كلفة الزواج عبء ثقيل يُرهق شباب تونس

13 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 01:57 (توقيت القدس)
عروس بدوية في توزر، تونس، 28 أكتوبر 2024 (دومينيكا زارزيكا/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الزواج في تونس أصبح مكلفًا بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، حيث تتراوح تكاليفه بين 20 و50 ألف دينار، مما يدفع الشباب لتأجيل أو إلغاء خطط الزواج.
- غياب التسهيلات المالية مثل حظر الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة يزيد من صعوبة الزواج للشباب محدودي الدخل، ويؤدي إلى ركود تجاري وصعوبة في تقسيط تجهيزات البيوت.
- الخبراء يرون أن ارتفاع كلفة الزواج يتطلب تدخل الدولة والمجتمع لتعديل الأسعار ودعم الأسرة، لضمان التوازن الاجتماعي والقدرة الشرائية.

لم يعد الزواج في تونس مجرد خطوة اجتماعية عادية، بل تحول في السنوات الأخيرة إلى مشروع مكلف يرهق كاهل الشباب ويجعل حلم الاستقرار بعيد المنال نتيجة تصاعد الغلاء وغياب تسهيلات تمويلية لمساعدة الشباب على بناء الأسر. وخلال السنوات الأخيرة شهدت كلفة الزواج زيادات صاروخية نتيجة تداعيات التضخم وتزايد أسعار مختلف مستلزمات وخدمات الأعراس، ما يجبر الشباب على تأجيل مشاريع الزواج أو إلغائها لأسباب اقتصادية بحتة.

وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن كلفة الزواج في تونس تتراوح بين 20 و50 ألف دينار حسب الجهات والمستوى الاجتماعي، وقد تصل إلى أرقام أكبر في المدن الكبرى في المحافظات الكبرى. وتوزع كلفة الزواج بحسب العادات التونسية بين الهدايا والمهر وولائم الطعام وحفلات الزواج إلى جانب تأثيث المنزل وهي الكلفة الأثقل، التي قد تصل في المتوسط إلى 30 ألف دينار (11 ألف دولار).

ويؤكد الشاب التونسي مروان (35 سنة) أنه لم يعد يفكر في الارتباط حاليا، بسبب تباعد كلفة الزواج وحقيقة إمكاناته وغياب كل التسهيلات التي تحفز الشباب على بناء أسر جديدة. وقال لـ"العربي الجديد": لا يتجاوز راتبي 1500 دينار (520 دولارا) ولا أرى أني قادر على بناء أسرة بهذا الدخل الضعيف الذي قد أضطر لدفع نصفه مقابل إيجار غرفتين وصالة". ويقر مروان بأن عوائق اقتصادية ومالية بحتة تقف أمام زواج الشباب وتتويج قصص حب قد يبددها نقص الأموال وفق قوله، مضيفا: "في السابق، كانت الأسر تساعد الشباب على الزواج لكن تداعيات الغلاء تطاول الجميع ولم تعد العائلات الموسعة قادرة على إسناد الشباب لفتح بيوت جديدة".

وبينت الإحصائيات أن عدد الأسر وصل إلى ثلاثة ملايين و472 مليونا و188 أسرة بمتوسط حجم لا يزيد على 3.45 أفراد، وأن البلاد تسير نحو التهرّم السكاني نتيجة تسجيل نسبة نمو سلبية للسكان في عدد من المحافظات، وبلوغ متوسط العمر للتونسيين 35.5 عاماً نتيجة تراجع مؤشرات الخصوبة مقابل ارتفاع مؤشرات الإعالة الديمغرافية لكبار السن، ومؤشر الشيخوخة. كما أظهرت معطيات المعهد الوطني للإحصاء أن متوسط سن الزواج ارتفع ليتجاوز 33 سنة لدى الذكور و30 سنة لدى الإناث.

وينتقد مروان غياب كل أشكال التسهيلات المالية لتحفيز الشباب على الزواج، مؤكدا أن وسائل تقسيط شراء تجهيزات البيوت أصبحت ممنوعة منذ حظر استعمال الشيك وسيلة دفع مؤجلة. ومنذ فبراير/شباط الماضي، بدأت تونس بتطبيق قانون جديد جرى بموجبه حظر استعمال الشيك البنكي وسيلة خلاص مؤجلة الدفع، ما حرم المواطنين من أهم آلية تقسيط متداولة منذ عقود وتسبب في ركود تجاري.

وقال مروان: "لا توفر البنوك آليات لتسهيل الدفع أو قروضا ميسرة للمساعدة على الزواج، ما يجعل الأمر شبه مستحيل لطيف واسع من الشباب محدودي الدخل". ويفرز ارتفاع تكاليف الزواج مجموعة من الظواهر الاجتماعية المقلقة أبرزتها نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى التي جرى نشرها أخيرا من معهد الإحصاء الحكومي.

وفي السياق، يقول رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي إن عزوف الشباب عن الزواج مرده تراجع القدرة الشرائية وتفاقم البطالة وارتفاع كلفة الزواج إلى مستويات قياسية تجاوزت عشرات الأضعاف لمتوسط الدخل الأسري في تونس. وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ارتفاع كلفة الزواج في تونس لم يعد مجرد ظاهرة اقتصادية، بل تحول إلى قضية مجتمعية شاملة تتطلب معالجة متكاملة من الدولة والمجتمع. وأضاف أن الحفاظ على التوازن الاجتماعي يبدأ بدعم الأسرة وتسهيل تكوينها، بجعل أسعار مستلزمات الزواج قريبة من الواقع الاقتصادي للشباب.

وأشار إلى أن سياسة التحرير الشامل لأسعار الخدمات أدت إلى تفاقم الكلفة مطالبا بضرورة تدخل الدول لتعديل بوصلة الأسعار عبر تحديد هيكلة الأسعار ووضع سقف أقصى لهوامش الربح سواء على مستوى السلع أو الخدمات. وتابع: "يجب أن تتدخل الدولة لإعادة ترشيد الأسعار بآليات جديدة تُفضي إلى تحقيق التوازن بين القدرة الشرائية للمواطنين وواقع السوق".

المساهمون