استمع إلى الملخص
- حي كوينز في نيويورك يتمتع بموقع استراتيجي وبنية تحتية متطورة، مما يجعله مثالياً للاستثمار العقاري وتطوير المنتجعات دون تعقيدات سياسية.
- يمكن استثمار مليارات الدولارات في كوينز بدلاً من غزة، حيث يتمتع باستقرار قانوني وسياسي، مما يجعله خياراً جذاباً للمستثمرين الدوليين.
في تصريح أثار جدلاً واسعاً، اقترح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة واستبدال القطاع بمنتجعات سياحية وفنادق فاخرة على طراز الريفييرا. وتقوم الفكرة، التي لاقت انتقادات لاذعة، على تصوّر تحويل غزة إلى منطقة استثمارية مربحة، دون مراعاة الواقع السياسي والإنساني للقضية الفلسطينية. لكن إذا كان الهدف الحقيقي هو إنشاء مشاريع سياحية ضخمة وتحقيق عوائد اقتصادية، فلماذا لا يتم توجيه هذه الرؤية نحو مسقط رأس ترامب نفسه، أي حي كوينز بولاية نيويورك الأميركية؟
وبينما تثير فكرة تحويل غزة إلى منتجع سياحي الكثير من الأسئلة حول مدى واقعيتها وإمكانية تنفيذها، فإن التفكير في كوينز بديلا استثماريا يبدو أكثر منطقية وعملية. وبدلاً من محاولة "شراء غزة"، يمكن ببساطة الاستثمار في مسقط رأس ترامب نفسه، حيث تتوفر بنية تحتية متطورة، واستقرار قانوني، وفرص عقارية ضخمة. فهل سيكون ترامب مستعداً للنظر في بيئته الخاصة قبل أن يفرض رؤى غير واقعية على مناطق أخرى؟
كوينز: فرص استثمارية غير مستغلة
كوينز هو أحد أحياء مدينة نيويورك الخمسة، ويتمتع بموقع استراتيجي بسبب قربه من مانهاتن ومن المطارات الدولية مثل جون إف كينيدي (JFK) ولاغوارديا (LGA)، ما يجعله منطقة مثالية للاستثمار العقاري وتطوير المنتجعات. وعلى الرغم من أن الحي شهد تطورات كبيرة خلال العقدين الماضيين، لا يزال هناك العديد من الفرص التي يمكن استغلالها لإعادة تشكيله إلى مركز سياحي وتجاري عالمي.
وتُعرف كوينز بتنوعها الثقافي الفريد، حيث تضم سكانًا من أكثر من 150 دولة يتحدثون أكثر من 130 لغة، وهي أكبر أحياء نيويورك مساحة، وثانيها من حيث عدد السكان (2.4 مليون نسمة بتقديرات 2024) بعد بروكلين. ويمكن استثمار هذا التنوع في تطوير مشاريع فندقية ومطاعم ومنتجعات تقدم تجربة سياحية دولية داخل الولايات المتحدة نفسها، بدلاً من محاولة فرض مشاريع مماثلة على أراضٍ متنازع عليها سياسيًا مثل غزة.
كم تبلغ قيمة عقارات كوينز؟
وتُعد سوق العقارات في كوينز واحدة من أكثر الأسواق العقارية حيوية في نيويورك، لكنها لا تزال أقل تكلفة مقارنة بمانهاتن، مما يجعل الاستثمار فيها أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية. ووفقاً لتقارير السوق العقارية، فإن متوسط سعر المنزل في كوينز يبلغ حوالي 700 ألف دولار، وهو أقل من نظيره في مانهاتن الذي يتجاوز 1.2 مليون دولار. ومع ذلك، فإن بعض المناطق مثل لونغ آيلاند سيتي Long Island City تشهد ارتفاعًا في الأسعار بسبب زيادة الطلب على العقارات الفاخرة.
أما فيما يخص الأراضي، فإن سعر القدم المربع للأراضي التجارية في بعض مناطق كوينز يمكن أن يتراوح بين 300 إلى 1,000 دولار، وهو لا يزال أقل بكثير من أسعار الأراضي في مانهاتن أو بروكلين. هذه الأسعار تعني أن المستثمرين يمكنهم شراء مساحات واسعة من الأراضي وإعادة تطويرها إلى منتجعات وفنادق من فئة الخمس نجوم دون الحاجة إلى الدخول في صراعات سياسية معقدة مثل تلك التي تحيط بغزة.
كيف يمكن تحويل كوينز إلى "ريفييرا ترامب"؟
وبدلاً من دفع مليارات الدولارات في مشروع غير قابل للتنفيذ سياسيًا في غزة، يمكن تحويل بعض المناطق الصناعية القديمة والموانئ المهجورة في كوينز إلى منتجعات سياحية جذابة. فعلى سبيل المثال، يمكن تطوير واجهة نهر إيست ريفر لتصبح منطقة شبيهة بميامي أو لوس أنجليس، مع منتجعات راقية ومَراس لليخوت الفاخرة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحويل بعض المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل جاكسون هايتس وفلاشينغ إلى وجهات سياحية يمكن أن يجذب ملايين السياح سنويًا، مما يخلق وظائف جديدة ويعزز الاقتصاد المحلي.
ومن الناحية اللوجستية، فإن تطوير كوينز يبدو أكثر منطقية من تنفيذ مشروع مماثل في غزة، حيث لا توجد حاجة لعمليات تهجير قسرية. وعلى عكس غزة المأهولة بنحو مليونين من الفلسطينيين، فإن كوينز لديها مساحات يمكن إعادة تطويرها دون التأثير على المجتمعات المحلية.
وتتمتع كوينز حالياً باستقرار قانوني وسياسي، ما يجعل الاستثمار فيها يتم ضمن إطار قانوني أميركي مستقر، فيما ستواجه أي مشاريع في غزة تحديات سياسية ضخمة من المجتمع الدولي، الذي أجمع على أن إخراج الفلسطينيين من القطاع، وإن كان تحت دعاوى إعادة الإعمار والتطوير، يدخل ضمن إطار التطهير العرقي المجرم دولياً.
ومن ناحية أخرى، تمتلك كوينز البنية التحتية المتطورة المطلوبة لمثل تلك المشروعات، بما يشمل المطارات والموانئ والطرق السريعة، ما يسهل تنفيذها دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في بناء شبكات جديدة. ونظراً لكون نيويورك واحدة من أهم العواصم الاقتصادية في العالم، فإن استثمارات من هذا النوع ستكون أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين مقارنة بغزة، التي تعاني من الحصار والدمار.
لماذا لا يستثمر ترامب في مسقط رأسه؟
ورغم أن ترامب معروف بامتلاكه عقارات فاخرة في مانهاتن وأجزاء أخرى من نيويورك، إلا أنه لم يولِ اهتمامًا كبيرًا بمسقط رأسه، كوينز. وعلى الرغم من أنه نشأ في منطقة جامايكا إستيتس الراقية في كوينز، إلا أن تركيزه الاستثماري كان دائماً على مشاريع خارج هذا الحي.
وإذا كان ترامب يبحث عن "أرض جديدة" لبناء منتجعاته، فإن كوينز تبدو الخيار الأكثر منطقية بدلاً من محاولة فرض رؤى خيالية على غزة، التي تظل منطقة مليئة بالتحديات السياسية والإنسانية.