- تواجه قناة السويس تحديات اقتصادية كبيرة مع تراجع عدد السفن المارة وانخفاض الإيرادات بسبب التوترات الإقليمية، مما يزيد من حساسية تصريحات ترامب في وقت تسعى فيه مصر للحفاظ على مكانة القناة.
- دعا خبراء إلى عدم التسرع في الرد على تصريحات ترامب، مشددين على أهمية الحفاظ على سيادة مصر على القناة وعدم السماح لأي تدخل خارجي، مع استمرار التعاون العسكري دون المساس بالسيادة.
وسط تجاهل رسمي من الحكومة المصرية وهيئة قناة السويس، على بيان أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أمس الأول، يطالب فيه بالسماح للسفن الحربية والتجارية الأميركية بالمرور مجاناً عبر قناة السويس، تفجرت حملة شعبية وإعلامية واسعة، تندد بتصريحات ترامب، وتدعو الحكومة إلى إظهار "العين الحمراء" بوجه إدارة البيت الأبيض، التي تثير فوضى قانونية تنتهك سيادة الدول.
كتب الرئيس الأميركي أنه ينبغي السماح للسفن العسكرية والتجارية الأميركية بالمرور بقناة السويس وقناة بنما مجاناً، لأنه من دون الولايات المتحدة، لن تكون هذه القنوات المائية موجودة، مؤكداً في منشور له على منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي "تروث" أنه طلب من وزير الخارجية ماركو روبيو الاهتمام بهذا الوضع وتوثيقه على الفور.
نزيف خسائر قناة السويس
جاءت تصريحات ترامب في وقت تواجه قناة السويس نزيفاً يومياً من الخسائر الفادحة بالدخل، وتراجع عدد السفن المارة بالقناة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع توقف شركات الشحن الدولية الكبرى عن المرور بالقناة واستخدام المسار التجاري الضخم الذي يربط بين آسيا وأوروبا مروراً بالبحر الأحمر، لقيام جماعة الحوثي باليمن بقصف السفن الأميركية والإسرائيلية والمتحالفة معها في العدوان على قطاع غزة.
يقدر خبراء صندوق النقد الدولي عدد السفن الأميركية التي تمر بقناة السويس، بما بين 1000 و2000 سفينة سنوياً تمثل بين 5% و10% من إجمالي عدد السفن التي تصل إلى نحو 20 ألف سفينة في المتوسط، تحمل نحو 12% من الحركة التجارية العالمية، بما يشير إلى دفع السفن الأميركية رسوم عبور تقدر ما بين 500 مليون إلى مليار دولار بإجمالي إيرادات القناة. بحسب تصريحات رئاسية، تحقق قناة السويس خسائر بقيمة 800 مليون دولار شهرياً، بسبب انخفاض حركة المرور بالبحر الأحمر والقناة، منذ يناير/ كانون الثاني 2024.
سجلت قناة السويس أعلى إيراداتها عام 2023، قبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، بقيمة 10.25 مليارات دولار.
تشارك قناة بنما التي شقتها شركات أميركية أوائل القرن العشرين، مقابل امتياز إدارة، انتهى منذ ربع قرن، في 40% من حركة الحاويات المتجهة إلى الموانئ الأميركية، على مدار العام.
اعتبر خبير القانون الدولي واللواء السابق كمال يونس تصريحات الرئيس الأميركي هراء ليس لها أساس من الواقع، وبلا قيمة قانونية وسياسية، ومجرد "طق حنك"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن تصريحات ترامب تعكس عدم معرفته بالقانون الخاص الذي يدير قواعد المرور بقناة السويس، وفقاً لمعاهدة القسطنطينية 1881، التي وقعت بين عدة قوى كبرى في وقتها، تضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وإسبانيا وتركيا العثمانية، والتي لم تلغ السيادة المصرية على القناة، بل نظمت إدارة القناة، بما يضمن حرية الملاحة الدولية بها، ومع تأميم مصر لقناة السويس عام 1956، وضعت تحت السيادة الكاملة لمصر، وفقاً لمبدأ حرية الملاحة الدولية، وهو ما استقرت عليه الممارسات الدولية حتى اليوم.
يشير اللواء السابق إلى أن الاتفاقية الدولية تمنح إدارة القناة تحصيل رسوم العبور من كلّ السفن المارة بها، ولا يجوز بأي حال من الأحوال مخالفتها، وتستطيع الحكومة المصرية أو هيئة قناة السويس منع أي سفينة حربية أو تجارية أو شخصية، من المرور إذا لم تسدد الرسوم المقررة قانوناً. ويشدد على أنه لا يحق لـ"كائن من كان" أن يجبر الحكومة المصرية على العبور من دون إجراءات توافق عليها الدولة المصرية.
محكمة العدل الدولية
يقول خبير القانون الدولي: "يحق لمصر في حالة اتخاذ ترامب خطوات عملية تجاه نظام المرور بقناة السويس، التصدي لتلك الإجراءات فوراً، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي والمطالبة بمحاكمة عاجلة لترامب عن تصريحاته أو أفعاله التي يتخذها تجاه قناة السويس، والاستناد إلى أن قناة السويس جزء لا يتجزأ من الإقليم السيادي المصري، بموجب اتفاقية القسطنطينية والتأميم لعام 1956، ولا يمكن لأي طرف خارجي أن يفرض شروط مرور أو يطلب معاملة خاصة دون الرجوع إلى السلطات المصرية، وأنه على السفن الأميركية أن تدفع قيمة الرسوم من دون أي استثناءات مجانية، لأن مصر تسمح بفرض رسوم مرور عادلة وغير تمييزية".
ويؤكد يونس أن مصر يمكنها الدفع بأن منح امتياز لسفن دولة معينة مثل المرور المجاني للسفن الأميركية ينتهك مبدأ عدم التمييز والعدالة في التسعير، بما يخالف صراحة الاتفاقية الدولية، ويفقد القناة صفتها الدولية المحايدة.
بدوره، يدعو البرلماني السابق وأستاذ القانون الدولي بجامعة قناة السويس جمال زهران، الدولة إلى سرعة مواجهة التصريحات التي أطلقها ترامب، وإجراء مناقشات موسعة ومنفتحة أمام كل التيارات السياسية والمواطنين، تستهدف تعبئة الرأي العام، لمواجهة تصرفات ترامب التي تعكس قناعاته الشخصية وزمرة رجال الأعمال المحيطين به، الذين يريدون الخروج على نظام العولمة والنظام الدولي المستقر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بآخر يكرس "قانون الفوضى" ويوظف "البلطجة السياسية" في تغيير خريطة العالم.
يذكر زهران أن تصريحات ترامب حول قناة السويس، تأتي متسقة في ما ذكره من قبل حول رغبته في ضم بنما وغرينلاند وكندا إلى الولايات المتحدة إن لم يكن بالمال فبقوة الواقع، وسعيه إلى تقسيم حركة التصنيع والتجارة العالمية وفقاً لأهوائه، وكأن العالم "عزبة" يملكها وشركاءه من ذئاب "وول ستريت".
ويؤكد أن تلك التصريحات تأتي ضمن ممارسات متعارضة مع القانون الدولي، لا يمكن السكوت عنها أو الانتظار حتى تتحول إلى واقع يفاجئنا بقفزة أميركية داخل البيت، ليفرض علينا إرادتها بقوة الأمر الواقع، ولا يكون أمامنا سوى التسليم لمطالبه غير المشروعة.
ويحذر زهران من تجاهل الحكومة المصرية الرد على تصريحات ترامب بقوة، لافتاً إلى أنها تأتي متسقة مع رغبته في احتلال غزة وتحويل القطاع إلى مشروع سياحي أميركي في حماية إسرائيلية، وترحيل شعبه إلى مصر والأردن.
يؤكد زهران رغبته في أن يظهر الشعب "العين الحمراء" في وجه ترامب وحكومته، حتى يتوقف عن "البلطجة السياسية" التي ينتهجها ضد المصريين والعرب، داعياً الحكومة إلى العمل على فك الارتباط الاقتصادي مع الولايات المتحدة والمؤسسات المالية المحركة لها كصندوق النقد والبنك الدوليين، الذي يوظف أداوتهم المالية في إخضاع الدول عبر سياسة الإكراه الاقتصادي التي يتبعها مع كلّ الدول حالياً، لتحقيق مبدئه "أميركا أولاً".
تجدر الإشارة إلى أنّ "العربي الجديد" أجرت اتصالات عدة بمسؤولي هيئة قناة السويس، لكنّهم فضلوا الصمت وتجاهل تصريحات ترامب.
جس نبض صفقة مرتقبة
يصف خبراء نقل دولي، تصريحات ترامب بأنها بمثابة رسائل "جس نبض" اعتاد ترامب على استخدامها، عندما يشرع في التفاوض مع الدول على صفقة سياسية أو اقتصادية، لدفع مصر إلى التفاوض بشأنها وتقديم تنازلات قبل الشروع في دراستها. يشيرون إلى ضرورة التدقيق في ما يكتبه أو يصدره ترامب من تصريحات، من دون التسرع في مواجهتها، إلى حين رؤية خططه بوضوح، والتي يستهدف بها إعادة هندسة العالم.
يقول مسؤول سابق بهيئة قناة السويس لــ"العربي الجديد" إن مصر حريصة على الحفاظ على مكانة القناة بوصفها ممراً دولياً مفتوحاً أمام جميع الدول، وفي الوقت ذاته تدافع عن سيادتها في أمر لا يقبل التفاوض عليه، ومكاسبها الاقتصادية، ولن تقبل المساس بإيرادات القناة التي تمثل ثالث أكبر دخل للعملة الصعبة بالدولة.
يتابع المسؤول أن ادعاء ترامب بأنه "لولا الولايات المتحدة، ما بقيت القناة ممراً ملاحياً مفتوحاً أمام حركة التجارة الدولية"، أمر مردود عليه، لأن القناة تحميها القوات المسلحة والقوات البحرية المصرية، وأن مشاركة الولايات المتحدة، في حماية أمن الملاحة عبر الطرق البحرية المرتبطة بالقناة بخليج عدن والبحر الأحمر، التابعة للأسطول الخامس المقيم بقاعدة البحرين، لا يزيد دورها عن حماية السفن من القراصنة بخليج عدن، ومؤخراً الهجمات الحوثية ضد إسرائيل وسفن الدول المتحالفة معها في الحرب ضد الفلسطينيين.
يلفت المصدر إلى أن مشاركة مصر في بعض المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة مع القوات الأميركية لحماية الممرات المائية، لا تعني أن تتحكم واشنطن في القناة أو تحميها بشكل مستقل، خاصة أن مصر تجري تلك التدريبات مع قوات عربية وروسية وصينية وأوروبية، بهدف تأمين الملاحة الإقليمية والدولية، من دون أن تسمح لأي جهة بالتدخل في أعمال قناة السويس نهائياً، لأن مصر هي التي تحمي القناة عسكرياً وقانونياً أمام المجتمع الدولي.