استمع إلى الملخص
- بعد مغادرته البيت الأبيض، أسس شركة أفينيتي بارتنرز، مستفيداً من تمويل خليجي لتطوير مشاريع ضخمة مثل منتجع في ألبانيا بقيمة 1.4 مليار دولار.
- يواصل كوشنر تأثيره في السياسة والاستثمار، ويعمل كجسر للمستثمرين الخليجيين في إسرائيل، رغم انتقادات تضارب المصالح.
شهد جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تطوراً ملحوظاً في حالته الاقتصادية من بداياته وحتى نهاية ولاية ترامب الأولى. وكان الملياردير الشاب قد وُلد في عائلة ثرية تعمل في مجال العقارات، وتعلم في جامعة هارفارد قبل أن يتولى إدارة شركة العائلة بعد إدانة والده، تشارلز كوشنر، بالسجن عام 2005. ونجح كوشنر في توسيع أعمال العائلة، حيث قام بصفقات عقارية كبرى، أشهرها شراء مبنى "666 الجادة الخامسة" في نيويورك، قبل أن يتزوج من إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأميركي عام 2009، وهو ما قربه من عالم السياسة، ليصبح لاحقاً مستشاراً رئيسياً لترامب خلال حملته الانتخابية عام 2016.
ومع دخول ترامب البيت الأبيض، أصبح كوشنر أحد أقرب مستشاريه، حيث لعب دوراً محورياً في السياسة الخارجية والتجارية. وعلى الرغم من عدم تقاضيه راتباً، إلا أن منصبه السياسي منحه نفوذاً واسعاً وساهم في زيادة ثروته من خلال استثماراته العقارية. ومع ذلك، واجه انتقادات بسبب تضارب المصالح المحتمل وطريقة تعامله مع بعض الملفات الحساسة، إلا أنه نجح في زيادة نفوذه وثرواته خلال فترة السنوات الأربع (2021 ـ 2024)، التي غاب فيها ترامب عن البيت الأبيض.
وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، وقبل ثلاثة أسابيع فقط من تنصيب ترامب الثاني، منحت الحكومة الألبانية الموافقة المبدئية لجاريد كوشنر لتطوير منتجع فاخر بقيمة 1.4 مليار دولار في سزان، الجزيرة الوحيدة في ألبانيا الواقعة في البحر الأبيض المتوسط. وتعد هذه واحدة من أبرز الاستثمارات حتى الآن لشركة الأسهم الخاصة التابعة لصهر ترامب أفينيتي بارتنرز التي أسسها كوشنر بعد نهاية الولاية الأولى لترامب، بتمويل من السعودية في أغلبه.
وتعد صفقة ألبانيا علامة بارزة في الإمبراطورية التجارية التي أنشأها كوشنر بعد مغادرة منصبه بصفة كبير مستشاري البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترامب (2017 ـ 2021)، حيث كان شخصية مركزية في العديد من قضايا السياسة الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط، ويُنظر إليه من قبل العديد من الدبلوماسيين باعتباره كان وسيطاً فعالاً لحل المشكلات، وصولاً إلى اتفاقيات التطبيع التي وقعتها دول عربية مع إسرائيل.
وقبل دخوله السياسة، كان كوشنر يركز باعتباره مطوراً عقارياً بشكل أساسي على مدينة نيويورك. لكن منذ مغادرته واشنطن، بنى محفظة عالمية من الحصص في الشركات والعقارات عبر أوروبا الشرقية، والخليج، وأميركا اللاتينية. وفتحت السماء أبوابها في العديد من هذه الصفقات من خلال العلاقات التي أقامها كوشنر أثناء وجوده في الحكومة، أو من خلال مكانته البارزة باعتباره أحد أقرب مستشاري ترامب. وأظهر الشاب الذي أتم عامه الرابع والأربعين الشهر الماضي قدرة على تحويل علاقاته القريبة من السلطة إلى استثمارات ضخمة.
ويعمل كوشنر الآن باعتباره جسراً للمستثمرين الخليجيين الذين يرغبون في ضخ أموالهم في القطاع الخاص الإسرائيلي الديناميكي، وفقاً لتقرير حديث نشرته جريدة فاينننشال تايمز البريطانية، التي قالت إن نموذجه التجاري يعتمد على القدرة على رؤية الاتجاهات قبل الآخرين. ونقلت الجريدة قوله: "أنا مرتاح تماماً لأن أكون مخالفاً للتيار العام"، مشيراً إلى أنه كان مستعداً لدعم ترامب عندما اعتقد كثيرون في دائرته أن ذلك لم يكن ذكياً أو مقبولاً. ويضيف: "كنت مقتنعاً بإمكانية تحقيق تقدم في الشرق الأوسط عندما قال الجميع إنني مجنون".
وقبل إعادة انتخاب ترامب، واجه كوشنر ادعاءات بوجود تضارب محتمل في المصالح، حيث يرى الديمقراطيون أن المستثمرين في الخليج قد يعتبرون تمويل كوشنر وسيلة للتقرب من ترامب، وهو ما يتوقع أن تتزايد الأسئلة بخصوصه الآن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ورغم أن كوشنر لا يتولى دوراً رسمياً، إلا أنه جعل نفسه متاحاً لتقديم المشورة للإدارة بشأن قضايا معينة، سيكون في مقدمتها بالتأكيد إمكانية التقارب بين السعودية وإسرائيل، حيث يحتفظ في الدولتين بعلاقات سياسية عميقة، وتعد الأولى المستثمر الأكبر في شركته أفينيتي بارتنرز.
لكن كوشنر يصر على أنه لا يوجد تضارب في المصالح، وأن معظم الانتقادات ذات دوافع سياسية، بعد أن أصبح أحد المستشارين المؤثرين في البيت الأبيض، وتمكن من إقامة علاقات قوية مع شخصيات رئيسية في الشرق الأوسط، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد.
واستثمر كوشنر نجاحه الدبلوماسي في تعزيز مشاريعه الاستثمارية، حيث أطلق في يناير/ كانون الثاني 2021، أي بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض بأيام قليلة، شركته أفينيتي بارتنرز التي تركز على استثمارات في قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة. وجاء دعمه الأساسي من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي ضخ ملياري دولار، وهو ما مثل النسبة الأكبر من الاستثمارات الخارجية الأولية للشركة. والعام الماضي، حصل على 1.5 مليار دولار أخرى من الإمارات وقطر، ويدير حالياً أصولاً تقدر قيمتها بنحو 4.6 مليارات دولار.
واجهت شركة كوشنر تساؤلات في واشنطن، خاصة من الديمقراطيين، الذين رأوا أن ملايين الدولارات من الرسوم التي تحصل عليها شركة كوشنر من مستثمرين سعوديين وإماراتيين ربما تكون بمثابة نفوذ أجنبي. ويقول السيناتور رون وايدن: "قد لا يكون دافع مستثمري شركة أفينيتي تجارياً، بل محاولة لنقل أموال حكومية أجنبية إلى أفراد عائلة الرئيس ترامب، وهم جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب". لكن كوشنر يرفض هذه الادعاءات، ويقول إنه لم يتم اتهامه بأي مخالفة قانونية.
ومن خلال التركيز على الأسواق الفاخرة، تمكن كوشنر من توسيع استثماراته في مجالات متعددة، بما في ذلك العقارات والذكاء الاصطناعي ومشاريع البنية التحتية. ويبدو أن نفوذه لا يزال قوياً، رغم عدم توليه منصباً رسمياً في إدارة ترامب الجديدة، التي لا يبدو أنها منشغلة باتهامات تضارب المصالح، سواء في ما يتعلق بكوشنر، أو حتى بترامب وزوجته، اللذين قفزت ثروتهما مئات الملايين من الدولارات بعد أقل من أسبوع من عودتهما للبيت الأبيض.