كورونا وتعميق أزمة العمال العرب

كورونا وتعميق أزمة العمال العرب

29 يونيو 2021
احتجاجات عمالية في بيروت
+ الخط -

كشفت الأمم المتحدة عن أن جائحة كوفيد-19 المستمرة منذ 18 شهراً أغرقت مائة مليون عامل إضافي وأسرهم في الفقر، بسبب تراجع ساعات العمل، وغياب فرص العمل الجديدة. وقالت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إنه من المتوقع أن يظل 220 مليون شخص على الأقل عاطلين عن العمل على مستوى العالم خلال العام الحالي، وهو ما يزيد كثيرا عن مستويات ما قبل الجائحة.

وتتوقع المنظمة أن يظل نحو 205 ملايين عامل يعانون من البطالة في العام المقبل 2022، وهو مستوى أعلى من المسجل في 2019، قبل الضرر الكبير الذي أحدثته أزمة كورونا وهو 187 مليونا.

وحذرت المنظمة في تقريرها السنوي من أن الأزمة ستطول، وأن العمالة لن تستعيد مستويات ما قبل الجائحة إلا في عام 2023. وقدّرت المنظمة خسائر ساعات العمل في عام 2020 بما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل.

وقد أدى تراجع التوظيف وساعات العمل إلى انخفاض حاد في دخل العمل وزيادة في معدلات الفقر. وأشار تقرير التوقعات الاجتماعية السنوي إلى أن العالم سيفقد 75 مليون وظيفة في نهاية هذا العام، مقارنة بما سيكون عليه الوضع لو لم تحدث الجائحة. وسيظل عدد الوظائف أقل بنحو 23 مليون وظيفة بحلول نهاية العام المقبل. وفيما احتفظ كثير من الناس بوظائفهم، تقلص مجموع ساعات عملهم بشكل كبير.
وأظهر التقرير أنه مقارنة بعام 2019، صنِّف 108 ملايين عامل إضافي حول العالم على أنهم فقراء أو فقراء جدًا، ما يعني أنهم وعائلاتهم يعيشون على أقل من 3.2 دولارات للفرد في اليوم. وكانت النساء والشبان والمليارا شخص العاملون في قطاعات غير رسمية هم الأكثر تضرراً.

وتسبب الوباء في اضطراب غير مسبوق في جميع أنحاء العالم، قد يخرب النسيج الاجتماعي والعمالة لسنوات قادمة، من خلال تأثيره المدمر على الصحة العامة والتوظيف وسبل العيش، في ظل غياب الجهود السياسية الجادة.
فقد انخفض دخل العمال في العالم، والذي لا يشمل التحويلات والمزايا الحكومية، بمقدار 3.7 تريليونات دولار (8.3%) في عام 2020 عما كان متوقعا في غياب الوباء.

وفي النصف الأول من عام 2021، قد ينخفض دخل العمل العالمي بنسبة 5.3%، أو 1.3 تريليون دولار. ومقارنة بعام 2019، هناك ما يقدر بـ 108 ملايين عامل إضافي يعيشون الآن في فقر مدقع أو متوسط، ما يعني أنهم وأفراد أسرهم مضطرون للعيش بأقل من 3.20 دولارات في اليوم، من حيث تعادل القوة الشرائية.

ولسوء الحظ، فقد أهدرت الجائحة جهود خمس سنوات من التقدم الدولي نحو القضاء على فقر العمال، وعادت معدلات الفقر بينهم مرة أخرى إلى مثيلتها عام 2015.

ورغم أن وسائل الإعلام العربية اكتفت بنشر ملخص التقرير الذي أتاحته منظمة العمل الدولية على موقعها الإلكتروني، لكن ربما لم يفطن أي منها للمعلومات التي تضمّنها التقرير عن تداعيات الوباء على العمالة في منطقتنا العربية، لأنها لم ترد في الملخص. ولدواعي العلم والإفادة، يكون من المهم الإشارة إلى أهم ما جاء في التقرير من معلومات بخصوص تلك المنطقة التي نعيش ونعمل فيها.

ذكر التقرير أن المنطقة العربية كانت تواجه بالفعل أزمات متعددة قبل ظهور الوباء. لكن تخفيض ساعات العمل وفقدان الوظائف جراء الوباء تسبب في زيادة الفقر في منطقة، أكد التقرير أن أنظمة الحماية الاجتماعية فيها هشة وضعيفة.

وتشير التقديرات إلى أن معدل فقر العمال المدقع في الدول غير الخليجية ارتفع خلال عام 2020 بنسبة 1.1%. أما معدل الفقر المعتدل فزاد هو الآخر 2.1%، ما أدى إلى سقوط ما يقرب من 670 ألف عامل إضافي يعيشون مع أسرهم تحت خط الفقر في جميع أنحاء المنطقة.

وأشار تقرير المنظمة الأممية إلى أن المنطقة العربية تعاني من أعلى فجوة في تمويل الحد الأدنى للحماية الاجتماعية كنسبة من العبء الضريبي، وقدّرها التقرير بنحو 45% من الحد المطلوب في عام 2019.

وفي هذا الصدد، أوصى التقرير بوجود حاجة ملحّة لأن تقوم حكومات الدول غير الخليجية بتنفيذ استراتيجيات لتمويل تدابير الطوارئ اللازمة، لمنع شرائح كبيرة من السكان من الوقوع تحت خط الفقر، بالتعاون مع الشركاء الاجتماعيين.

وتحتاج هذه البلدان أيضًا إلى التنفيذ السريع للحدود الدنيا للحماية الاجتماعية الوطنية التي تحتوي على ضمانات أساسية للضمان الاجتماعي، مع تمهيد الطريق لوضع أنظمة حماية اجتماعية قوية وشاملة ومستدامة على المدى الطويل وتطوير الأنظمة الهشة القائمة.

وجاء في التقرير أن انخفاض معدلات التشغيل وتراجع ساعات العمل ودخول العمال المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي، سيكون له تداعيات مباشرة على بلدانهم الأصلية. تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين في دول الخليج العمال العرب من دول شمال أفريقيا وغرب آسيا والعمال من جنوب شرق آسيا. حيث تقدر تدفقات تحويلات المهاجرين إلى البلدان غير الخليجية ما نسبته 9% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن في عام 2020، و17 % للأرض الفلسطينية المحتلة، وبنسبة تصل إلى 33% في لبنان، و8% في مصر.
وبالفعل، تأثرت تحويلات العمال المهاجرين بشكل كبير بسبب الوباء، والتي غالبًا ما تلعب دورا اقتصاديا في أوقات الأزمات وتشكل شريان الحياة للفئات الضعيفة من السكان في المنطقة. فتشير التقديرات إلى أن تدفقات التحويلات إلى الدول العربية انخفضت بنسبة 11.7% في عام 2020، وفق بيانات البنك الدولي بشأن الهجرة والتنمية.

وبلا شك، سيساهم انخفاض التحويلات في زيادة الفقر في المنطقة ككل. وجدت دراسة استقصائية لعينة من السوريين والأردنيين تم اختيارهم من قواعد بيانات مشاريع وبرامج منظمة العمل الدولية في الأردن والتي أجريت في المراحل الأولى من أزمة كوفيد- 19 في نيسان/إبريل 2020، أن 35% من السوريين العاملين قبل الأزمة كانوا يعملون بشكل دائم فقدوا وظائفهم، مقارنة بـ 17% من الأردنيين.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ستؤثر هذه الفوارق أيضًا على مدى التطعيم ضد الوباء، وعلى قدرة الحكومات على الاستمرار في السيطرة على الوباء وتنفيذ التدابير المطلوبة لدعم سوق العمل والانتعاش اقتصادي. ذلك أن الانتعاش الفعال والمستدام في المنطقة لا يعتمد على نهوض الاقتصادات الفردية فحسب، بل يعتمد أيضًا على تدفقات المعونة بين الدول العربية.

وقد أبرزت الأزمة مدى ترابط اقتصادات المنطقة، سواء من حيث التحويلات أو التجارة أو تدفقات الاستثمار. وبالتالي، فإن أهم الدروس المستفادة من الأزمة الحالية هو تعزيز التعاون الإقليمي والتضامن لخلق اقتصاد إقليمي يمكنه الصمود في وجه الأزمات المستقبلية ذات الحجم المماثل.

ورغم أهمية الدور الذي لعبته شبكات الأمان الاجتماعي في مواجهة الجائحة حول العالم، لكن تدابير الحماية الاجتماعية والدعم الحكومي المقدم للعمال وأسرهم في المنطقة العربية لم تتناسب مع حجم المعاناة بسبب الجائحة.

ففي المراحل الأولى من الأزمة، وتحديدا في إبريل 2020، أعلن ما يقرب من نصف حكومات العالم عن تدابير حماية اجتماعية لدعم دخول العمال والموظفين وحماية الوظائف وتوفير الرعاية الصحية والحماية من المرض والإمداد بالسلع الغذائية الضرورية وإعانات السكن.

وتفاوتت حصة البلدان التي اتخذت هذه التدابير عبر المناطق. وكانت أقل تلك الحصص من نصيب الدول العربية بنسبة 33%، في مقابل 39% في أفريقيا، و44% في آسيا والمحيط الهادئ، و51% في الأميركتين، و69% في أوروبا وآسيا الوسطى.

المساهمون