استمع إلى الملخص
- الخبير الاقتصادي محمد رمضان يرى أن التضخم لا يزال ضمن النطاقات المعقولة، مشيراً إلى تأثير ارتفاع أسعار الأغذية المستوردة وأهمية مراقبة الوضع الاقتصادي في ظل التحديات العالمية.
- محمد الناير يعزو التضخم إلى الحرب التجارية العالمية، مقترحاً خططاً استباقية للتعامل مع التغيرات المحتملة في الأسعار وسلاسل الإمداد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
شهدت الكويت خلال شهر مارس/آذار الماضي ارتفاعاً في معدل التضخم السنوي إلى 2.41% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما يعكس زيادة ملحوظة في تكلفة المعيشة للمواطنين، ويعد مؤشراً مهما على اتجاه الأسعار في السوق الكويتية، لكنه لا يمثل بالضرورة المعدل السنوي النهائي للتضخم، إذ يُحتسب التضخم السنوي عادةً من خلال متوسط التغير في مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) على مدار 12 شهراً، وليس من خلال قراءة شهر واحد.
مع ذلك، فإن ارتفاع التضخم بهذا المعدل في مارس يعطي إشارات لاستمرار الضغوط التضخمية في الاقتصاد الكويتي، خاصة في ظل استمرار ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية والخدمات، ما يسلط الضوء على تأثير ذلك على الاتجاه المستقبلي للأسعار في البلد الخليجي.
ويعزز من ترجيح هذه الإشارات أنّ بيانات مكتب الإحصاء المركزي الكويتي تشير إلى استقرار معدل التضخم السنوي في الربع الأول من العام الجاري عند نحو 2.49% مع ثبات نسبي في بعض القطاعات مثل الإسكان والاتصالات والتعليم، بينما استمرت أسعار الأغذية والمشروبات في الارتفاع بوتيرة متسارعة، مما يشير إلى أنّ الضغوط التضخمية ما زالت قائمة رغم بعض التباطؤ في قطاعات أخرى.
وأبرز المجموعات التي شهدت ارتفاعاً في الأسعار هي الأغذية والمشروبات (5.71%) والملابس (6.37%)، إلى جانب ارتفاعات أقل في السكن والخدمات الصحية والنقل، ويعني ذلك أن الأسر الكويتية تواجه زيادات في أسعار السلع الأساسية، ما قد يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين، ويضغط على ميزانيات الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود.
وعلى المستوى الاقتصادي الأوسع، يعد استمرار التضخم بهذا المستوى مؤشراً يستدعي الانتباه من صناع القرار، إذ يمكن أن يؤثر سلباً على جاذبية الكويت للاستثمار الأجنبي، ويزيد من تكلفة المعيشة، ويحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو مستدام إذا لم تُتخذ إجراءات للحد من الضغوط السعرية، بحسب إفادة خبيرين لـ"العربي الجديد".
الأغذية والمشروبات
في التفصيل، يرى الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، أن معدلات التضخم في الكويت ارتفعت، إلا أنها لا تزال ضمن النطاقات المعقولة والمقبولة اقتصادياً، وعزاها بالأساس إلى زيادة أسعار مجموعة الأغذية والمشروبات، إذ إن التضخم دون احتساب هذه المجموعة ينخفض إلى نحو 1.77%، ما يجعله أقل من المعدل المستهدف، حسب ما صرح لـ"العربي الجديد".
ويوضح رمضان أن غالبية الأغذية والمشروبات التي تستهلكها السوق الكويتية تُستوردُ من الخارج، وهي غير مدعومة بالكامل من الحكومة، ورغم أن الحكومة توفر دعماً لبعض السلع الأساسية، فإنّ قياس التضخم يعتمد على كل أنواع السلع المختلفة التي يستهلكها المواطنون والمقيمون في الكويت، سواء كانت مدعومة أو غير مدعومة.
وبناء على ذلك، فإن نسبة التضخم الحالية تعتبر معقولة ولا تشكل أي خطر مباشر على الاقتصاد الكويتي، بحسب تقدير رمضان، واصفاً إياها بأنها ليست حالة استثنائية على مستوى العالم، إذ تشهد العديد من الدول ارتفاعاً مشابها أو أعلى في معدلات التضخم.
ومع ذلك، يشدد رمضان على أهمية مواصلة المراقبة الدقيقة للوضع الاقتصادي، خاصة في ظل التحديات العالمية الحالية، مثل السياسات التجارية التي يتبعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتي أدت إلى فرض رسوم جمركية غير متوقعة، إذ قد تؤثر بشكل غير متوقع على الأسواق، ما يجعل من الضروري الاستعداد لسيناريوهات مختلفة مستقبلاً.
لكن لا يوجد ما يشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التضخم في الكويت حتى الآن، حسب ما يرى رمضان، الذي يؤكد في الوقت ذاته ضرورة التركيز على المراقبة اللصيقة للأسواق والاستعداد لأي تغيرات محتملة.
الحرب التجارية تؤثر على الكويت
في السياق، يعزو الخبير الاقتصادي، محمد الناير، نسبة التضخم في الكويت إلى عوامل متعددة، أبرزها الوزن النسبي للمجموعات التي يتم قياس التضخم بناء عليها، مشيراً إلى أنّ مجموعة الأغذية والمشروبات تمثل أحد العوامل المؤثرة كثيراً على معدل التضخم، بينما تؤثر قطاعات مثل التعليم والصحة بدرجة أقل.
ويتفق الناير مع رمضان في أنّ هذا الارتفاع ليس حالة استثنائية على مستوى العالم، بل يمثل جزءاً من تداعيات الأوضاع الاقتصادية العالمية التي تؤثر على معظم الدول، فمع تصاعد الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، بدأت آثار هذه الصراعات بالظهور على اقتصادات الدول، بما فيها الكويت، لافتاً إلى أن فرض الرسوم الجمركية والقيود التجارية يؤدي إلى زيادة تكاليف السلع المستوردة، ما ينعكس على الأسعار المحلية ويساهم في ارتفاع معدلات التضخم.
ويؤكد الناير أن الحرب التجارية الحالية لها تداعيات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي، وقد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الدول، موضحاً أنّ انعكاسات ذلك "أولية وقصيرة المدى" حتى الآن، لكن من المتوقع أن تكون لهذه التطورات تأثيرات أكبر على المدى المتوسط والبعيد.
ويعزو الناير توقعاته إلى استمرار التوترات التجارية وعدم استقرار السياسات الاقتصادية العالمية، مؤكداً أنه إذا لم تتراجع الدول عن فرض الرسوم الجمركية والقيود الاقتصادية، فإنّ الاقتصاد العالمي سيظل عرضة لمزيد من التقلبات، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية.
ويقترح الناير على صانعي السياسات الاقتصادية في الكويت وضع خطط استباقية للتعامل مع أي تغيرات محتملة، سواء على مستوى الأسعار أو سلاسل الإمداد، مشيراً إلى أن ما يجري حالياً هو جزء من تحديات عالمية تحتاج إلى إدارة حذرة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، خاصة في ظل الظروف غير المستقرة التي تشهدها الأسواق الدولية.