استمع إلى الملخص
- تتضمن الضريبة حوافز مثل الائتمان الضريبي لأنشطة البحث والتطوير، مما يشجع على الابتكار ويعزز التنافسية العالمية، مع ضرورة مواءمة النظام مع قواعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
- تواجه الضريبة تحديات في التنفيذ بسبب وجود مناطق حرة وأنظمة ضريبية مختلفة، مما قد يؤثر على جاذبية الإمارات كوجهة استثمارية، ويتطلب توازناً بين الفوائد الاقتصادية والتنافسية الدولية.
مع بدء فرض الضريبة التكميلية بدولة الإمارات، تركزت أنظار المراقبين على الأثر الاقتصادي لتطبيقها، وتأثيره على مركز الدولة الخليجية في جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن توقعات الحكومة تصب في إسهام الضريبة بتعزيز الإيرادات غير النفطية، مما يساعد على تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
وتُفرض الضريبة التكميلية على الكيانات الأعضاء في مجموعة المؤسسات متعددة الجنسيات، ويشترط أن تبلغ الإيرادات السنوية العالمية لهذه الكيانات مبلغ 750 مليون يورو أو أكثر لتطبيق الضريبة التي يرافقها حوافز مثل الائتمان الضريبي لأنشطة البحث والتطوير (30-50% بدءاً من 2026)، مما قد يحفز الشركات متعددة الجنسيات على الاستثمار في الابتكار داخل الإمارات، ومن ثم تعزيز القدرة التنافسية العالمية للبلاد.
ومن المتوقع أن تضطر الشركات متعددة الجنسيات إلى تعديل هياكلها المالية واستراتيجيات التسعير للتكيف مع العبء الضريبي الجديد، ما قد يؤثر على هوامش الربح، لكنه قد يعزز الشفافية المالية في المنطقة، وفقاً لما أورده تقدير نشرته منصة "Global Finance" الاقتصادية. غير أن التقدير ذاته أكد أن تطبيق النظام الضريبي الجديد يتطلب مواءمة دقيقة مع قواعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك حساب معدل الفعالية الضريبية وضمان الامتثال الكامل.
العدالة الضريبية
وفي هذا الإطار، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس الفرنسية، آلان صفا، لـ "العربي الجديد"، إلى أن الضريبة التكميلية التي بدأ تطبيقها في فبراير/شباط الماضي، تعد نظاماً جديداً يهدف إلى فرض حد أدنى من الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات بنسبة 15% في جميع البلدان، وتأتي ردَّ فعلٍ على المنافسة الضريبية بين الدول، حيث تسعى بعض البلدان إلى جذب الشركات عبر تخفيض معدلات الضرائب.
ويوضح صفا أن التوصل إلى هذا الاتفاق الدولي جاء بعد مفاوضات طويلة، خاصة بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث كانت أوروبا تسعى إلى فرض ضريبة جديدة على الأعمال التي تقوم بها الشركات في دولها وفي النهاية تم الاتفاق خلال عهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، على أن تكون نسبة 15% هي الحد الأدنى للضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات.
وأطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ضريبة اسمها ضريبة الحد الأدنى العالمية (GMCT) بهدف ضمان سداد كبرى الكيانات متعددة الجنسيات (MNEs) لضريبة لا تقل عن 15% على الدخل الخاضع للضريبة في كل دولة تمارس فيها عملها. ومن خلال هذا النظام، تحتفظ الدول بحوالي 10% من الضريبة، بينما يتم توزيع الجزء المتبقي (5%) على الدول الأخرى التي تحقق فيها الشركات جزءاً كبيراً من أعمالها، بحسب صفا، الذي يلفت إلى أن نظاماً كهذا يفرض على أي شركة متعددة الجنسيات موجودة في الإمارات، ولكن 50% من إيراداتها تأتي من دولة أخرى السعودية، أن تدفع 5% لهذه الدولة.
وأمّا التأثيرات الاقتصادية لهذا النظام، فيرى أستاذ الاقتصاد أن الإمارات لن تتأثر بشكل كبير، خاصة إذا تم تطبيق هذا النظام بشكل عالمي، ففي هذه الحالة لن تجد الشركات متعددة الجنسيات مبرراً للانسحاب من الإمارات والانتقال إلى دول أخرى، ما دام أن جميع البلدان تلتزم بالنسبة الضريبية نفسها. ومع ذلك، قد تضطر بعض الشركات التي بنت استراتيجيتها على انخفاض الضرائب إلى إعادة حساباتها، ما قد يؤدي إلى زيادة أسعار منتجاتها في الأسواق التي تعمل فيها، وهذا بدوره قد يسبّب ارتفاع معدلات التضخم في تلك الأسواق، بما فيها الإمارات، بحسب تقدير صفا.
ومن ناحية أخرى، ينبّه صفا إلى أن تطبيق هذا النظام الضريبي يواجه بعض التحديات، خاصة في البلدان التي تعاني ضعفاً في الإدارة أو عدم استقرار مؤسسي، لكنه يشير إلى أن الإمارات تتمتع بمؤسسات قوية وقدرة على متابعة تطبيق هذا النظام من دون مشكلات كبيرة. وإزاء ذلك، يرى صفا أن التحدي الأكبر أمام تطبيق الضريبة التكميلية يتمثل في كيفية توزيع حصيلتها بين الدول، وهو ما يتطلب تعاوناً متقدماً بين الإمارات والدول الأخرى، ويفرض على الشركات متعددة الجنسيات مستوى أعلى من الشفافية حول إيراداتها الداخلية والخارجية.
ويخلص صفا إلى أن تطبيق الضريبة التكميلية يبقى خطوة مهمة نحو تحقيق عدالة ضريبية عالمية، لكنه يتطلب جهوداً كبيرة من الحكومات والشركات لضمان نجاحه من دون تأثيرات سلبية على الاقتصادات المحلية.
فوائد وتحديات الضريبة التكميلية
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، علي سعيد العامري، لـ "العربي الجديد"، إلى أن الضريبة التكميلية (أو الضريبة العالمية) تهدف إلى الحد من التهرب الضريبي من خلال فرض حد أدنى من الضرائب على المؤسسات متعددة الجنسيات، وجرى اقتراحها من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بوصفها جزءاً من اتفاقية دولية تهدف إلى تحقيق عدالة ضريبية أكبر بين الدول، معتبراً أن تطبيق هذه الضريبة في الإمارات قد يحقق عدة فوائد اقتصادية، ولكنه قد يواجه أيضاً تحديات كبيرة.
فالضريبة التكميلية يمكن أن تؤدي إلى زيادة الإيرادات الحكومية من خلال فرض ضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الإمارات، خاصة تلك التي قد تكون استفادت سابقاً من انخفاض الضرائب أو الإعفاءات الضريبية، بحسب العامري، مشيراً إلى أن هذه الضريبة قد تساعد في تحقيق عدالة أكبر بين الشركات المحلية والدولية، حيث ستكون جميع الشركات خاضعة للقواعد الضريبية نفسها.
وعلى صعيد السمعة الدولية، يرى الخبير الاقتصادي أن الضريبة التكميلية ستعزز سمعة الإمارات مركزاً مالياً واقتصادياً يلتزم بالمعايير الدولية، مما قد يجذب استثمارات إضافية، ومع ذلك يحذر من احتمالية تأثير هذه الضريبة على جاذبية الإمارات بوصفها وجهة استثمارية، خاصة إذا كانت الضرائب أعلى من تلك المفروضة في دول أخرى.
كما ينبه العامري إلى وجود تحديات فنية وإدارية في تنفيذ الضريبة التكميلية، خاصة في ظل وجود العديد من المناطق الحرة والأنظمة الضريبية المختلفة داخل الدولة، لافتاً إلى احتمال أن تؤدي الضريبة إلى تقليل جاذبية الإمارات للشركات متعددة الجنسيات، مما قد يؤثر على الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويضيف العامري أن هناك تحدياً في التنسيق مع الدول الأخرى لضمان تطبيق متسق للضريبة التكاملية، خاصة في ظل الاختلافات في الأنظمة الضريبية بين الدول.
ومن جانب آخر، يتوقع العامري أن تواجه الشركات المحلية التي تعمل مع شركات متعددة الجنسيات تحديات في التكيف مع النظام الضريبي الجديد بالإمارات، خاصة إذا كانت تعتمد على إعفاءات ضريبية سابقة، لكنه يستدرك بأن الإمارات تتمتع ببنية تحتية قوية وبيئة أعمال جذابة قد تخفف من هذا التأثير.
ويخلص العامري إلى التشديد على ضرورة موازنة الإمارات بين تحقيق فوائد اقتصادية من خلال زيادة الإيرادات وتعزيز العدالة الضريبية وبين التحديات في التنفيذ للحفاظ على التنافسية الدولية، بما يضمن نجاح تطبيق الضريبة مع الحفاظ على جاذبية الدولة الخليجية بوصفها مركزاً اقتصادياً عالمياً.