استمع إلى الملخص
- لتحقيق نمو مستدام، يجب تحويل الاكتشافات العلمية إلى منتجات مبتكرة، مع استثمارات في التقنيات التمكينية لخلق فرص عمل جديدة وتجنب الاعتماد على الأتمتة فقط.
- لضمان توزيع عادل للفوائد الاقتصادية، يجب تعديل السياسات الضريبية لدعم الاستثمارات في التقنيات المولدة للوظائف، وتعزيز الابتكار في الشركات الصغيرة، وتحسين إنتاجية العمال في المناطق الأقل تطوراً.
تتجه المملكة المتحدة نحو مستقبل يتصدره الذكاء الاصطناعي ليكون محركاً رئيسياً للنمو. يشرح البروفيسور كارل فراي، الأستاذ المشارك في الذكاء الاصطناعي بمعهد أكسفورد للإنترنت، تفاصيل الخطة وأهدافها...
*سلطت الحكومة الضوء على قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز الإنتاجية 1.5% سنوياً. هل هذا ممكن فعلاً؟
تحقيق نمو اقتصادي مستدام بنسبة 1.5% سنوياً يمثل هدفاً طموحاً للغاية. ولإدراك أبعاد هذا الطموح، يجب استحضار الابتكارات التاريخية الكبرى، مثل الكهرباء والطاقة البخارية والاتصالات والمحركات وأجهزة الكمبيوتر التي لعبت أدواراً محورية في تحقيق فترات من النمو الاقتصادي المرتفع.
واليوم، إذا كنا نسعى لتحقيق مستوى مماثل من النمو المستدام، فإن الذكاء الاصطناعي يجب أن يركّز على تسريع الابتكار العلمي واعتماد هذه الابتكارات على نطاق واسع. في الوقت الحالي، تهتم معظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بأتمتة العمليات القائمة لتحسين الإنتاجية. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها تمثل بداية المسار فقط. فكما شهدنا في الثورات التكنولوجية السابقة، كانت الأتمتة مجرد البداية. على سبيل المثال، لو توقفت الثورة الصناعية عند تحسين إنتاج المنسوجات فقط، لما تحققت اختراعات جوهرية مثل اللقاحات وأجهزة الكمبيوتر والطائرات.
الثروة الحقيقية والإنتاجية المتصاعدة في التاريخ لم تأتِ من تحسين العمليات فحسب، بل من تطورات جديدة أحدثت تغييرات جذرية.
*ما هي التحديات التي يجب معالجتها لجعل هذه الرؤية حقيقة؟
لكي يساهم الذكاء الاصطناعي بفاعلية في تحقيق نمو مستدام يجب أن يركز على تعزيز الاكتشافات العلمية وتحويلها إلى منتجات مبتكرة قابلة للتسويق، قادرة على إحداث تغييرات جوهرية وإنشاء صناعات جديدة تماماً. ومع ذلك، فإن هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً ولن تحقق نتائج ملموسة خلال عام أو عامين. ورغم أن الأتمتة تقدم مكاسب فورية، إلا أن هذه المكاسب تواجه حدوداً مع مرور الوقت.
لتحقيق نمو طويل الأمد ومستدام، ينبغي أن يتم توجيه الجهود نحو الاستثمار في ابتكارات رائدة وصناعات غير مسبوقة تضمن استمرار عجلة الإنتاجية والنمو لعقود قادمة.
*كيف يمكن لصناع السياسات ضمان تحويل المكاسب الاقتصادية المتوقعة من الذكاء الاصطناعي إلى فوائد ملموسة للعاملين، مثل تحسين الأجور ورفع مستويات المعيشة؟
لتحقيق تحسينات ملموسة في الأجور ومستويات المعيشة من خلال الذكاء الاصطناعي، يجب أن يُستخدم هذا المجال كأداة لخلق صناعات ومنتجات جديدة بدلاً من التركيز فقط على أتمتة العمليات الحالية. لا يمكن اعتبار التقديرات الخاصة بالنمو الاقتصادي المتوقّع أمراً مضموناً، بل يتطلب ذلك جهوداً فعالة لضمان ترجمة تلك المكاسب إلى فوائد ملموسة للعاملين.
تنقسم التكنولوجيا بشكل عام إلى نوعين: تقنيات الأتمتة التي تهدف إلى استبدال العمالة البشرية والتقنيات التمكينية التي تركّز على الإبداع وابتكار صناعات جديدة. ورغم أن الأتمتة تساهم في زيادة الإنتاجية، إلا أنها تميل إلى خفض الأجور وزيادة التفاوت الاقتصادي.
في المقابل، تمتلك التقنيات التمكينية القدرة على تحقيق نمو اقتصادي أكثر عدالة، من خلال تعزيز الابتكار وخلق فرص عمل جديدة.
*كيف يمكن جذب الاستثمارات أكثر إلى هذا القطاع؟
هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في النظام الضريبي لتحفيز الشركات على الاستثمار في التقنيات التي تساهم في خلق الوظائف بدلاً من تلك التي تستبدل العمالة. في العقود الأخيرة، شهدنا زيادة في الضرائب على الأجور في حين انخفضت الضرائب على رأس المال، وهو ما شجّع الشركات الكبيرة على تبني تقنيات تقلل الاعتماد على العاملين. إذا أردنا تغيير هذه الديناميكية، يجب أن نعمل على سد هذه الفجوة الضريبية لضمان استثمارات تعود بالفائدة على الاقتصاد ككل.
وبما أنّ الشركات الصغيرة تلعب دوراً محورياً في الابتكار، حيث تميل إلى التركيز على تطوير منتجات وصناعات جديدة أكثر من الشركات الكبيرة التي تسعى عادة لخفض التكاليف وتحسين العمليات من خلال الأتمتة، من الضروري تقليل الحواجز التي تواجه الشركات الصغيرة لدخول السوق وتشجيعها على المنافسة وإطلاق الابتكارات التي يمكن أن تساهم في بناء صناعات المستقبل.
ولضمان تحقيق نمو اقتصادي مستدام وعادل، يجب العمل على سياسات تعزّز المنافسة وتدعم الشركات الصغيرة وتعدّل النظام الضريبي لخلق بيئة اقتصادية تعزّز الابتكار بدلاً من الأتمتة وحدها.
*ما هو الدور الذي تراه للذكاء الاصطناعي في دفع النمو الاقتصادي خارج لندن؟
من الناحية التقليدية، تتركز الصناعات التكنولوجية الجديدة في مراكز كبرى مثل لندن، التي تظل حجر الزاوية في الاقتصاد البريطاني. ومع ذلك، يمكن توسيع نطاق النمو ليشمل مناطق أخرى من المملكة المتحدة من دون أن يكون ذلك على حساب دور لندن المحوري. العمل عن بُعد، الذي ازداد شيوعاً في السنوات الأخيرة، يفتح الباب أمام تعزيز النمو الإقليمي بشكل أوسع.
الأجور في المدن الصغيرة والمناطق الريفية غالباً ما تكون أقل مقارنة بلندن، كما أن تكاليف السكن هناك أيسر. هذا التفاوت يوفر للشركات فرصة لخفض التكاليف عبر نقل بعض الأنشطة إلى هذه المناطق.
*لكن القوى العاملة في لندن تُعرف بمهاراتها العالية وإنتاجيتها الكبيرة.
نعم، يقدّم الذكاء الاصطناعي التوليدي حلاً محتملاً لهذه الفجوة. على سبيل المثال، يمكن أن تُساهم أدواته في مساعدة المبرمجين على تحسين إنتاجيتهم وما إلى ذلك.
هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُعزز إنتاجية العمال ذوي الأجور المنخفضة، ما يجعل الاستثمار في القوى العاملة خارج لندن أكثر جدوى للشركات. وفي حال تم استغلال هذه الديناميكية بشكل صحيح، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُعيد توزيع الفرص الاقتصادية ويُساهم في انتشار أوسع للصناعات التكنولوجية في جميع أنحاء المملكة المتحدة. وبهذا، يتحقق توازن بين دعم النمو الإقليمي في المناطق الأقل تطوراً والحفاظ على مكانة لندن باعتبارها مركزاً اقتصادياً رئيسياً.