كورونا باب جديد للفساد في العراق: "خوّات" على أصحاب المحال

كورونا باب جديد للفساد في العراق: "خوّات" على أصحاب المحال لتفادي الإغلاق

01 يوليو 2021
دفع رشىً للقوى التي تسيطر على الأسواق (Getty)
+ الخط -

وجد سيف، صاحب أحد المطاعم الفخمة في بغداد، نفسه مرغماً على دفع الرشاوى ليواصل فتح أبواب مطعمه ضمن ساعات حظر التجول، فتلك الإجراءات التي يفترض بها تأمين حماية من فيروس كورونا فتحت باباً جديداً أمام الفساد والرشوة.

فبعد ستة أشهر من إغلاق تام في عام 2020، قرر سيف، الذي فضّل عدم كشف اسمه الكامل واسم مطعمه، خشيةً من التداعيات، أن يواصل العمل ضمن ساعات حظر التجول (من التاسعة مساءً حتى الخامسة صباحاً)، كما العديد من جيرانه في حيّ الكرادة التجاري في وسط بغداد.

يروي سيف لوكالة فرانس برس أنه يتعرض "للابتزاز من قبل عدد من الأجهزة الأمنية المسيطرة" في الحيّ ليدفع الرشوة، في مقابل السماح له بالعمل ضمن الأوقات المحظورة.

وفي بلد يشكّل فيه الفساد آفة مزمنة ويحتل المرتبة الـ 21 في العالم في سلّم الفساد، حسب منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، توصد المطاعم أبوابها وتطفئ أنوارها الخارجية، لكنها تواصل العمل سراً بعد ترتيب الأمور مع بعض الفصائل والقيادات العسكرية.

وكلّف الإغلاق الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم خسائر، متوسطها 65% من مداخيلها بين شباط/ فبراير وأيار/ مايو 2020، بحسب الأمم المتحدة، فيما أرغمت على تسريح 25% من موظفيها. وهي خسائر مادية لا تعوّض عنها السلطات في بلد كان فيه لكوفيد-19 أثر عميق في الاقتصاد، ولا سيما مع تراجع أسعار النفط.

يضيف سيف أنه سرعان ما أصبحت "بعض أجهزة الأمن شريكاً حقيقياً في عملنا"، مضيفاً: "نحن مضطرون إلى أن ندفع 500 ألف دينار (حوالى 350 دولاراً) أسبوعياً حتى يسمحوا لنا بفتح المطعم" لاستقبال الزبائن غير الآبهين كثيراً لانتشار الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 17 ألف شخص في العراق منذ بدء الجائحة.

ومبلغ 350 دولاراً ليس كبيراً مقارنةً بما تكلّفه ممارسات الرشوة والتهرب الضريبي المنتشرة في العراق في كل القطاعات. فقد خسر العراق 450 مليار دولار جراء الفساد نقل ثلثها إلى خارج البلاد، منذ عام 2003، ما يساوي نصف عائداته النفطية.

أما زياد، وهو صاحب مقهى في منطقة مشهورة تاريخياً بمطاعمها في العاصمة وتجذب جيل الشباب، فحاول تجنّب تلطيخ يديه بدفع الرشاوى، لكن محاولاته لم تفلح.

ويقول لوكالة فرانس برس: "إذا رفضت دفع الرشوة، أرى أن جميع من حولي يواصلون عملهم، فيما أنا الوحيد الذي يطبّق عليه القانون" ولذلك "أقوم بالدفع حتى أفتح أنا أيضاً المقهى الخاص بي".

يريد من جهته أبو محمد صاحب أحد المقاهي الصغيرة أن ينقذ عمله ويدفع الرشوة ليستمرّ بتقديم الشاي والنرجيلة لزبائنه، لكنه يجهل لأي جهاز أمني عليه أن يقدّم الأموال ليتاح له العمل من دون مشكلات.

ويروي لوكالة فرانس برس: "يمرّ عليّ ضباط من الأمن الوطني والنجدة والاستخبارات والشرطة الاتحادية، ولا أعرف ما إذا اتفقت مع إحدى تلك الجهات (على الدفع) كيف سأتعامل مع الجهة الأخرى"، وذلك نتيجة تنوع أجهزة إنفاذ القانون في البلاد. لذا، فضّل التزام ساعات الإغلاق.

في المقابل، وفي بلد يعدّ رسمياً 22 ألف مطعم يوظّف نحو مليوني شخص، يلجأ أصحاب مطاعم آخرون للواسطة، ليواصلوا عملهم من دون أن يضطروا إلى دفع الرشوة لمجرد معرفتهم بمسؤول كبير ما، كما قال أحد أصحاب المطاعم لوكالة فرانس برس.

وأوضح أنه "في الوقت الذي ترغمنا بعض الأجهزة الأمنية على إغلاق المطعم، نرى أن هناك مطعماً قريباً يعمل بشكل طبيعي، وحينما نسأل عن السبب يكون الجواب (الواسطة)".

كذلك، بعد إغلاق طويل عادت الملاهي الليلية لفتح أبوابها في وسط بغداد متجاهلة الإجراءات الرسمية التي تمنع التجمعات الكبيرة. لكن بات عليها دفع رشوة مضاعفة عن تلك التي كانت تدفعها أصلاً للعمل بشكل سلس قبل تفشي وباء كوفيد-19.

ويروي أحد أصحاب النوادي الليلية، قائلاً: "أصبحنا مضطرين إلى الدفع لجهات أمنية إضافة إلى ما ندفعه لبعض الفصائل التي توفر الحماية لنا أساساً".

ولا يجرؤ أصحاب الملاهي ومحلات الخمور على عدم الدفع، لأنهم مهددون بتفجير متاجرهم في هجمات تتكرر دوماً، وتقف خلفها جماعات مسلحة غالباً ما تكون مرتبطة بفصائل وأحزاب عراقية، تصفّي حساباتها مع المتهربين من الدفع على طريقة المافيا كما في أنحاء أخرى من العالم.

وترى الشرطة أن هذه الأموال ليست سوى حلقة صغيرة من سلسلة رشوة متعددة الأطراف، إذ يوضح مصدر في الشرطة أن جزءاً من الأموال التي يتقاضاها الضباط الصغار يذهب إلى من هم أعلى رتبة منهم، الذين وصل بعضهم إلى منصبه أصلاً أيضاً بدفع الرشوة.

ويقرّ مسؤول في قيادة عمليات بغداد، أعلى سلطة أمنية في العاصمة، بوجود ظاهرة تلقي الرشوة، مؤكداً أنه رغم اتخاذ إجراءات في حق المخالفين ونقل بعضهم إلى مواقع أخرى، لم يؤد ذلك إلى نتيجة "فأصحاب المصالح أنفسهم لا يقدمون شكاوى ضد المبتزين".

(فرانس برس)

المساهمون