتحدة تزيد قيمتها على 50 مليار دولار مقارنةً بالهند، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.

ويُشير المسؤولون الهنود في نيودلهي إلى عزمهم على أن يكونوا أكثر انفتاحاً على الشركات الغربية، وهم يتجهون نحو إبرام اتفاقية تجارية سريعة مع الولايات المتحدة. وتريد البلاد محاكاة الصين وأساليبها التي جعلت منها قوة تصنيعية لا مثيل لها في العالم، من خلال تقديم ليس فقط التجميع اليدوي للسلع، ولكن أيضاً التصميم وقطع الغيار وغيرها من الخبرات.

وقال إيكروب كاور، وزير الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات في ولاية كارناتاكا الجنوبية: "نحن نتطلع إلى بناء سلسلة القيمة بأكملها في الهند نفسها". وفي الوقت الحالي، لا تخضع معظم السلع الهندية إلا للرسوم الجمركية البالغة 10% التي فرضها ترامب عالمياً، وبعض الأجهزة الإلكترونية المعفاة، مثل أجهزة آيفون، التي لا تخضع للتعرفة الجمركية. وتبلغ الرسوم الجمركية على معظم السلع الصينية 145%، بينما تخضع هذه المنتجات الإلكترونية المصدرة من الهند إلى أميركا لنسبة 20%. ووفق "وول ستريت جورنال"، تتجه شركة آبل بالفعل إلى تصدير المزيد من أجهزة آيفون إلى الولايات المتحدة من الهند، حيث تُمثل الأخيرة  حالياً حوالى 20% من الإنتاج النهائي لأجهزة آيفون، وفقاً لتقديرات أبحاث السوق.

المساهمون