كشف المستور في قروض الصندوق

كشف المستور في قروض الصندوق

13 أكتوبر 2021
البنك المركزي المصري (Getty)
+ الخط -

بعد ثورة يناير / كانون الثاني 2011، سعت حكومات مصر المتتالية للحصول على قرض صندوق النقد الدولي أملاً في الخروج من أزمة تنامي عجز الحساب الجاري في البلاد شهراً بعد الآخر.

وتسبُب ذلك في أزمة طاحنة للعملة المصرية، تراجع معها احتياطي النقد الأجنبي المصري بصورة واضحة. وبعد الحصول على قرض الصندوق، اعتبر البنك المركزي أن القرض يعد "شهادة ثقة من المؤسسة الدولية للاقتصاد المصري".

كانت تكلفة شهادة الثقة المزعومة عالية جداّ على المصريين بعد الحصول على قرض الاثني عشر مليار دولار في نهاية العام 2016، حيث بدأت مرحلة انخفضت فيها القيمة الحقيقية لدخولهم وثرواتهم بعد تراجع قيمة العملة، وارتفعت فيها أسعار كل شيء تقريباً بسبب إلغاء أو تقليص الدعم الحكومي لأسعار الكهرباء والوقود والماء والخبز، وفُرض فيها الكثير من الضرائب والرسوم على المصريين، وما زال هذا النهج مستمراً بعد مرور خمس سنوات تقريباً من الحصول على القرض.

لا يوزع الصندوق أمواله بالمجان، فهو يحصل على فائدة على الأموال التي يقوم بإقراضها للدول، ويعمل على تعظيم العائد على تلك الأموال

وافقت الحكومة المصرية على إملاءات الصندوق على أساس أن القرض هو الملاذ الوحيد لمواجهة أزمة اقتصادية طاحنة، وظروف سياسية واجتماعية غير مستقرة، إلا أن وعود التنمية لم تتحقق، ولم يجن المصريون إلا ارتفاعاً في تكاليف المعيشة، وصعوبات في مقابلة التدابير اللازمة.

لا فرق في ذلك بين الشاب الذي يسعى لتكوين أسرة، والأسرة التي تجاهد لتوفير لقمة العيش لأبنائها، وبدا واضحاً وقتها أنه رغم الشعارات الزائفة والرنانة، فإن الصندوق لا يعنيه إلا توظيف ما يتوفر لديه من فوائض، وتحقيق أفضل عائد عليها.

تكرر الأمر بعد أزمة جائحة كورونا، التي تسببت في تراجع إيرادات السياحة الواردة لمصر بصورة واضحة، وهروب الأموال الساخنة المستثمرة في أدوات الدين بالعملة المصرية، فاضطرت الحكومة المصرية للجوء مرة أخرى إلى الصندوق، وحصلت على 5.2 مليارات دولار، قال الصندوق عنها إنها "تضع مصر على أرض صلبة لتحقيق الانتعاش المستدام".

كما حصلت مصر في شهر مايو/ أيار 2020 على قرض طارئ من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.77 مليار دولار.

لا يوزع الصندوق أمواله بالمجان، فهو يحصل على فائدة على الأموال التي يقوم بإقراضها للدول، ويعمل في أغلب الأحوال على تعظيم العائد على تلك الأموال.

وقبيل نهاية الشهر الماضي، أصدر مركز أبحاث السياسة والاقتصاد، أحد أهم مراكز الأبحاث الاقتصادية في واشنطن، تقريراً أكد فيه حصول الصندوق على رسوم إضافية على المبالغ التي يقوم بإقراضها، وأن تلك المبالغ "يمكن أن يكون لها تأثير ضار على اقتصادات البلدان التي تواجه صعوبات اقتصادية عميقة" إذ تضطر البلدان المقترضة إلى تحويل جزء لا يستهان به من إيراداتها بالعملة الأجنبية لسداد ديونها، والفائدة المحتسبة عليها، والرسوم الإضافية، بدلاً من إنفاقها على ما يفيد المواطنين، عندما تكون تلك البلدان المثقلة بالديون في أمس الحاجة إليها.

وأشار التقرير إلى أن الرسوم الإضافية التي يفرضها الصندوق على القروض تتعارض مع بنود اتفاقية صندوق النقد الدولي، التي تنص على أن إقراض الصندوق لا ينبغي أن يكون "مدمراً للازدهار الوطني أو الدولي".

الرسوم الإضافية لصندوق النقد الدولي تعاقب البلدان الأكثر احتياجاً لمجرد كونها في حاجة شديدة للمساعدة، وأنها تصل إلى 45%

وقال مارك ويزبروت الذي شارك في إعداد التقرير إن الرسوم الإضافية "أداة ضارة وتأتي بنتائج عكسية على الدول التي تتحملها"، وطالب الصندوق بتقديم سبب مشروع أو مبرر لها، خصوصاً مع الاستمرار في فرضها على المقترضين.

وأوضح تقرير مركز الأبحاث الأميركي أن الرسوم الإضافية تفرض تكلفة إضافية أعلى بكثير من معدل الفائدة الأساسي المطبق على القروض الأكبر والأطول، مقدراً التكلفة الإضافية لتلك الرسوم خلال الفترة بين عامي 2018 و2029 بنحو 3.3 مليارات دولار، بالعملة الصعبة، من الأرجنتين، و1.8 مليار دولار من مصر، و1 مليار دولار من الإكوادور، و581 مليون دولار من باكستان، و359 مليون دولار من أوكرانيا.

وجاء في التقرير أن "الرسوم الإضافية لصندوق النقد الدولي تعاقب البلدان الأكثر احتياجاً لمجرد كونها في حاجة شديدة للمساعدة، وأنها تصل إلى 45% مما يتعين سداده للصندوق بخلاف أصل المبلغ المقترض، وأن الصندوق يطالب البلدان المقترضة بمدفوعات أعلى في وقت تكون فيه في أشد الحاجة إلى السيولة".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبعد إعلان الصندوق العام الماضي تقديم مليارات الدولارات للبلدان الفقيرة لمساعدتها على الخروج من أزمة الجائحة وما تسببت فيه من تداعيات سلبية على الاقتصادات المحلية، قدرها بنحو 53 قرضا كبيرا جديدا، يقول تقرير مركز الأبحاث إن "هذه البلدان يمكن أن تضطر لدفع رسوم إضافية للصندوق بدلاً من استخدام تلك الأموال في مساعدة شعوبها التي تعاني من مشكلات صحية ومالية بسبب الوباء".

ولتوضيح حجم المأساة، يقول التقرير إن الرسوم الإضافية التي ستتحملها الأرجنتين خلال الفترة من 2018 – 2023 تماثل تسعة أضعاف التكلفة المطلوبة لتوفير جرعتي المصل لكل مواطنيها، وإن 64 دولة أنفقت على خدمة الديون التي حصلت عليها من الصندوق أكثر مما أنفقت على خدمات الرعاية الصحية لمواطنيها.

اضطرت البرازيل إلى إعادة ما اقترضته من الصندوق قبل حلول موعد السداد، لتتخلص من هذا الكابوس عام 2005، وهو نفس ما فعلته الأرجنتين عام 2006

أيضاً، أشار التقرير إلى النتائج الكارثية التي تسبب فيها تدخل الصندوق في وضع السياسات الاقتصادية في البرازيل بعد إقراضها خلال فترة التسعينيات، إذ لم ينمُ الاقتصاد خلال الفترة من 1995 – 2002 إلا بمعدل 0.4% سنوياً، وتأخر تطبيق أجزاء حيوية من برنامج حزب العمال الاقتصادي بسبب التزام الحكومة التي حصلت على القرض قبل وصول حزب العمال للسلطة أمام الصندوق بتحقيق فائض في الموازنة العاملة للدولة يساوي نسبة 3.75% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد.

واضطرت البرازيل في نهاية الأمر إلى إعادة ما اقترضته من الصندوق قبل حلول موعد السداد، لتتخلص من هذا الكابوس عام 2005، وهو نفس ما فعلته الأرجنتين عام 2006، حيث سددت مبلغ 9.8 مليارات دولار سداداً معجلاً، قبل أن يصل إلى الحكم رئيس جديد ويطلب الحصول على قرض جديد بعدها بسنوات قليلة.

ووصف التقرير قروض الصندوق بأنها أصبحت أداة سياسية وانتخابية قوية في العديد من البلدان، فهل يمكن للعرب أن يتعظوا قبل خراب مالطة؟

المساهمون