كابوس "أوميكرون"

كابوس "أوميكرون"

28 نوفمبر 2021
متحور أوميكرون يثير الذعر في أسواق المال والنفط (Getty)
+ الخط -

"وكأنّك يا بو زيد ما غزيت"، وكأنّ العالم لم يعرف من قبل علاجاً ناجعاً لفيروس كورونا المرعب، أو ينفق مليارات الدولارات لشراء لقاحات تقاوم الفيروس، وقبلها يضخ مليارات أخرى على الأبحاث والمعامل لاكتشاف الدواء الذي طال انتظاره.

ببساطة، عدنا إلى نقطة الصفر، واختلطت كلّ الأوراق والتوقعات، وبدأ الجميع يعيد حساباته بعدما كان يحصي الأرباح والخسائر من أسوأ أزمة صحية عرفها التاريخ.

المتحور تسبب في عودة الهلع والاضطرابات إلى أسواق المال والنفط والطاقة والسلع الأولية والمعادن والذهب وحتى العملات المشفرة

وبينما كان الاقتصاد العالمي يستعد للنمو والانطلاق وتحقيق انتعاشة قوية، خاصة على مستوى الإنتاج والتشغيل وحركة التجارة والسفر والأموال، وتعويض نحو عامين من الخسائر الفادحة التي قدرت بنحو 28 تريليون دولار على مدى 5 سنوات حسب أرقام صندوق النقد الدولي، فإذا بمتحور جديد لفيروس كورونا يظهر فجأة ليقلب الطاولة على الجميع، ويعيد أجواء الفزع والرعب إلى العالم وأسواقه وبورصاته وعملاته وفرص عمله وقطاعه الإنتاجي، وقبلها لقطاعه الصحي الذي تعرض لضغوط حادة ونزيف متواصل.

المتحور أو السلالة الجديدة التي يطلق عليها اسم "أوميكرون" ظهر لأول مرة، يوم الخميس الماضي، في جنوب أفريقيا، وتسبب في عودة الهلع والاضطرابات إلى أسواق المال والنفط والغاز الطبيعي والسلع الأولية والمعادن والذهب وحتى العملات المشفرة.

موقف
التحديثات الحية

وامتدت حالة الهلع تلك إلى البورصات العربية والخليجية التي اغلقت اليوم الأحد على هبوط جماعي تأثراً بموجة تراجع أسعار الأسهم في أسواق المال العالمية. فقد سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الأميركي، يوم الجمعة أسوأ يوم له منذ فبراير/ شباط الماضي، كما هبطت الأسهم الأوروبية بنسبة تتراوح بين 3% و5%.

كما امتدت تأثيراته المتحور الخطيرة إلى دول الأسواق الناشئة، خاصة أنه انطلق هذه المرة من دولة تنتمي إلى تلك الأسواق التي ما زالت تعاني من خسائر فادحة، ونزوح للأموال والاستثمارات الخارجية، وقبلها تكافح للخروج من المأزق الاقتصادي والمالي الذي سببته الجائحة.

ومع الكشف عن "أوميكرون" عادت حالة الاستنفار القصوى والطوارئ لمطارات العالم، حيث قامت العديد من الدول بإعادة فرض القيود على حركة الطيران القادمة من دول أفريقية، تفادياً لانتقال الفيروس إليها.

عادت حالة الاستنفار القصوى والطوارئ لمطارات العالم، حيث قامت العديد من الدول بإعادة فرض القيود على حركة الطيران القادمة من دول أفريقية

وتهاوت معدلات السفر فجأة، خاصة أن المتحور الجديد قد يدفع دولاً إلى إغلاق حدودها، مع تفشي الموجة الخامسة من الفيروس في دول أوروبية وزيادة عدد الإصابات.

الحكومات باتت تخشى من أن يتسبب انتشار هذا الفيروس الجديد في دفعها نحو الإغلاق التام للحدود والأسواق وقطاعات الإنتاج مرة أخرى، كما تخشى الدول النامية من وضعها ضمن قائمة الدول الحمراء عالية المخاطر، وبالتالي التأثير سلباً على القطاعات الاقتصادية المهمة بها مثل السياحة والطيران والخدمات وتحويلات المغتربين، والاستثمارات الأجنبية.

وإذا كان المثل يقول "مصائب قوم عند قوم فوائد"، وإنّ ظهور السلالة الجديدة أدى إلى تراجع أسعار النفط والطاقة حول العالم، وبالتالي تراجع أسعار المشتقات البترولية وكلفة الإنتاج، فإنّ خسائر "أوميكرون" الصحية والاقتصادية تفوق كثيراً مكاسبها، إذ يكفي أنّها أعادت أجواء الذعر حول العالم، وبالتالي زيادة المخاوف المتعلقة بالطلب والنمو العالمي، وعودة الهشاشة للاقتصاد الدولي.

يبدو أنّ بدء حصر الدول خسائرها من فيروس كورونا ومتحوراته بات خطوة مستبعدة في المستقبل المنظور، وأنّ طيّ هذه الصفحة لم يعد قريباً، وأنّ نزيف الاقتصاد العالمي سيتواصل، ومعه استنزاف المواطن وجيبه وحالته النفسية والصحية.