كيف استفادت إيران اقتصادياً من صعود طالبان؟

كيف استفادت إيران اقتصادياً من صعود طالبان؟

07 سبتمبر 2021
محلات الصرافة في طهران استفادت من تجار أفغانستان (Getty)
+ الخط -

يحيط الغموض بمستقبل أفغانستان السياسي والاقتصادي على الرغم من سيطرة حركة طالبان الكاملة على إقليم بانشير. كما شرعت طالبان فعلياً بتشكيل حكومة انتقالية لقيادة البلاد، وأعلن مسؤول الحركة أمس الاثنين أن زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده سيبقى في موقعه (أميراً للبلاد) ويشرف على الحكومة، وفق ما نقلت وكالة فارس الإيرانية.

لكن في المقابل فإن هناك توقعات بأن يبقى مستقبل أفغانستان الاقتصادي والسياسي رهن الثقة الدولية والإقليمية بطالبان وتأقلمها مع الواقع الجديد في البلاد، وتحولها من حركة مسلحة إلى قوة سياسية لديها رؤية براغماتية للتعامل مع التركيبة القبلية والمذهبية والعشائرية المعقدة والمتشعبة في بلد متخلف وفقير، وعانى لعقود من الحروب الأهلية والتدخلات الدولية.

ويبدو أن أفغانستان على المدى القصير ستعاني من العزلة الغربية ونقص النقد الأجنبي، وربما ستلجأ لدول الجوار بهدف الحصول على الواردات الأساسية، وعلى رأسها البترول والغاز الطبيعي والاحتياجات والسلع الضرورية الأخرى، وهو ما سيمثل مدخلاً للحكومة الإيرانية في تقوية الروابط التجارية مع الدولة الجارة.

تعول الحكومة الإيرانية على استقرار أفغانستان لحصاد أربع منافع اقتصادية رئيسية خلال الفترة المقبلة، أبرزها فتح فضاء اقتصادي واسع غير مراقب أميركياً مع دول آسيا الوسطى. وخفض ضغوط الحظر التجاري والاقتصادي الأميركي

وتعول الحكومة الإيرانية على استقرار أفغانستان لحصاد أربع منافع اقتصادية رئيسية خلال الفترة المقبلة، وهي فتح فضاء اقتصادي واسع غير مراقب أميركياً مع دول آسيا الوسطى. وخفض ضغوط الحظر التجاري والاقتصادي الأميركي، وبالتالي التمكن من دخول مفاوضات رفع العقوبات الأميركية المقبلة وهي في وضع مريح تجارياً مقارنة بما كانت عليه قبل الانسحاب الأميركي.

أما ثالث المنافع فيكمن في زيادة حجم تجارة إيران مع أفغانستان المتخلفة تقنياً وتعاني من التضييق الدولي المالي في الوقت الراهن. والرابع هو استثمار الحدود الجغرافية مع أفغانستان المجاورة للصين في مرور شاحناتها التجارية مباشرة إلى هناك.

في هذا الشأن، يقول الخبير الإيراني إسفانديار غاليدي، في تحليل بموقع "مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي"، إن "قادة إيران فتحوا الاتصالات مع حركة طالبان منذ أكثر من عام استعداداً لجني ثمار انسحاب القوات الأميركية".

ويذهب غاليدي في تحليله، إلى أن أفغانستان تمثل بوابة مهمة للاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت ضغوط الحظر الأميركي والحصار الاقتصادي الدولي، بسبب ما تفرضه واشنطن من عقوبات ثانوية على الشركات والبنوك العالمية التي تتاجر مع إيران، وبالتالي يقول الخبير الإيراني "إن طهران تبحث عن تنمية علاقاتها التجارية مع دول الجوار وخاصة أفغانستان".

لكن من ناحية المخاطر، فإن إيران تتخوف من عدم الاستقرار في أفغانستان، خاصة احتمال تدفق اللاجئين الأفغان في أراضيها. وتقدر وكالة غوث اللاجئين بالأمم المتحدة عدد اللاجئين الأفغان في إيران بنحو 3 ملايين لاجئ. كما تتخوف طهران كذلك من نشوء حركات دينية متطرفة في أفغانستان.

وتمثل أفغانستان فرصة ذهبية للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الحظر الأميركي في حال تمكنت طالبان من تثبيت الاستقرار السياسي في البلاد، ذلك أن أفغانستان تعد بوابة مهمة لمرور التجارة بين إيران والصين.

كما أنها ستعني كذلك تكاملا لحركة التجارة بين إيران ودول آسيا الوسطى التي تقع تحت النفوذ الروسي المباشر. وبالتالي ستمثل أفغانستان حلقة ربط مباشر للاقتصاد الإيراني مع الاقتصادين الروسي والصيني.

ستمثل أفغانستان حلقة ربط مباشر للاقتصاد الإيراني مع الاقتصادين الروسي والصيني، كما تمثل فرصة ذهبية للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الحظر الأميركي في حال تمكنت طالبان من تثبيت الاستقرار السياسي في البلاد

على صعيد العلاقات التجارية بين البلدين يبدو أن إيران تبدو سعيدة لانسحاب أميركا من أفغانستان، وبالتالي ستستفيد الشركات الإيرانية على المدى المتوسط والبعيد من وجود أفغانستان مستقرة سياسياً واقتصاديا ومالياً.

ويقدر مركز "بورصة آند بازار" الإيراني المستقل، حجم التجارة بين إيران وأفغانستان بنحو ملياري دولار في السنة، ويقول إن تجار أفغانستان يلعبون دوراً رئيسياً في دعم الريال الإيراني عبر ضخ الدولارات التي كانت تقدر يومياً قبل الانسحاب الأميركي بنحو 5 ملايين دولار.

لكن انتعاش التجارة الإيرانية سيعتمد على عاملين، أحدهما بناء علاقة متسامحة مع الطائفة الشيعية في أفغانستان (الهزاره) التي تمثل حلقة الربط التجاري بين طهران وكابول. أما العامل الثاني، فهو قدرة طالبان على إدارة الحكم في أفغانستان وتشكيل حكومة تمثل جميع الطوائف والإثنيات. وعلى هذا العامل ستعتمد عودة المساعدات الغربية إلى أفغانستان.

وحتى الآن أبدت بعض الدول الغربية رغبة في ضخ مساعداتها مجدداً في أفغانستان، ولكن يرى خبراء أن الصين الحريصة على الاستقرار السياسي والاقتصادي في أفغانستان بسبب مخاوفها الأمنية الداخلية، خاصة في إقليم شينجيانغ المتاخم لأفغانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتسكنه أقلية الإيغور المسلمة، ستقوم بضخ دولارات في البلد الذي بات تحكمه طالبان، وبالتالي ربما تعوض الصين عبر استثمارات شركاتها في التعدين والبنى الأساسية بأفغانستان بعضاً من الدولارات الغربية التي خسرتها البلاد منذ صعود طالبان للحكم.

ولدى أفغانستان احتياطات مكتشفة من النفط تفوق مليار برميل وبالقرب من مدينة بلخ، كما لديها احتياطات من الغاز الطبيعي يمكن أن تشكل مصدرا نقديا على المدى القصير، كما أن لدى طالبان ميزانية تقدر بنحو 1.6 مليار دولار، إضافة إلى بعض الأموال التي كانت مرصودة لتدريب الجيش الأفغاني في حكومة أشرف غني.

لدى أفغانستان احتياطات مكتشفة من النفط تفوق مليار برميل، كما لديها احتياطات من الغاز الطبيعي يمكن أن تشكل مصدرا نقديا على المدى القصير

لكن خلال الشهور المقبلة، يرى خبراء بمركز "بورصة آند بازار" الذي يراقب الاقتصاد الإيراني ويصدر باللغة الإنكليزية، أن تجارة إيران مع أفغانستان ستعاني، بسبب النقص في الدولارات المتاحة أمام تجار أفغانستان، إذ إن عدم توفر الدولارات الكافية سيرفع معدل التضخم الأفغاني.

وبالتالي سيقود تلقائياً إلى انكماش النمو الاستهلاكي لدى الأسر الأفغانية، وهو ما سيقود إلى تراجع حجم الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان، كما أن الريال الإيراني سيعاني من تراجع حجم الدولارات التي يضخها تجار أفغانستان في سوق العملة بطهران.

المساهمون