كفالات وهمية تستنزف العمالة الوافدة في الأردن

كفالات وهمية تستنزف العمالة الوافدة في الأردن

05 يونيو 2022
عامل وافد يعمل في الزراعة بالأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

كشف المرصد العمالي الأردني عن انتهاكات عدة تتعرض لها العمالة الوافدة، منها تدني الأجور وطول ساعات العمل وسوء المعاملة وغياب الحماية الاجتماعية، لكنه أشار إلى أن أخطر الانتهاكات يتمثل في استمرار العمل بما يسمى بـ"نظام الكفالة" والذي يزيد من حجم المشاكل التي يواجهونها.

وبموجب نظام الكفالة فإن كثيرين من أصحاب العمل يخصمون رسوم الكفالة من رواتب العمال بدلاً من أن يتحملوها، كما أنه باب للكفالة الوهمية، إذ يضطر الكثير من الوافدين لشراء الكفالة التي تتفاوت قيمتها من مجال إلى آخر، مقابل تسجيلهم رسمياً في وزارة العمل.

ويؤكد تقرير صادر عن المرصد العمالي اطلعت "العربي الجديد" عليه، أن الظروف السيئة التي يتعرض لها العمال ترغمهم على شراء الكفالة ودفع الكلف المترتبة عليها من حسابهم الشخصي، من خلال البحث عن أشخاص لا يعرفونهم حتى، وذلك في سبيل العمل والتنقل بحرية دون قيود.

وقال رئيس المرصد أحمد عوض لـ"العربي الجديد" إن نظام الكفالة المطبق في الأردن ودول أخرى يجري استغلاله من قبل سماسرة تصاريح العمل لدرجة أنه يدخل ضمن تصنيفات الاتجار في البشر، حيث يجري استغلال حاجة العامل للتصريح والكفالة لفرض مبالغ مالية عليه من جانب أصحاب أعمال وهميين.

وأضاف عوض أنه بحسب شهادات عمال وافدين، فإن نظام الكفالة يقيد حرية عملهم وتنقلهم داخل الأردن وخارجه ويعرضهم للظلم ولا يضمن لهم أبسط الحقوق بما فيها الأجر الذي يحصلون عليه ويقولون إنه لا يتناسب والجهد المبذول، ما يدفعهم للبحث عن طرق وأساليب أخرى لتخفيف القيود.

يقول إبراهيم المصري، وهو عامل وافد من مصر يسكن في محافظة إربد شمال الأردن ويعمل في قطاع الإنشاءات منذ 42 عاماً، إنه ظل لسنوات طويلة يعمل لدى صاحب عمل بنظام الكفالة، لكنه كان يحصل على أجر متدن لا يتجاوز 150 ديناراً شهرياً وبساعات عمل تصل إلى 16 ساعة يومياً، كما أن المسكن الذي وفره صاحب العمل غير مؤهل للعيش اللائق.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويشير المصري، وفق المرصد العمالي إلى أن هذه الظروف دفعته للتفكير في حلول لتحسين الوضع، لذا قرر منذ سنوات شراء الكفالة بنفسه ودفع الكلف المترتبة كاملة فبحث عن صاحب عمل وهمي، مضيفا "ندفع في سبيل الحصول على حرية التنقل والتخلص من القيود المفروضة علينا مع أننا نعرف جيداً أنه أمر يعرضنا للمساءلة والاستغلال المالي إلا أنه لا بديل".

يؤكد أن أكثر من صاحب عمل قد كفله خلال السنوات الماضية ويدفع كل سنة ما يقارب 1500 دينار، مضيفا: "غالبا لا أعرفهم، نلتقي فقط يوم الحصول على الكفالة، أدفع المبلغ المطلوب وأحصل على الكفالة وبعدها أصبِح حراً أعمل بنظام المياومة دون أي قيود".

ويتابع قائلا إن ظروفه المعيشية صعبة، ولم يكن يستطيع دفع هذا المبلغ كل عام، مضيفًا "لدي أسرة مكونة من سبعة أشخاص وأعاني أمراضاً مزمنة واشتري أدوية بقيمة 60 ديناراً شهرياً ولا أملك أي حماية اجتماعية. العمل لا يستحق كل هذا التعب".

ويأمل العمال الوافدون في إلغاء نظام الكفالة والتعامل مباشرة مع الحكومة دون وسطاء. وقال وافد آخر يعمل في الزراعة إنه منذ أكثر من عشر سنوات يدفع نحو ألف دينار كل عام بينما تبلغ قيمة الكفالة رسمياً 400 دينار، مضيفا: "كي أستطيع العمل بحرية دون التعرض لقيود من صاحب الكفالة، اشتريها من شخص لا أعرفه، وأدفع مئات الدنانير فوق قيمتها الفعلية".

وأشار إلى أن الأمر "لا يستحق العناء الذي أتعرض له، غير أنه لا بديل آخر، فأنا لا أعرف صاحب الكفالة ولا يتدخل بعملي أو يفرض قيودا عليّ، إلا أنني أتعرض للاستغلال من خلال دفع مئات الدنانير الأخرى فقط ليسمح لي بالعمل!".

من جانبه، يقول حمادة أبو نجمة، الخبير في قضايا العمل والعمال، إن شراء العمالة المهاجرة الكفالة من "سماسرة" هو إجراء غير قانوني لكنّ ما دفع العمالة للتفكير بهذه الطريقة هو الانتهاكات التي يتعرضون لها.

يوضح أبو نجمة أن "بعض العمّال يفضلون عدم التقيد بصاحب عمل ويبحثون عن كفيل شكلي، وهو ما يعرف بالكفيل الوهمي، الذي يذهب إلى وزارة العمل ويسجل العامل على أنه يعمل لديه ويحصل على كفالة للعمل، مقابل مبلغ يقارب 700 دينار في كل سنة، ليكون وضع العامل قانونيا أمام الجهات الرسمية".

يضيف أن العمالة المهاجرة في ظل نظام الكفالة تتعرض لعدة أشكال من الانتهاكات تطاول حق التنقل داخل وخارج البلاد واختيار العمل وحرية التعاقد مع أي جهة للعمل، والعطلات والإجازات، والأجور وساعات العمل الطويلة، وتعرض العامل للضغط والتهديد.

ويرى أبو نجمة أن شراء الكفالة "ليس حلاً" ويعتبر نوعا من الاستغلال، كما أنه يعرض العامل في أي وقت للتسفير إلى بلده مع اكتشاف أنه يعمل دون كفيل حقيقي، مشيرا إلى أن الحل الأمثل لضمان حقوق جميع الأطراف هو "استحداث نظام بديل لهذا النظام، يضمن حقوق العمال ضمن المعايير الدولية، ويكون للعامل حرية السفر والتنقل والعمل واختيار صاحب العمل".

ووفق منظمة العمل الدولية، يعرف "نظام الكفالة" بأن يتحمل الكفيل (صاحب العمل) مسؤولية أفعال العامل المهاجر الذي يأتي به إلى البلاد ومسؤولية سلامته، فضلاً عن تمتعه بصلاحية التحكم بحركة ذلك العامل وعمله. وهو ما يشكل تقييدا للعامل وعدم قدرته على تغيير صاحب العمل أو مغادرة البلاد إلا بموافقته.

ويقدر المرصد العمالي عدد العمالة المهاجرة في الأردن بنحو مليون عامل وعاملة، منهم ما يقارب 348 ألف عامل يمتلكون تصاريح عمل وفق أرقام وزارة العمل لعام 2021، وعدد كبير منهم يعمل بنظام الكفالة، الأمر الذي يشكل تهديداً للعمالة المهاجرة ويعرض العاملين إلى انتهاكات عديدة.

كما يقدر عدد العمال غير المسجلين لدى وزارة العمل بنحو 600 ألف عامل، تشكل العمالة المصرية الجزء الأكبر منها، تليها العمالة السورية التي تزايدت بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية، وفق ورقة تقدير موقف صادرة عن المرصد العمالي عام 2020، بعنوان "العمالة المهاجرة في الأردن: تحديات مضاعفة خلال جائحة كورونا".

ويشير المرصد العمالي إلى ضرورة تنظيم وضبط سوق العمل لوضع حد للفوضى الكبيرة التي يعاني منها السوق، وتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة المهاجرة للحفاظ على حقوقهم.

ويتخوف مدافعون عن حقوق العمال من تزايد الانتهاكات بحق العمالة الوافدة وسط الظروف الاقتصادية القاسية التي تشهدها معظم الدول العربية في ظل انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا وتراكمات تداعيات جائحة كورونا.

المساهمون